314

Darsat fi alsirah

دراسة في السيرة

خپرندوی

دار النفائس

د ایډیشن شمېره

الثانية

د چاپ کال

١٤٢٥ هـ

د خپرونکي ځای

بيروت

ژانرونه

- فقال لهم: «هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم» «١» .
توجه زيد بن أرقم فورا إلى الرسول ﷺ وأخبره الخبر، فقال عمر بن الخطاب ﵁، الذي كان يقف إلى جواره: مر عبّاد بن بشر فليقتله.
فأجابه الرسول ﷺ: إذن لأرعدت له أنف بيثرب كثيرة.. وكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟ لا ولكن أذّن بالرحيل، وذلك في ساعة لم يكن الرسول ﷺ يرتحل فيها. فتحرك المسلمون، وعندما سمع ابن أبي أن أمره قد انكشف مشى إلى الرسول ﷺ متوسلا وحلف بالله: ما قلت ما قاله زيد ولا تكلمات به!! فقال عدد من الأنصار عطفا على ابن أبيّ لمكانته في قومه: عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل! وعندما سمع أسيد بن حضير، أحد كبار الأنصار، الخبر من الرسول ﷺ وأن ابن أبيّ زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال أسيد: فأنت يا رسول الله الأعز والله تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز. وما لبث أسيد أن تذكر الظروف التي أحاطت بزعيم المنافقين ودفعته إلى اتخاذ موقفه الحانق هذا على الإسلام ورسوله فقال: يا رسول الله، ارفق به، فو الله لقد جاءنا الله بك وأن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه ليرى إنك قد استلبته ملكا»
!!
انطلق الرسول ﷺ بالمسلمين يومهم ذاك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم التالي، حتى آذنتهم الشمس بالمغيب، فعسكر بهم، وما أن وجدوا مسّ الأرض حتى وقعوا نياما. ولقد كان الرسول ﷺ حكيما في معالجته (الموقف) بهذا الأسلوب العملي. إنه موقف (نفسيّ) يتوغل بعيدا في مسارب النفوس والأعصاب، ومجابهته بالكلام والأقوال قد لا تجدي، وربما تزيده تعقيدا، فليكن الأمر إذن (عملا) مجهدا يوازي في حجمه حجم الموقف نفسه، ويمتصّ كل ما يمكن أن يغرزه في نفوس المسلمين من سموم، وسيتكفل التعب والنسيان بعد ذاك بالإتيان على بقاياه!! ومن أجل ذلك يقول ابن هشام: «وإنما فعل رسول الله ﷺ ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من عبد الله

(١) ابن هشام ص ٢٣٧- ٢٣٨، الطبري: ٢/ ٦٠٥، ابن سعد ٢/ ١/ ٤٦، الواقدي ٢/ ٤١٥.
(٢) ابن هشام ص ٢٣٨- ٢٣٩، الطبري ٢/ ٦٠٥- ٦٠٦، الواقدي ٢/ ٤١٧- ٤١٩.

1 / 316