درجات ست
الدرجات الست وأسرار الشبكات: علم لعصر متشابك
ژانرونه
وعلى مستوى أكثر شمولا، فإنني شديد الامتنان لعدد من الأشخاص بجامعة كولومبيا: بيتر بيرمان، ومايك كرو، وكريس شولز، وديفيد ستارك، بالإضافة إلى موراي جيلمان، وإلين جولدبيرج، وإريكا جين من معهد سانتا في، وآندرو لو من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا؛ لمنحهم إياي الحرية والدعم للسعي وراء اهتماماتي الأنانية التي أتت في بعض الأحيان على حساب مصلحتهم. هذا وقد قدمت كل من المؤسسة الوطنية للعلوم (بموجب المنحة رقم 0094162)، وشركة إنتل، ومعهد سانتا في، ومعهد الأرض بجامعة كولومبيا، دعما ماليا لعملي في التدريس والأبحاث، بالإضافة إلى سلسلة من ورش العمل المتخصصة في سانتا في ونيويورك، التي انبثق منها العديد من المشروعات وصور التعاون. لكن من بين العدد الكبير من الأشخاص المؤثرين، سواء في حياتي المؤسسية أو الشخصية، الذين عادوا علي بالنفع، يبرز شخصان على وجه التحديد: الأول هو ستيف ستروجاتس، الذي كان ناصحا ملهما، وخير معين، وصديقا مخلصا على مدار أعوام، أما الآخر فهو هاريسون وايت، الذي جاء بي لأول مرة إلى كولومبيا، وقدمني لأول مرة أيضا إلى معهد سانتا في، وأدخلني أخيرا في مجال علم الاجتماع؛ فدون هذين الرجلين، ما كان أي شيء من هذا ليصبح ممكنا.
وأخيرا، والدي. قد يكون من الحماقة تخمين مقدار تأثير نشأة المرء على مسار حياته، لكن في حالتي، تبدو بعض الأمور واضحة؛ كان والدي أول عالم عرفته في حياتي، وهو أيضا أول من أرشدني إلى متع البحث الإبداعي وآلامه، فضلا عن تحفيزه، بطريقته الخاصة، لعملية التفكير الكاملة التي تمخض عنها هذا الكتاب. في تلك الأثناء، لم تعلمني أمي كيف أقرأ وحسب، بل طبعت في ذهني أيضا، في سن مبكرة، أن الأفكار لا تكتسب قوتها إلا عندما يفهمها الناس. وقد منحاني معا، من خلال نموذج حياتهما شديد التميز، الشجاعة لتجربة أشياء ما كنت لأفكر أبدا أنها من الممكن أن تنجح. ولهما أهدي هذا الكتاب.
نيويورك سيتي
مايو 2002
الفصل الأول
عصرنا المتشابك
كان صيف عام 1996 قائظا، ارتفعت مؤشرات موازين الحرارة بجميع أنحاء البلاد لتسجل أعلى معدلاتها، وظلت على هذه الحال، ليمثل هذا دليلا بينا على التقلبات المناخية غير المتوقعة. في تلك الأثناء، أخذ الأمريكيون، الذين عزلوا أنفسهم في حصونهم المنزلية، يكدسون الطعام بالثلاجات، ويشغلون أجهزة التكييف، ويشاهدون - بالطبع - قدرا هائلا من البرامج التليفزيونية التي تخدر العقول. في الواقع، مهما يكن الموسم أو الطقس، فقد صار الأمريكيون يعتمدون على نحو متزايد على مجموعة مدهشة ومتنامية باستمرار من الأجهزة والمرافق والخدمات التي حولت بيئة اتسمت فيما مضى بعدائيتها، إلى نمط حياة يشبه النسيم البارد. لا يعد أي قدر من الابتكارية أو الطاقة مفرطا إذا أسفر عن فراغ أو مزيد من الحرية الشخصية أو توفير الراحة البدنية؛ فبدءا من المركبات مكيفة الهواء المماثلة في الحجم لغرف المعيشة، ووصولا إلى المراكز التجارية مكيفة الهواء المماثلة في الحجم للبلدات الصغيرة، بذلت أقصى الجهود والتكاليف في الحملة الأمريكية الحديثة اللانهائية لفرض نظام صارم على كوكب اتسم فيما مضى بالجموح، ولا يزال شامخا متغطرسا في بعض الأحيان.
يدير محرك الحضارة هذا الذي لا يعرف الهوادة كيان عادي ومألوف كالطبيعة ذاتها، لكنه عامل تغيير قوي للحياة، شأنه شأن أي من الاختراعات البشرية الأخرى، هذا الكيان هو نظام الطاقة الكهربائية. تمتد كخيوط العنكبوت بجميع أرجاء أمريكا الشمالية شبكة ضخمة من محطات الطاقة والمحطات الفرعية، إلى جانب كابلات النقل عالية الجهد التي تربط بينها. وشبكة نقل الطاقة الكهربائية، التي تتدلى كابلاتها قرب الأشجار على طول الطرق وتربط بين قمم جبال الأبلاش الشاهقة وتمتد أعمدتها كما لو كانت جنودا عمالقة عبر سهول الغرب الشاسعة، تعد سر حياة الاقتصاد، والجانب الواهن الحساس للحياة المتحضرة في الوقت نفسه.
يعد نظام الطاقة الكهربائية، الذي تأسس بقدر هائل من النفقات على مدار الجزء الأكبر من القرن الماضي، أهم الملامح التكنولوجية للعالم المعاصر، وتمثل الطاقة الكهربائية - الأكثر تغلغلا في الحياة من الطرق السريعة والسكك الحديدية، والأكثر أهمية من السيارات والطائرات وأجهزة الكمبيوتر - الأساس الذي تقوم عليه جميع صور التكنولوجيا الأخرى، وأساس الصرح المهيب لعصري الصناعة والمعلومات، ودون هذه الطاقة يصبح كل ما نفعله ونستخدمه ونستهلكه معدوما، أو يتعذر الوصول إليه، أو شديد الغلاء، أو غير ملائم؛ فالكهرباء إحدى حقائق الحياة التي تصل في جوهريتها إلى الحد الذي يتعذر معه تخيل الحياة بدونها. وإذا أجبرنا على ذلك، يمكن أن يكون الأمر مدمرا تدميرا هائلا، وهو ما اكتشفته مدينة نيويورك على مدار خمس وعشرين ساعة رهيبة في عام 1977، حينذاك، وفي مجتمع كان قد اكتشف لتوه الكمبيوتر، وكانت السيارات والمصانع والأدوات المنزلية أقل اعتمادا على الإلكترونيات مقارنة بالحال الآن، أدى انقطاع في الكهرباء، ناتج عن مجموعة غير متوقعة من الأخطاء الصغيرة ونقاط الضعف الشاملة، إلى إغراق نيويورك في الظلام، وإغراق سكانها البالغ عددهم تسعة ملايين نسمة في بحر من الشغب والنهب والسلب، ونشر الذعر على نطاق واسع، وعندما عادت الأضواء وأزيلت الأنقاض، بلغت الخسائر نحو 350 مليون دولار. أرهبت الكارثة الساسة والمنظمين على حد سواء، وهو ما جعلهم يتعهدون بألا يسمحوا بحدوث ذلك ثانية، ويطبقون عددا من الإجراءات الصارمة لضمان تنفيذ تعهدهم. وحسبما اكتشفنا منذ ذلك الحين، فحتى أفضل الخطط - في عالم متشابك معقد - لا يمكن أن تكون إلا عبثا لا طائل من ورائه.
إن شبكة الطاقة - شأنها شأن أي بنية تحتية أخرى، بدءا من أنظمة الطرق السريعة وصولا إلى شبكة الإنترنت - ليست في الواقع كيانا منفردا، بل عدة شبكات إقليمية متصلة بعضها ببعض في إطار أكبر يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة. أكبر هذه الوحدات الإدارية مجموعة من المحطات يصل عددها تقريبا إلى خمسة آلاف محطة وخمسة عشر ألف خط، تشكل شبكة النقل الخاصة ب «مجلس تنسيق النظم الغربي»، وهو تكتل لمولدي الطاقة وموزعيها مسئول عن توفير الكهرباء لكل شخص وكل شيء غرب جبال روكي، بدءا من الحدود مع المكسيك وصولا إلى المنطقة القطبية الشمالية. وفي قيظ أغسطس عام 1996، أدار كل من لديه مكيف هواء ذلك المكيف بأقصى قدرة له، ونالت كل زجاجة بيرة مثلجة في حفلات الشواء بالأفنية الخلفية نصيبها من الكهرباء التي تولدها هذه الشبكة، أما جموع السياح المصطافين الذين عزفوا عن العودة إلى الشرق، فأخذوا يتسكعون في المدن الساحلية، الأمر الذي أدى إلى زيادة مؤقتة في تعداد السكان، المتضخم بالفعل، في كل من لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وسياتل، ووصول الشبكة المتقادمة والمنهكة بالفعل إلى أقصى حدودها.
ناپیژندل شوی مخ