الجزء الأول من كتاب: ((درء اللوم والضيم في صوم يوم الغيم))
تأليف الإمام العالم شيخ الإسلام سيد الفقهاء شرف الحفاظ مفتي الفرق جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي (قدس الله روحه ونور ضريحه)
رواية: ولده السيد العالم الأوحد الفقيه محيي الدين أبي محمد يوسف -أبقاه الله تعالى- عنه.
رواية: عبد الرازق بن رزق الله بن أبي بكر الحنبلي الرسعني عنه.
مخ ۳۹
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام العالم الأوحد، شيخ الإسلام، سيد العلماء، ناصر الحق جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي -رحمه الله-:
الحمد لله الذي حفظ شرعه المنقول عن الرسول بأئمة حفاظ، يعرفون ما صح وما لا يصح من جميع الألفاظ، وكمل من شاء منهم بعرفان الفقه فتم بهم الحفاظ، فهم ينفون تحريف الغالين وانتحال المبطلين بغزارة العلم وقوة الاستيقاظ، وصلى الله على سيد الأنبياء محمد صلاة للسان بها إلظاظ، وعلى أصحابه وأتباعه إلى أن تسوق جهنم ملائكتها الغلاظ،
أما بعد،
فإن الميل إلى الهوى والعصبية شأن السفهاء، وقد تلبس به جماعة يعدون في العلماء، فلا ما عرفوه من العلم راضهم، ولا بلغوا -لافتضاح باطلهم- أغراضهم.
مخ ۴۱
ومذهبنا -بحمد الله- محفوف بالنقل محشود، فهو لمكان فضله وفضائله محسود، ولما بنى إمامنا أحمد بن حنبل -رضي الله عنه- على أثبت أساس، لم يستفد حساده إلا صداع الرأس!.
فمنهم: من يعيبه بالمفردات، وما فيها مسألة وإلا وقد تقدمه فيها سادات. ومنهم من يقول: قد أفتى بمنام، وما يبقى مع المتخرص المباهت كلام!.
ومنهم: من يسمينا: (الحشوية) إشارة إلى رواية الحديث، وما يصدر هذا إلا عن عقد خبيث.
ومنهم: من يتعرض لذم تابعيه وصحابته، ثم يقول عند الموت: احملوني إلى تربته!.
وممن له قصد لهذا المذهب طريف عجيب: أبو بكر أحمد بن علي الخطيب، فإنه ملأ بعلم أحمد جميع كتبه، ثم تحامل عليه وعلى أهل مذهبه، وله في ((التاريخ)) وغيره وكزات، والله المجازي على المقاصد والنيات:
مخ ۴۲
قال في ترجمة أحمد بن حنبل: ((إمام المحدثين))، وفي ترجمة الشافعي: ((زين الفقهاء))، فلم يذكر أحمد بالفقه، وما ضره ذلك فقد شهد له بالفقه الشافعي، والخطيب يروي هذا:
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج: قثنا الأصم قال: سمعت أبا يعقوب الخوارزمي يقول: سمعت حرملة بن يحيى يقول: سمعت الشافعي يقول: خرجت من بغداد وما خلفت بها أحدا أورع ولا أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل.
وحكى الخطيب في ترجمة حسين الكرابيسي أنه قال عن أحمد: أي شيء نعمل بهذا الصبي؟! إن قلنا: لفظنا بالقرآن مخلوق. قال: بدعة. وإن قلنا: غير مخلوق: قال: بدعة.
مخ ۴۳
فصل: وللخطيب دسائس في ذم أصحاب أحمد [بن حنبل] عجيبة، لا يفطن
لها إلا المبرز في العلم والفهم، ومن ذلك:
أنه ذكر مهنى بن يحيى، وكان من كبار أصحاب أحمد [بن حنبل]، وذكر عن الدارقطني أنه قال: مهنى ثقة نبيل. ثم حكى بعد ذلك عن أبي الفتح الأزدي أنه قال: مهنى منكر الحديث. وهو يعلم أن الأزدي مطعون عليه عند الكل، لا يقبل قوله.
قال الخطيب: حدثني أبو النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد الأرموي، قال: رأيت أهل الموصل يوهنون أبا الفتح الأزدي ولا يعدونه شيئا.
مخ ۴۴
قال الخطيب: وحدثني محمد بن صدقة الموصلي أن أبا الفتح قدم بغداد على ابن بويه، فوضع له حديثا: أن جبريل كان ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- في صورته. فأعطاه دراهم.
أفلا يستحيي الخطيب أن يقابل قول الدارقطني في مهنى ومدحه يقول هذا!! وإن هذا يدل على قوة عصبية وقلة دين.
ومال الخطيب على أبي الحسن عبد العزيز بن الحارث بن أسد التميمي، وهذا التميمي قد سمع من أبي بكر النيسابوري، والقاضي المحاملي، ومحمد بن مخلد الدوري، ونفطويه وغيرهم. وكان جليل القدر، له تصانيف في الأصول والفروع والفرائض، فتعصب عليه الخطيب: فحكى عن أبي القاسم عبد الواحد بن علي العكبري أن التميمي وضع حديثا.
وقد ذكر الخطيب أن هذا العكبري لم يكن من أهل الحديث والعلم، إنما كان يعرف شيئا من العربية، ولم يرو شيئا من الحديث.
وكان هذا العكبري أيضا معتزليا، وكان يقول: إن الكفار لا يخلدون في النار. فكيف يقبل قوله في الأئمة ومعلوم ما بين المعتزلة والحنابلة من العداوة؟!
مخ ۴۵
غير أن الخطيب يبهرج بعصبية باردة في ذم أصحابنا، وإذا ذكر المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم فخم أمرهم وذكر من فضائلهم ما يقارب الاستحالة. فإنه ذكر عن ابن اللبان أنه قال: حفظت القرآن ولي خمس سنين.
ومال الخطيب على أبي عبد الله بن بطة ميلا لا يخفى على من له أدنى فهم بعد أن ذكر عن الفضلاء مدحه:
فأخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني القاضي أبو حامد أحمد بن محمد الدلوي، قال: لما رجع أبو عبد الله بن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة فلم ير منها في سوق، ولا رؤي مفطرا إلا في يوم الأضحى والفطر. وكان أمارا بالمعروف، ولم يبلغه خبر منكر إلا غيره.
أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أنبأ العتيقي، قال: كان ابن بطة شيخا صالحا مستجاب الدعوة.
أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي عن أبي محمد الجوهري، قال: سمعت أخي الحسين بن علي أبا عبد الله يقول: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فقلت: يا رسول الله! قد اختلفت علينا المذاهب، فبمن نقتدي؟ فقال: عليك بأبي عبد الله بن بطة. فلما أصبحت لبست ثيابي، وأصعدت إلى عكبرا، فدخلت إليه، فلما رآني تبسم وقال: صدق رسول الله، صدق رسول الله، صدق رسول الله. يقولها ثلاثا.
مخ ۴۶
فغمزه الخطيب وقدح فيه بقول عبد الواحد بن علي الأسدي الذي قدح في التميمي، وذكر عن غيره أنه قال: ابن بطة ما سمع ((المعجم)) من البغوي.
وهذه شهادة على نفي، وقد قال ابن بطة: قرأنا على البغوي ((المعجم)) في نفر خاص في مدة عشرة أيام.
ثم روى الخطيب حديثا، وقال: الحمل فيه على ابن بطة. فواعجبا للخطيب! كيف يحكي عن أشياخه الفضلاء مدح هذا الرجل، ويعلم كثرة رواياته، ثم ينسبه إلى تعمد الخطأ في حديث واحد، والراوي لهذا الحديث عن ابن بطة: عبد الواحد الأسدي، فلم يجعل الحمل على الأسدي المعتزلي الراوي عن ابن بطة، دون ابن بطة المتدين الصالح. هذا التعصب القبيح الذي لا يخفى على الصبيان.
ومال الخطيب على أبي علي بن المذهب لأجل روايته ((المسند))، فقال: ألحق اسمه في أجزاء، وكان يروي عن ابن مالك ((كتاب الزهد))، ولم يكن له به أصل عتيق، وإنما كانت النسخة بخطه كتبها بآخره.
قلت: وهذا لا يوجب قدحا، إنما أهل الغفلة من المحدثين يقدحون بهذا، فإنهم لو سمعوا رجلا يقول: (حدثني فلان عن فلان) قبلوا، فإذا كتب سماعه بخطه توقفوا!. وهذا الرجل يجوز أن يكون ألحق سماعه في نسخته من نسخة أخرى، أو تيقن سماع ما ألحق فيه سماعه.
مخ ۴۷
قال الخطيب: وحدث ابن المذهب عن ابن مالك عن أبي شعيب بحديث، وجميع ما كان عند ابن مالك عن أبي شعيب جزء، وليس ذلك الحديث فيه.
قلت: ومن الجائز أن يكون ذلك الحديث سقط من نسخه، ويجوز أن يكون سمعه منه في غير ذلك الجزء.
قال الخطيب: وكان يعرض علي أحاديث في أسانيدها أسماء، فيسألني عنهم، فأذكر له أنسابهم فيلحقها في تلك الأحاديث.
قلت: وهذا قلة فقه من الخطيب، لأني إذا تيقنت اسم شخص جاز لي أن أنسبه! ولا فرق بين قولي: (حدثنا ابن المذهب)، وبين قولي: (حدثنا الحسن بن علي)، فهذا يدل على قلة فقه وفهم.
مخ ۴۸
فصل: واعلم أن تعصب الخطيب وميله قد بان لأكثر العلماء:
فأنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي عن أبيه، قال: سمعت إسماعيل بن أبي الفضل القومسي -وكان من أهل المعرفة بالحديث- يقول: ثلاثة من الحفاظ لا أحبهم لشدة تعصبهم وقلة إنصافهم: الحاكم أبو عبد الله، وأبو نعيم الأصبهاني، وأبو بكر الخطيب.
وكان إسماعيل هذا حافظا ثقة صدوقا، له معرفة بالرجال والمتون، عزيز الديانة، سمع أبا الحسين بن المهتدي، وابن النقور، وغيرهما. وقال الحق، فإن الحاكم كان متشيعا ظاهر التشيع، والآخران كانا يتعصبان للمتكلمين والأشاعرة.
وما يليق هذا بأصحاب الحديث، لأن الحديث جاء في ذم الكلام حتى قال الشافعي: رأيي في أصحاب الكلام أن يحملوا على البغال ويطاف بهم.
مخ ۴۹
فصل: وما زال أبو بكر الخطيب يميل على مذهبنا في تصانيفه ميلا
ظاهرا ينبئ عن حقد.
ومن أعجب ما رأيت له: مسألة صوم يوم الغيم، فإنه أظهر فيها تعصبا زائدا في الحد، وتكلم فيها بكلام العوام الذين يقصدون التشفي من الأعداء، وقبح قول من يقول بها، كأنه ما قالها إلا أحمد بن حنبل وحده، وهو يروي أنه قد قال بها جماعة من الصحابة والتابعين، ثم قال: ((أجمع علماء السلف على أن صوم يوم الشك غير واجب، وهو إذا كانت السماء متغيمة)).
مخ ۵۰
وهذا ضد ما علمه ورواه! ثم نسي أن جماعة من الفقهاء الأعلام انفردوا بمسائل وما شنعت عليهم، وأحمد فلم ينفرد. وأخذ هو يشنع بالمحال، ويقول: (خالف تعرف)، ويقول: (هذا خلاف الأحاديث الصحاح)، ويحتج بأحاديث ليس فيها حجة، وأحاديث يعلم هو بطلانها، وينكر أن يحمل الحديث على شيء فتبين بذلك قلة فقهه، وما زال الفقهاء يحملون الحديث على صور، ثم يحمل أحاديثنا وينسى ما قال، وما علم أنه يأتي بعده أحد يظهر عوار كلامه، ويبين تعصبه البارد، فرأيت أن أحرر هذه المسألة، وأذكر دليل المذهب فيها، وأبين فساد كلامه، والله الموفق.
مسألة: إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو قتر في ليلة الثلاثين من
شعبان ففيه ثلاث روايات عن أحمد:
إحداهن: يجب صوم ذلك اليوم من رمضان: أنبأنا محمد بن عبد الملك بن خيرون، قال: أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن بن عبد السلام المقرئ، قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، قال: أخبرنا محمد بن أحمد البوراني القاضي، قال: حدثنا أبو بكر الأثرم، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا كان في السماء سحابة أو علة أصبح صائما، فإن لم يكن في السماء علة أصبح مفطرا. ثم قال: كان ابن عمر إذا رأى في السماء سحابا أصبح صائما. قلت لأبي عبد الله: فيعتد به؟. قال: كان ابن عمر يعتد به، فإذا أصبح عازما على الصوم اعتد به، ويجزئه. قلت: فإن أصبح متلوما: يقول: إن قالوا هو من رمضان صمت، وإن قالوا ليس من رمضان أفطرت؟ قال: هذا لا يعجبني، يتم صومه ويقضيه لأنه لم يعزم.
مخ ۵۱
وهذه الرواية قد نقلها عن أحمد: ابناه صالح وعبد الله، وأبو داود، وأبو بكر الأثرم، والمروذي، والفضل بن زياد.
وهي اختيار عامة مشايخنا، منهم: أبو بكر الخلال، وصاحبه عبد العزيز، وأبو بكر النجاد، وأبو علي النجاد، وأبو القاسم الخرقي، وأبو إسحاق بن شاقلا، وأبو الحسن التميمي، وأبو عبد الله بن حامد، والقاضيان أبو علي بن أبي موسى، وأبو يعلى بن الفراء.
وهذا مروي من الصحابة: عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، ومعاوية، وعمرو بن العاصي، والحكم بن أيوب الغفاري، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق [رضي الله تعالى عنهم].
وقال به من كبراء التابعين: سالم بن عبد الله بن عمر، ومجاهد بن جبر، وطاووس، وأبو عثمان النهدي، ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وميمون بن مهران، وبكر بن عبد الله المزني في آخرين.
فأما الرواية عن عمر بن الخطاب:
مخ ۵۲
فروى أبو حفص بن رجاء العكبري، قال: حدثنا أبو أيوب المحور، قال: نا أبو الوليد القرشي، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: أخبرني ابن ثوبان عن أبيه.
عن مكحول أن عمر بن الخطاب كان يصوم إذا كانت السماء في تلك الليلة متغيمة، ويقول: ليس هذا بالتقدم، ولكنه التحري.
وأما الرواية عن ابن عمر:
فالحديث الصحيح الذي سنذكره أنه كان إذا رأى في السماء علة أصبح صائما.
وأما الرواية عن علي بن أبي طالب:
فأنبأنا أبو منصور بن خيرون، قال: أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي، قال: أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي، قال: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، قال: أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي، قال: أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمه: فاطمة بنت حسين.
أن علي بن أبي طالب قال: أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان.
وأما الرواية عن أنس:
مخ ۵۳
فأنبأنا ابن خيرون، قال أنبأنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا أبو طالب بن غيلان، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الشافعي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال:
ثنا يحيى بن أبي إسحاق، قال: رأيت الهلال إما الظهر وإما قريبا منها، فأفطر ناس من الناس، فأتينا أنس بن مالك، فأخبرناه برؤية الهلال، وبإفطار من أفطر، فقال: هذا اليوم يكمل لي أحد وثلاثون يوما، وذاك أن الحكم بن أيوب أرسل إلي قبل صيام الناس إني صائم غدا، فكرهت الخلاف عليه فصمت، وأنا متم يومي هذا إلى الليل.
وأما معاوية:
فروى أحمد: قثنا المغيرة، قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، قال: حدثني مكحول وابن حلبس.
أن معاوية بن أبي سفيان كان يقول: لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان.
مخ ۵۴
وأما عمرو بن العاصي:
فروى أحمد: قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: أخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة.
عن عمرو بن العاصي أنه كان يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان.
وأما أبو هريرة:
فروى أحمد: قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا معاوية بن صالح عن أبي مريم قال:
سمعت أبا هريرة يقول: لأن أتعجل في صوم رمضان بيوم أحب إلي من أن أتأخر، لأني إذا تعجلت لم يفتني، وإذا تأخرت فاتني.
وأما عائشة:
فأنبأنا ابن خيرون، قال: أنبأنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا الحسن بن أبي بكر، قال: أنبأ دعلج بن أحمد، قال: أخبرنا ابن زيد بن الصائغ، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا أبو عوانة عن يزيد بن خمير عن الرسول الذي أتى عائشة في اليوم الذي يشك فيه من رمضان، قال:
قالت عائشة: لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان.
مخ ۵۵
وأما أسماء بنت أبي بكر:
فبالإسناد عن سعيد بن منصور، قال: ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة.
عن فاطمة بنت المنذر قالت: ما غم هلال رمضان إلا كانت أسماء تتقدمه وتأمرنا بتقديمه.
وروى أحمد: قال: ثنا روح بن عبادة عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء أنها كانت تصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان.
ذكر هذه الأحاديث الفضل بن زياد القطان عن أحمد بن حنبل في مسائله.
وقد تعرض لها أبو بكر الخطيب بالتأويلات الفاسدة، وروى عن أربابها ما لا يناقضها:
فروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: ألا لا يتقدمن الشهر منكم أحد.
مخ ۵۶
وهذا لا حجة فيه.
وروى أن عمر قال: صوموا لرؤية الهلال، وأفطروا لرؤيته، فإن غم فعدوا ثلاثين.
وهذا محمول على الأخير.
وروى عن عثمان أنه كان لا يجيز شهادة الواحد في رؤية الهلال. وهذا لا يمس ما نحن فيه.
وروى عن علي أنه قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأتموا العدة.
وهذه إشارة إلى الأخير، لأنه أقرب المذكورين.
وهذا المراد بما روي عن ابن مسعود أنه قال: فإن غم فعدوا ثلاثين.
مخ ۵۷
وقال الخطيب: ((يحتمل أن يكون أسماء صامت تطوعا)). فهذا تأويله البارد، وكيف تحث أسماء على صيامه تطوعا، وقد نهي عن استقبال رمضان؟! والعجب لمن هذا تأويله كيف ينكر علينا تأويلا أصلح من هذا؟!.
والرواية الثانية: عن أحمد في هذه المسألة: أن المرجع في الصوم
والفطر إلى رأي الإمام: فإن صام وأمر الناس بالصوم وجب، وإن منع منه لم يجز صيامه:
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز عن أبي إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: ثنا أبو الحسن محمد بن العباس بن الفرات ، قال: أخبرنا حمزة بن القاسم الهاشمي، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: لا أرى صيام يوم الشك إلا مع الإمام ومع الناس.
وبهذه الرواية قال الحسن وابن سيرين.
والرواية الثالثة: لا يجوز صيامه من رمضان ولا نفلا، بل يجوز
صيامه نذرا أو كفارة، ونفلا يوافق عادة.
وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز صيامه من رمضان، ويجوز صيامه ما سوى ذلك.
مخ ۵۸
لنا في الدليل على الرواية الأولى ثلاثة مسالك: النقل، وأقوال
الصحابة، والمعنى.
أما النقل:
فأخبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين، قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن علي التميمي، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا إسماعيل، قثنا أيوب عن نافع.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)).
قال نافع: فكان عبد الله إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر فإن رؤي فذاك، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما.
مخ ۵۹