82

درجات ست

الدرجات الست وأسرار الشبكات: علم لعصر متشابك

ژانرونه

لكن ما المدى الذي يجب أن يصل إليه انتشار الابتكار قبل أن يوصف بالسلسلة؟ يتمثل مفتاح الإجابة عن هذا السؤال في شيء سبق لنا التعرف عليه، وهو: مفهوم التخلل. تذكر أنه في سياق الحديث عن انتشار الأمراض، كان تعريفنا للوباء هو وجود تكتل واحد متصل؛ التكتل المتخلل، الذي يشغل جزءا لانهائيا من الشبكة مهما يكن حجمها. وبالمثل، عندما ينشأ تكتل متخلل في سياق عدوى اجتماعية، يكون النظام عرضة لحدوث «سلسلة عامة». تنشأ سلاسل أصغر حجما طوال الوقت؛ فكل صدمة، في الواقع، تؤدي إلى ظهور سلسلة بحجم معين، حتى إن اقتصرت على المبتكر وحده فقط، لكن السلاسل العامة هي الوحيدة التي تنمو على نحو ذاتي الاستدامة بالفعل، ومن ثم تغير من حالة النظم بالكامل، وبناء عليه، وكما انصب اهتمامنا من قبل على الأوبئة أكثر من ظهور الأمراض نفسها، فإن السلسلة «العامة» هي التي تعنينا الآن.

لكن، على عكس انتشار الأمراض، حيث تحمل كل نقطة تلاق القدر نفسه من احتمالية أن تكون جزءا من تكتل مصاب بالمرض، لدينا الآن نوعان من نقاط التلاقي - سريعة التأثر والمستقرة - علينا التفكير فيهما على نحو منفصل. إذا تخيلنا ما سيحدث عند طرح ابتكار ما على مجموعة غير نشطة مبدئيا من الأفراد، فسنرى أنه لن يتمكن من الانتشار إلا عندما يكون المبتكر الأول متصلا بمعتنق أول واحد على الأقل. من الواضح أنه كلما زاد عدد المعتنقين الأوائل في مجموعة الأفراد، زاد احتمال انتشار الابتكار، وكلما كبر حجم التكتل المتصل للمعتنقين الأوائل لهذا الابتكار، اتسعت دائرة انتشاره، وإذا تصادف أن التكتل سريع التأثر الذي «يصيبه» الابتكار (أي التكتل الذي يحتوي على مبتكر ما) متخلل عبر الشبكة، فسيؤدي هذا الابتكار إلى ظهور سلسلة عامة، ومن ثم إذا احتوت الشبكة على «تكتل متخلل سريع التأثر»، فمن المحتمل أن تنشأ سلاسل عامة بها، والعكس صحيح؛ إن لم تحتو الشبكة على تكتل متخلل سريع التأثر، فدائما ما ستختفي السلاسل تدريجيا دون أن تنشط سوى جزء بسيط من مجموعة الأفراد.

ومن ثم اختزلت مسألة تحديد هل السلاسل الناجحة يمكن أن تظهر داخل أحد النظم أم لا إلى مسألة إظهار هل للتكتل المتخلل سريع التأثر وجود أم لا وحسب. وصدق أو لا تصدق، فقد حققنا تقدما هائلا في هذا الشأن؛ فمن خلال تحويل ما كان في الأصل ظاهرة ديناميكية (مسار كل سلسلة من صدمة أولية بسيطة إلى حالتها النهائية) إلى نموذج تخلل ثابت (أحجام التكتلات سريعة التأثر)، يسرنا من مهمتنا كثيرا دون أن نفقد جوهر تساؤلنا الأساسي. لكنها لا تزال مشكلة صعبة. شهدت الصور المختلفة لنماذج التخلل تقدما هائلا خلال الثلاثين عاما الأخيرة، لكن لم يتم التوصل إلى حل عام على الإطلاق. في الواقع، نظرا لأن علماء الفيزياء هم من طوروا فكرة التخلل، ولأن تطبيقات الفيزياء تتضمن عادة شبيكات منتظمة، فليس معروفا عن التخلل في بنى الشبكات المعقدة، كالشبكات الاجتماعية، سوى أقل القليل.

في هذا الجانب تحديدا، أثبتت بنية الرسوم البيانية العشوائية متناهية البساطة أهميتها. في الواقع، عند هذه المرحلة من التفكير في المسألة أدركت أنني بحاجة لفهم السلاسل في الرسوم البيانية العشوائية أولا، وفي تلك الأثناء أيضا، عملت بالتعاون مع مارك وستيف على التوصل إلى الأساليب الرياضية اللازمة لحساب خصائص اتصال الشبكات العشوائية (انظر الفصل

الرابع )، وهي الأساليب التي عدلناها فيما بعد بمساعدة دانكن كالاواي بهدف دراسة التخلل في سياق قوة الشبكة (انظر الفصل

السادس )، واتضح، بالمصادفة، أن الأدوات نفسها يمكن تطبيقها إلى حد بعيد على مسألة البحث عن تكتلات متخللة سريعة التأثر، لكن ليس على نحو تام؛ لأننا نتعامل الآن مع نوع مختلف من التخلل، ومثلما يوضح الشكل

8-4 ، فإن نقاط التلاقي ذات العدد الكبير من النقاط المجاورة تميل للاستقرار أمام تأثيرات النقاط المجاورة الفردية، ونقاط التلاقي المستقرة، بطبيعتها، لا يمكن أن تكون جزءا من أي تكتل سريع التأثر، ومن ثم، يحتاج التكتل سريع التأثر للنفاذ بفعالية في غياب أكثر نقاط التلاقي اتصالا في الشبكة. وليس من المدهش أن يكون لهذا الانحراف عن التخلل القياسي مؤثرات هامة على النتائج.

مع ما تتسم به التفاصيل الرياضية لهذا الأسلوب من فنية عالية، فإن النتائج الرئيسية يسهل فهمها من خلال التفكير فيما يعرف باسم «الرسم البياني الطوري»، الذي يعرض الشكل

8-5

مثالا عليه. يمثل المحور الأفقي متوسط قيمة توزيع الحدود؛ أي المقاومة المعتادة لأحد الأفراد لفكرة جديدة، أما المحور الرأسي، فهو متوسط عدد المجاورين بالشبكة (الدرجة) الذين ينتبه إليهم المرء، ومن ثم يلخص الرسم البياني الطوري جميع الأنظمة الممكنة التي يمكن تمثيلها في الإطار البسيط للنموذج. كل نقطة على السطح المستوي تمثل نوعا محددا من النظم، مع كثافة معينة للشبكة من ناحية، وحد متوسط للأفراد من ناحية أخرى، وكلما انخفض الحد المتوسط، زاد ميل الأفراد للتغيير، ومن ثم يمكن للمرء أن يتوقع ارتفاع السلاسل على نحو أكثر تكرارا على الجانب الأيسر من الرسم البياني (حيث تكون الحدود منخفضة) مقارنة بالجانب الأيمن، وهذا، بالطبع، ما نراه بالفعل، لكن العلاقة هنا معقدة نظرا لوجود الشبكة التي يلزم للسلسلة الانتشار بأرجائها.

ناپیژندل شوی مخ