ضرب اسکنداریه
ضرب الإسكندرية في ١١ يوليو
ژانرونه
أما الآن فالخديو نفسه كان أول المطالبين بالمجلس المنتخب الذي يراقب الخزانة ويكون له الرأي القاطع في موارد الدولة ومصارفها؛ لأنه يخلصه من سيطرة الوزيرين التي تحميها الدول بقوة المال والسلاح. فلم يجد طلاب الحياة النيابية معارضة من الخديو في إقامتها وتوسيع حقوقها. وتلاقت آراء العسكريين وغير العسكريين على حل واحد اعتقدوا أنه ترياق صالح لجميع السموم أو أنه على الأقل تجربة يرجى منها أن تفلح حيث خابت جميع التجارب في مشكلة الديون ومشكلة الإدارة.
وقد أيد الخديو موقفه بعجز «الوزارة الأوروبية» عن جمع قسط الدين في موعده وعزم المندوبين الدوليين في صندوق الدين على إعلان الإفلاس وتأجيل سداد الأقساط. وكان جوابه على احتجاج الوزيرين واتهامه بتعويق عملهما أنه أعد نظاما ماليا لسداد الديون لا يستلزم شهر الإفلاس. ثم أقال الوزارة واستدعى «محمد شريف باشا» لتأليف الوزارة الجديدة، وهو معروف بغيرته الوطنية ومبادئه الدستورية، ودعي مجلس شورى النواب للاجتماع فكان مطلبه الأول فرض رقابته على خزانة الدولة والاعتماد على النظم التي يرتضيها لسداد الديون.
وقد استند الخديو في عمله إلى إجماع الأمة، وقد كان إجماعها حقا منعقدا على رفض السيطرة الأجنبية وإسناد الأمر إلى وزارة وطنية. واتفق على طلب هذا من الخديو رؤساء الدين ووجهاء العاصمة والأقاليم وقادة الجيش، فكان جواب المندوبين الأوروبيين والموظفين الذين جاءوا بهم في الدواوين، إعلان الإضراب ورفض التعاون مع النظام الجديد. وأصروا على رفض التعاون حتى حين أبلغهم «شريف باشا» أنه مستعد لأداء القسط بفائدة خمسة في المائة، فامتنعوا عن تسلمه ولجوا في عنادهم وفضحوا نياتهم ونيات دولهم، فعلم من لم يكن يعلم أن السيطرة على البلاد هي الغرض المقصود، وأنهم لم يشيروا على الخديو بإنشاء مجلس الوزراء المسئول غيرة منهم على المبادئ الدستورية، وإنما هي سلطة ينقلونها من يد الخديو إلى أيديهم ويتشبثون بها ولو تكفلت لهم الوزارة المصرية بسداد الديون وقدمت برهانها الأول على صدق نيتها أن تؤدي القسط في ميعاده، بعد تعويل صندوق الدين والوزيرين الأوروبيين على شهر إفلاس البلاد!
وقد كان الخديو يقبل إعادة الرقابة الثنائية تفضيلا لها على تسليم مجلس الوزراء إلى وزيرين أجنبيين. ولكن الدول لم تقبل «أن تكون هيئة النظارة مشكلة من أعضاء وطنيين مصريين ومكلفة المسئولية لدى مجلس الأمة»، كما جاء في الأمر الخديوي بتأليف الوزارة الشريفية، وبرز بسمارك في الميدان بإيعاز من «نوبار باشا» رئيس الوزارة المقال، وكان نوبار قد تجنس بالجنسية البروسية ودأب على إثارة الدول على الخديو وحكومته، فحرض سفير ألمانيا في لندن أصحاب الديون ودولهم على المبادرة إلى حماية مصالحهم وحماية المحاكم المختلطة، وقد كانت تصدر أحكامها على الخديو كلما رفعت إليها قضية من قضايا الدائنين. وبدأت الدول بإسداء «النصيحة» إلى الخديو أن يعتزل العرش وهددته - إذا هو لم يأخذ بنصيحتها - أن تسعى عند الباب العالي لإلغاء فرمان الوراثة وتنصيب الأمير «حليم» عمه بدلا من ابنه الأمير توفيق، فلم يصغ إلى هذه «النصيحة» وعلق رجاءه بحماية السلطان العثماني لحقوقه. ولكن السلطان العثماني لم يقو على معارضة الدول مع إجماعها على طلب العزل، وتوهم أن موافقة الدول في هذه الأزمة قد تمكنه من استرداد بعض الامتيازات التي حصل عليها إسماعيل بفرمان سنة 1873، فأبرق إلى مصر بخلع إسماعيل وتنصيب ابنه توفيق في مكانه، وغادر إسماعيل مصر بعد وصول أمر الخلع بأربعة أيام (في آخر يونيو سنة 1879).
وقد قيل: إن المصائب لا تأتي فرادى، وصدق هذا القول على أتمه بما تعاقب من المصائب الطبيعية و«الاقتصادية» في عهد «إسماعيل»، فابتليت مصر بوباء الماشية ثم بوباء الهيضة «الكوليرا»، ثم بالقحط من جراء شح النيل تارة وطغيانه تارة أخرى، وحدث في خلال ذلك هبوط سعر القطن بعد ارتفاعه في إبان الحرب الأمريكية، فلم يبق في مصر من يرضى بحاله ولا يتحفز جهده لتغيير هذه الحال كيفما اتفق التغيير، وكانت الثورة عند جلوس «توفيق» على العرش نتيجة محتومة تنتظر موعدها من الزمان، ولا تتمهل في الانتظار.
قناة السويس
هذه القناة في رأي الأكثرين هي بيت القصيد من الخطة التي انتهت بضرب الإسكندرية في الحادي عشر من شهر يوليو سنة 1882؛ لأنها سبيل مهم من سبل المواصلات الإمبراطورية ومسلك نافع من مسالك التجارة العالمية. ومن لم يحسبها بيت القصيد من الخطة كلها فهي في تقديره غرض هام من أغراض السياسة الإنجليزية في القرن الماضي ولا تزال كذلك في القرن الحاضر، ولا سيما بعد انحسار النفوذ البريطاني في الهند وتطلع القوم إلى تعويضه بالسيطرة على موارد القارة الأفريقية، ويكفيهم من هذه الموارد خامات الصناعة الموفورة في أرجائها، إن لم يتحقق لهم ما يترقبه الخبراء من التنقيب عن المعادن في أجوافها. وقد طوى الساسة البريطانيون أسبابا كثيرة من ذرائع الاحتلال وظلوا يتشبثون بسبب واحد يزعمون أنه بغيتهم من الإصرار على إبقاء جيوشهم في الأراضي المصرية، وهو حماية القناة والتأهب لرد الهجوم عنها.
والغالب على اعتقاد المؤرخين أن الطريق بين البحر الأحمر ونهر النيل لم تنقطع قط في عهد من عهود الحضارة القديمة، وأن تجارة جزيرة العرب وبلاد الهند بعينها كانت هي بغية المصريين الأقدمين من العناية المتواصلة بهذه الطريق على تعدد المواقع والأزمنة.
ففي عهد الأسرة السادسة - وكان مقرها جزيرة أسوان - كان الملك «مريرع» يتخذ هذه الطريق على مقربة من مقر حكمه ويوالي العناية بمسالك البر بين قفط على النيل وبرنيس على البحر الأحمر، ولا يقل تاريخ هذه الطريق عن نحو ثلاثين قرنا، سبقتها قرون عدة في طريق غير ممهد لسير القوافل والبحث عن المعادن في بعض الجهات.
ولما انتقل الملك إلى أقاليم الشمال وجدت في عهد «سيتي الأول» - قبل الميلاد بأربعة عشر قرنا - قناة تمتد من فرع النيل عند «بوبسطة» وتصل إلى البحر الأحمر وتصلح للملاحة في أكثر أيام السنة، وهي القناة التي اشتهرت باسم «سيزوستريس» ورسمت صورتها على معابد الكرنك، ثم تجددت بعد هجرها قبل الميلاد بسبعة قرون في عهد الملك «نخاو» ولم يثابر على تجديدها؛ لأنه رأى في المنام أن الأرباب تحذره من تسليم مصر إلى الغرباء من جرائر هذه الطريق.
ناپیژندل شوی مخ