9
جعل الفكرة الرئيسية فيها تشابه الطبيعة البشرية رغم ما بين الناس من اختلاف في الرأي والأخلاق والسلوك، «فنهر الراين يجري شمالا، ونهر الرون يجري جنوبا، ومع ذلك فالنهران ينبعان من جبل واحد، وهما يتبعان - رغم اختلافهما في اتجاه السير - قانونا واحدا للجاذبية، وكل ما بينهما من اختلاف في المجرى إنما يرجع إلى اختلاف الميل في الأرض التي يجريان عليها.»
ولم يمض بعد نشره ل «البحث في مبادئ الأخلاق» إلا عام واحد، حتى نشر (سنة 1752م) «مناقشات سياسية»،
10
فكان لها أكبر الأثر في ذيوع اسمه واتساع شهرته؛ وعن هذا الكتاب يحدثنا هيوم فيقول إنه بين مؤلفاته جميعا هو الكتاب الوحيد الذي صادف النجاح فور صدوره، إذ استقبله القراء خير استقبال في إنجلترا وخارج إنجلترا على السواء؛ ولعل العامل الأول في نجاح هذا الكتاب مثل هذا النجاح السريع هو خلوه من الآراء الميتافيزيقية المجردة، واهتمامه بالتاريخ وشواهده الواقعة.
وفي ذلك العام نفسه من حياته أخذت مسألة الدين تشغله، فأثبت آراءه في «محاورات في الديانة الطبيعية»
11
لكنه تردد في نشرها، وزاد إحجاما عن النشر حين نصحه أصدقاؤه بألا ينشر تلك الآراء في الناس؛ ومما يدل على حرصه الشديد على أن تجيء هذه «المحاورات» ناضجة محكمة الرأي، لبثه عدة أعوام يراجعها حينا بعد حين، يصلح منها في هذا الموضع ويحور الرأي في ذلك الموضع؛ ومع ذلك كله فقد حبسها عن النشر، فلم تصدر إلا بعد موته. (3) هيوم المؤرخ
كان هيوم في الريف إذ كان يكتب «مناقشات سياسية» و«محاورات في الديانة الطبيعية»، حتى إذا ما فرغ منهما قصد إلى إدنبره، وهناك وصلته الصلات برجال الكنيسة «المعتدلين» الذين ألفوا جماعة تعمل على رفع رجال الدين في الثقافة وفي مراتب المجتمع؛ كما أرادوا أن يقربوا مسافة الخلاف بين الدولة والكنيسة على أن يكون للقانون المدني الكلمة الأولى.
ها هنا خلا في جامعة إدنبره كرسي «المنطق» الذي كان يشغله آدم سمث (المعروف بكتابه في الاقتصاد) حين انتقل هذا إلى كرسي «الأخلاق»؛ فحاول هيوم للمرة الثانية أن يكون له نصيب في أستاذية الجامعة، وتقدم ليشغل المنصب الذي خلا، وكان صديقه آدم سمث يتمنى أن يراه زميلا له في الجامعة، ومع ذلك فلم يتقدم إلى تزكيته خوفا على نفسه من قالة الناس؛ والحق أننا لا نعلم إن كانت الفلسفة قد خسرت بهذا الرفض أم كسبت؟ أكان خيرا للفلسفة أم شرا عليها أن يوفق فيلسوفنا إلى الأستاذية الجامعية التي كان يصبو إليها؟ أحسبها قد خسرت كثيرا، لأن صاحبنا منذ ذلك الحين حتى ختام حياته لم يكد يكتب في الفلسفة شيئا جديدا يضيفه إلى ما كان قد كتبه فيها من قبل ذلك، فعلى فرض أن التحاقه بالمنصب الجامعي لم يكن ليحفزه إلى إضافة جديدة، فلا أقل من أن يتيح له الفرصة للتهذيب والشرح والتوضيح ... على كل حال قد انصرف هيوم منذ ذلك الحين (1751م) إلى كتابة التاريخ.
ناپیژندل شوی مخ