1 - عرس سانت ليك
2 - كيف أن الذي يفتح الباب أحيانا لا يدخل البيت
3 - كيف يصعب أحيانا التمييز بين الحلم واليقظة
4 - كيف قضت امرأة سانت ليك الليلة الأولى من زفافها
5 - كيف اجتمعت امرأة سانت ليك بزوجها
6 - توبة هنري الثالث وجهل السبب
7 - خوف الملك لأنه قد خاف، وخوف شيكو من أن يخاف
8 - كيف أن صوت الرب قد كلم شيكو بدلا من أن يكلم الملك
9 - عودة دي باسي إلى حلمه، وهو يزيد اقتناعا أنه حقيقة
10 - المسيو دي مونسورو
ناپیژندل شوی مخ
11 - كيف أن باسي قد وجد الرسم وصاحب الرسم
12 - ديانا دي ميريدور
13 - شيكو - الدير - المؤامرة - تتويج الدوق دانجو
14 - كيف أن سانت ليك وامرأته قد لقيا في طريقهما رفيقا للسفر
15 - الأب والابنة
16 - كيف علم الدوق دانجو أن ديانا دي ماريدور في قيد الحياة
17 - ما حدث بين الدوق دانجو والمسيو دي مونسورو
18 - الدوق دي كيز في اللوفر
19 - الملك والدوق دانجو
20 - الدوق دي كيز والدوق دانجو
ناپیژندل شوی مخ
21 - شيكو ينصح باسي بالهروب من باريس
22 - هروب الدوق، ومحاولة مصالحته مع الملك
23 - مبارزة مونسورو وسانت ليك، ورامي ينقذ مونسورو
24 - عودة الدوق دانجو إلى باريس وحيلة مونسورو
25 - المكيدة
26 - الانتقام
الخاتمة
1 - عرس سانت ليك
2 - كيف أن الذي يفتح الباب أحيانا لا يدخل البيت
3 - كيف يصعب أحيانا التمييز بين الحلم واليقظة
ناپیژندل شوی مخ
4 - كيف قضت امرأة سانت ليك الليلة الأولى من زفافها
5 - كيف اجتمعت امرأة سانت ليك بزوجها
6 - توبة هنري الثالث وجهل السبب
7 - خوف الملك لأنه قد خاف، وخوف شيكو من أن يخاف
8 - كيف أن صوت الرب قد كلم شيكو بدلا من أن يكلم الملك
9 - عودة دي باسي إلى حلمه، وهو يزيد اقتناعا أنه حقيقة
10 - المسيو دي مونسورو
11 - كيف أن باسي قد وجد الرسم وصاحب الرسم
12 - ديانا دي ميريدور
13 - شيكو - الدير - المؤامرة - تتويج الدوق دانجو
ناپیژندل شوی مخ
14 - كيف أن سانت ليك وامرأته قد لقيا في طريقهما رفيقا للسفر
15 - الأب والابنة
16 - كيف علم الدوق دانجو أن ديانا دي ماريدور في قيد الحياة
17 - ما حدث بين الدوق دانجو والمسيو دي مونسورو
18 - الدوق دي كيز في اللوفر
19 - الملك والدوق دانجو
20 - الدوق دي كيز والدوق دانجو
21 - شيكو ينصح باسي بالهروب من باريس
22 - هروب الدوق، ومحاولة مصالحته مع الملك
23 - مبارزة مونسورو وسانت ليك، ورامي ينقذ مونسورو
ناپیژندل شوی مخ
24 - عودة الدوق دانجو إلى باريس وحيلة مونسورو
25 - المكيدة
26 - الانتقام
الخاتمة
لا دام دي مونسورو
لا دام دي مونسورو
تأليف
ألكسندر ديماس
ترجمة
طانيوس عبده
ناپیژندل شوی مخ
الفصل الأول
عرس سانت ليك
كان يوم الأحد من عام 1578م موافقا لعيد وطني يعيد فيه الشعب الباريسي ويبتهج بهجة عامة، فتناول جميع سكان تلك العاصمة على اختلاف درجاتهم وتباين مقاماتهم، فيشترك الجميع فيه على السواء بإعداد الحفلات والولائم متسابقين إلى الافتخار بصدق وطنيتهم، وعلائم البشر والسرور لائحة بين المباسم وفي ثنايا الوجوه.
فلم تكد تنتهي حفلات ذلك اليوم، وتغرب شمسه عن سماء باريس، حتى بزغت شموس من الأنوار في قصر مشيد الأركان واقع على إحدى ضفتي نهر السين تجاه قصر اللوفر.
ذلك أن الملك قد صادق على زفاف حنة دي بريزاك، ابنة أحد مارشالية فرنسا، إلى نديمه وأخص المقربين إليه في ذلك العهد، وهو فرانسوا دي سانت ليك.
وقد تناول العروسان الطعام مع جميع المدعوين في قصر اللوفر، حيث جرت حفلة الزفاف.
وكان الجميع بمظاهر الابتهاج والسرور ما عدا الملك الذي لم يصادق على هذا الزواج إلا بعد العناء الشديد، فإنه كان عابس الوجه، مقطم الجبين، ولوائح الغضب والقسوة ماثلة بين عينيه.
فلما فرغت حفلة الإكليل، دنت امرأة سانت ليك منه وشكرته، فأعرض عنها ولم يجبها بحرف مما دل جميع الحضور أن الملك غير راض عن هذا الزواج، وأنه لم يصادق عليه غير مكره.
ومع ذلك فلم يستغرب أحد منهم هذا لعلمهم بأن السبب فيه سر من أسرار البلاط، وأن هذا الغضب سحابة صيف ستنقشع عن قريب.
أما سانت ليك فإنه نظر إلى امرأته نظرة خفية يحثها بها على السكينة والصبر، ثم دنا من الملك وقد رآه يتأهب للرحيل، فوقف أمامه وقفة المهابة وقال له بلهجة الخشوع والاحترام: ألا يشرفني مولاي بحضور الحفلة التي أعدها لجلالته هذه الليلة في قصر مونمورانسي؟
ناپیژندل شوی مخ
فأجابه الملك بمنتهى العظمة : نعم سنحضرها، وإن كنت لا تستحق مثل هذه المودة منا.
ثم ارفضت الحفلة، وانصرف الملك بخاصته.
ومضى العروسان وبعض المدعوين إلى قصر مونمورانسي، فلم يكن يشغل القوم غير حديث العروسين، وما لقوه من نفرة الملك منهما، وغضبه عليهما.
فكانوا يتسابقون إلى سؤال سانت ليك عن السبب في غضب الملك على ما هو مشهور فيه من صداقته والميل إليه.
فكان يجيبهم بالكلام المبهم ويطمئن امرأته وحميه بقدر ما يسمح له المقام.
وأقام المدعوون ينتظرون قدوم الملك وسواه من كبار المدعوين، كملك النافار وامرأته، والدوق دانجو شقيق الملك، وكاترين والدته، وغيرهم من رؤساء فرنسا.
أما ملك النافار، فقد كان ذهب إلى بيران مع امرأته للنظر في شأن حزب الهوكينوت الذي كان يرأسه، فلم يعد مطمع في حضوره، وأما الدوق دانجو فإنه كان من طباعه أن يتأخر عن الجميع في مثل هذه الحفلات، ولكنه يرسل رجالا أشداء كان بينهم وبين رجال الملك إحن وعدوان، فلا يمر يوم حتى يكون بين الفريقين معركة يلتحم فيها القتال فتسفر عن جريح، أو يستباح فيها قتيل.
وأما كاترين فإنها كانت قد بلغت ما تشتهيه من بلوغ ولدها إلى العرش، فكانت تحقق باسمه أمانيها، وتتلاعب في الشئون السياسية فتقضي منها أوطارها على ما تشاء، وهي تتظاهر بانقطاعها عن العالم والانصراف إلى العبادة والتزهد.
لذلك لم يكن سانت ليك يطمع في حضورها، فلم يبق بين أولئك العظام غير الملك، الذي لم يكن يشغله شاغل عن مثل هذه الولائم والحفلات لفرط شغفه بالرقص، فكان صاحب الحفلة واثقا من حضوره، لا سيما وقد سبق إليه وعده بذلك على ما تقدم.
وفيما هو جازع، وقد أخذ الجميع يقنطون من حضوره، إذ علا الصياح في جوانب القصر، وارتفعت أصوات الضحك من جميع الحضور، فتسارعوا إلى معرفة السبب في هذا الضحك، فرأوا شيكو نديم الملك لابسا لباس الملك وتاجه، وهو يتهادى في مشيته مقلدا الملك في جميع حركاته، ويمد يده إلى السيدات كي يقبلنها.
ناپیژندل شوی مخ
وكان شيكو هذا من أشراف فرنسا، وهو وافر الذكاء، كثير الدهاء ، شديد الإخلاص لمولاه، وقد دخل إلى البلاط بصفة مضحك الملك، وهي عادة جرى عليها ملوك فرنسا في ذلك العهد، وكان يتجاوز الحد أحيانا في الهزل، غير أن الملك كان راضيا عنه لشدة ثقته به وحاجته إلى آرائه.
ثم دخل الملك في إثره يحيط به رجاله أعداء رجال أخيه الدوق دانجو، وهم موجيرون وكاليس وشومبرج والبارون أو وأبرنون، فانتظمت الحفلة وهدأ روع امرأة سانت ليك، فدنت من زوجها وقالت: لم أعد أخشى أمرا بعد أن قدم الملك، ولا يسوءني غير تأخر أخيه الدوق.
فتنهد زوجها وقال: إني على عكس ما ترتئينه، فإني أخاف الملك حاضرا أكثر مما أخافه غائبا؛ لأنه لم يحضر إلا لإساءتي، وسترين أن أخاه لم يمتنع عن الحضور إلا ليكيد لي.
ولم يمض على هذا برهة وجيزة، حتى أعلن الحاجب عن قدوم الكونت دي باسي، فاتجهت كل العيون إلى هذا الكونت، وأحدق به الحضور من كل جانب، ولا سيما رجال الملك الذين كانوا ينظرون إليه شزرا؛ لأنه كان صفي الدوق دانجو، وقد اشتهر بالبسالة والإقدام وكره رجال الملك والازدراء بكل عظيم.
وكان فوق ما هو عليه من الشجاعة شريف النسب كبير النفس، وقد سأله الملك مرة أن يكون من أتباعه، فأبى عليه بعظمة جعلت الملك يحنق عليه ويريد له الأذى.
وقد حاول مرارا أن ينكل به بالسياسة والقوة، فكان الدوق دانجو يحميه من كيد السياسة، وهو يدفع عن نفسه بنفسه حملات رجال الملك ويسيء إليهم في كل حين حتى سئم الملك منه، وأخذ يترقب الفرص للتنكيل به بواسطة رجاله.
فلما دخل هذا الكونت إلى قاعة الاجتماع، أخذ يحيل نظره بين الحضور فيرمق أعداءه، ولا سيما رجال الملك بالنظر الشزر، ويبش إلى أصحابه وأصفيائه، ولم يكد يسير بضع خطوات في القاعة حتى دخل في إثره ستة رجال من بطانته، بل من حاشية الدوق، وهم مرتدون بأحسن الملابس.
فجعلوا ينهجون نهج رئيسهم من احتقار رجال الملك الذين كادوا أن يتميزوا من الغيظ، وحاولوا أن ينقضوا على الكونت فيقطعوه بشفار سيوفهم ، لو لم تسبق إليهم إشارة خفية من الملك نفسه الذي ناله ما نالهم من قحة الكونت، فصبروا عليه ورموه بنظرات ملؤها الإنذار والوعيد، نفذت إلى قلب الكونت كالسهام.
وكان شيكو ينظر إلى الفريقين وهو يخشى عاقبة تلك النظرات، فجعل يؤنب الكونت دي باسي لقدومه بمثل هذه الحاشية التي لا يقدم بها الملوك، ويكلمه بلسان الملك وهو يمزج الهزل بالجد، ويجمع بين القسوة واللين.
ثم أشار بطرف خفي إلى سانت ليك، فذهب إلى الكونت يحتفل به ويشكره لقدومه، ويبعده عن رجال الملك حذرا من وقوع مكروه، لما كان يعلمه من جرأة الكونت الذي لا يحترم سلطة، ولا يهاب مقام الملوك.
ناپیژندل شوی مخ
ورأى الملك أن سانت ليك قد زاد في مؤانسة الكونت، فحنق عليه ودعا به، فلما مثل بين يديه وبخه على ما أظهره من إكرام هذا الرجل، لا سيما وهو يعلم أنه عدوه الألد.
فاعتذر سانت ليك بأنه ضيفه، وأنه لا يسعه إلا إكرام ذلك الضيف في منزله ...
ورأى سانت ليك أن عيني الملك قد اتقدتا لهذا الكلام بشرر الغيظ، فعقب على كلامه فقال: ولكنه سيخرج من منزلي وسيكون له شأن.
فهدأ روع الملك، وسكن ثائر غضبه، ونظر إلى الكونت نظرة ملؤها الكره والاحتقار، وقال لسانت ليك على مسمع من رجاله: نعم، أحب أن أفرغ من شأن هذا الرجل، فأنا أحل لكم دمه، ولكن احذروا منه لأن بأسه شديد.
وكان لهذا الكلام تأثير عظيم على رجال الملك، الذين تقدم لنا ذكر أسمائهم.
فاجتمعوا حلقة في القاعة، وبينهم سانت ليك، ليتآمروا على قتل هذا البطل العظيم اغتيالا، إذ لم يكن بينهم من يجسر على أن يلقاه فردا، ولما انتظم عقدهم قال أبرنون: إنني سأذهب بعد حفلة الزفاف إلى الصيد.
قال دي أو: لصيد ماذا؟ - لصيد الدب، فإن الملك أمرنا بذاك.
قال موجيرون: لقد فهمت وسنذهب جميعا، ولكن أتظن أن الملك يرضى بذاك؟ - هو الذي أمر.
وطال اجتماعهم حتى تيقظ له الكونت دي باسي، فدنا منهم مع بعض رفاقه وقال لهم تحت طي الهزل : إن من يراكم على هذه الحالة لا يشك أنكم تتآمرون.
فقال كاليس: كلا، ولكننا عزمنا على الصيد في هذه الليلة بعد خروجنا من حفلة الزفاف، ونحن نتشاور في أمر هذا الصيد. - ولكني لا أشير عليكم بذاك؛ لأن البرد قارص، وسينالكم منه أذى شديد؛ ولذا فلا أظن أن جلالته يسمح لرجاله الأصفياء أن يركبوا متن هذا الخطر. - إنما نحن نصدع بأمره، فهو الذي أمرنا أن نصطاد، فهل تود أن تكون معنا؟ - كلا، لأني مرتبط غدا مع الدوق. - إننا سنصيد هذه الليلة بعد انقضاء الحفلة. - ويسوءني أنني مقيد في هذه الليلة أيضا، فقد ضربت موعدا في فندق التورنيل، ولا بد لي من الذهاب إليه. - ومن أي جهة تسير إليه، فإن السبل غير آمنة في هذه الأيام، وأخاف أن يحيق بك مكروه. - إني أشكر صدق ودك، وأي طريق تشير علي أن أتخذ؟ - سر بالطريق الذي يؤدي إلى الفندق من وراء اللوفر.
ناپیژندل شوی مخ
فعلم الكونت مراده بإشارته إلى هذا الطريق المقفر الذي أصبح في ذاك العهد ساحة يلتقي بها المتبارزون، وقال له: هو ذاك أيها الناصح الصادق، فسأذهب في هذا الطريق.
ثم نظر إلى الخمسة نظرة تهكم وازدراء أشعلت في قلوبهم نار الحقد، وانصرف عنهم فاختلط بين المدعوين.
ولما خلا المكان بالمتآمرين قال كاليس: إني أبشركم بنيل بغيتنا من هذا الرجل، فإنه ذاهب لا محالة في الطريق التي هديناه إليها.
فقال موجيرون: أنذهب بجملتنا للفتك برجل فرد؟
فأجاب كاليس: نعم، وما يؤمننا أن يصحب معه رجاله، فيعود الوبال على من يخاطر بالذهاب إلى لقائه فردا؛ ولذا فيجب أن نذهب جميعنا ما عدا سانت ليك الذي هو مضطر إلى البقاء مع امرأته، ولا سيما في أول ليلة من زفافه.
فتأوه سانت ليك وقال: ليست امرأتي التي تحول دون ذهابي معكم لقضاء هذه المهمة، بل الملك نفسه، فإنه أمرني أن أذهب معه إلى اللوفر، وربما أمرني أن أبيت فيه أيضا.
فقال كاليس: هذا برهان آخر يدل على شدة تعلق الملك بك؛ فإنه لا يطيق أن يفارقك ساعة حتى في ليلة الزفاف.
فكظم سانت ليك غيظه، ثم سمع شيكو يناديه، فغادر رفاقه يتباحثون في المكيدة التي نصبوها للكونت دي باسي، وانطلق إلى امرأته فقال لها كي تخبر شيكو بأنه قادم إليه.
وذهب للبحث عن الكونت حتى لقيه، فخلا به في إحدى الغرف وقال له: إني لم أبحث عنك يا سيدي إلا لأقول لك إنه إذا كان لك موعد في فندق التورنيل، فإني أنصح لك أن تؤجله إلى الغد؛ لأن الطريق مخطرة، وفيها مكامن يقدر أن يختبئ بها كثير من الرجال، أقول هذا وأنا أجلك عن المهابة، وأعيذ نفسي من أن أتهمك بالخوف، ولكني قلت ما قلته من قبيل النصح والخوف عليك، فتأمل وافعل ما تريد.
وعندها سمع شيكو يناديه باسم الملك، فيقول: أين أنت مختبئ، وأنت تعلم أني في انتظارك للذهاب إلى اللوفر؟
ناپیژندل شوی مخ
فعلم سانت ليك أن الملك مصر على عزمه، وأن ليس من الحكمة مخالفته، فقال في نفسه: لقد مهدت أسباب السلام بيني وبين الدوق دانجو، بما أطلعت عليه صفيه الكونت دي باسي من مؤامرة أعدائه عليه، وعزمهم على الفتك به، فلأجتهد الآن بتمهيد تلك الأسباب بيني وبين الملك؛ لأن حنقه علي شديد.
ثم ودع الكونت وانطلق إلى الملك الذي كان ينتظره.
فأمر جلالته بالرحيل، وأن يعد مكان لسانت ليك في مركبته الخاصة، فامتثل القوم وارفض الجمهور.
وذهب الملك، يصحبه شيكو وسانت ليك.
أما امرأته فإنها ولجت إلى غرفتها مع نسائها، فجعلت تبكي البكاء المر، وأما أبوها فإنه أرسل ستة من الفرسان إلى اللوفر، كي يحرسوا صهره عند عودته منه، فعادوا إليه بعد حين وهم يقولون: لم يعد لنا أمل بعودة سانت ليك هذه الليلة، فإن الملك قد رقد، وأقفلت أبواب القصر.
فأخبر ابنته بما علم، فباتت ليلتها على أحر من الجمر.
الفصل الثاني
كيف أن الذي يفتح الباب أحيانا لا يدخل البيت
يوجد بالقرب من باب سانت أنطوان قبة عظيمة، كثيرا ما ينتابها اللصوص فيكمنون بها لأبناء السبيل.
وكانت هذه القبة واقعة في الطريق المؤدية إلى فندق التورنيل، وهي طريق مقفرة خالية يكاد أن لا يمر بها الناس في النهار، وأما في الليل، ولا سيما في ليالي الشتاء الباردة، فلم يكن يمر بها أحد لوعورة مسالكها، وكثرة المخاوف فيها.
ناپیژندل شوی مخ
وقد كان الجو في هذه الليلة، التي نقص بها هذا الحديث، مقتما والأفق مربدا بالغيوم السوداء، والسماء تمطر كرات الثلوج من خلال الرعود القاصفة، فكأنها المدافع ترسل قنابلها.
ولم يكن المار بهذه الطريق يستطيع أن يرى أحدا فيها لاشتداد الظلام، على أنه لو حدق لرأى من خلال وميض البرق جماعة مختبئين في هذه القبة المتسعة، وقد كانوا يتكلمون بصوت منخفض يكاد أن يكون همسا، فقال أحدهم: لقد أصاب باسي، فإن البرد في هذه الليلة لا يحتمل، وإن جلدي يكاد أن يتمزق.
فأجابه صوت آخر: أنت يا موجيرون تشكو من البرد شكوى النساء، ولا أنكر أنه لا يوجد حر، ولكن لو تزملت بردائك ووضعت يديك في جيوبك لذهب عنك ما تشكوه من البرد.
فأجابه صوت آخر: وأنت يا شومبرج، فإنك تتكلم كما تشاء لأني أشعر بأن شفتي تدمي من البرد.
وقال آخر: إني أشعر بأن يدي قد يبستا، وأنه ليس لي يدان.
فقال كاليس: إننا إذا كنا نشكو الآن من البرد يا أبرنون، فسنشكو الحر بعد حين.
فقال أبرنون: لست أنا الذي يتحدث، فإني أخشى إذ تحدثت أن يجمد كلامي من البرد فلا يبلغ إلى مسامعكم.
وفيما هم على ذلك إذ سمعوا وقع أقدام، فذعروا والتفتوا جميعهم إلى جهة الصوت ثم قال أحدهم: ليس هو؛ لأن هذا القادم آت من جهة سانت بول، وقد قال باسي بأنه يقدم من جهة أخرى.
فقال كاليس: ربما يكون قد وقعت له ريبة بنا فغير الطريق.
فأجابه موجيرون: أنت لا تعرف دي باسي، فإنه يمر من حيث يقول، ولو أيقن بأن الشياطين كامنة له. - إذا فتهيئوا للهجوم. - مهلا، إني أراهما اثنين، وها هما قد وقفا أمام منزل.
ناپیژندل شوی مخ
ثم ومض البرق فأضاء لهم، ورأوا أن أحد هذين الرجلين قد وضع مفتاحا في قفل هذا المنزل وفتحه.
فقال كاليس: هيا بنا إليهما قبل أن يلجا.
وأسرعوا عدوا إلى الرجلين.
وكان بين الفريقين مسافة، فالتفت أحد الرجلين إلى رفيقه وقد سمع وقع أقدام الكامنين، فقال: ما هذا؟
فأجاب رفيقه: لا أعلم يا مولاي، وأحسب ذاك كمينا، فهل تبيحون باسمكم أو تحرصون على التخفي؟ - لا هذا ولا ذاك، فلندخل إلى هذه السيدة؛ لأني أرى لها كثيرا من العشاق.
ولم يكد يتم كلامه حتى حال الكامنون بينهما وبين الباب، وقد أقبلوا عدوا وهم يصيحون: ليمت!
فنظر إليهم أحد هذين الرجلين بعظمة، وقال مخاطبا كاليس بصوت أجش: لقد سمعتك يا كاليس تقول ليمت! فهل بلغت منك الجرأة إلى هذا الحد؟
فاختلج كاليس وقد علم أن مخاطبه الدوق دانجو، فركع وقال: عفوا مولاي.
وفعل جميع رفاقه مثل فعله، وقد ذعروا لهذا الاتفاق.
فقال الدوق: ألا تزالون تصيحون ليمت!
ناپیژندل شوی مخ
فقال أبرنون: عفوا يا مولاي، فإننا نمزح ولم يخطر لنا في بال أن سموكم تأتون إلى مثل هذا المكان المقفر، في مثل هذه الساعة المتأخرة. - إن هذا المزح غريب في بابه، وحيث لم أكن المقصود به فلنر مع من كنتم تمزحون؟
فقال كاليس: لقد رأينا يا مولاي أن سانت ليك قد خرج من منزله واتجه إلى هذا المكان، فتعقبناه ثم غاب عنا، ورأينا رجلا يفتح باب هذا المنزل فظننا أنه صديقنا، وأردنا أن نعلم السر الذي حمله على فراق امرأته في الليلة الأولى من زفافه، والمجيء إلى هذا الشارع المقفر، فهجمنا عليه على ما رأيت ونحن لا نريد بذلك غير المزاح. - إذا إنكم قد حسبتموني سانت ليك.
قال موجيرون: ذلك لا ريب فيه؛ لأننا لا نجسر على أن نتصدى لسموكم في سبيل ملاذه.
فانتفض الدوق وقال: إني لم أقدم إلى هذا المكان جريا وراء الملاذ، بل أنا قادم إلى المنجم مناساس، الذي يقيم في شارع التورنيل كما تعلمون، فاذهبوا الآن في شأنكم، واعلموا بأني لا أريد أن يعلم بوجهتي أحد على الإطلاق.
فانحنى الكامنون أمامه باحترام، وذهبوا إلى حيث كانوا ، فقال الدوق لرفيقه: هيا بنا لندخل الآن، فقد ذهبوا ولم يبق موجب للحذر. - إني أرى عكس ما يرتئيه مولاي؛ لأنهم لم يذهبوا كما توهم، بل إنهم رجعوا إلى مكمنهم في القبة حيث كانوا مختبئين، وعندي أنه خير لنا لو رجعنا إلى القصر فلا نبقي مجالا للظنون، وسنعود في الغد. - أنت مصيب، ولكني آسف لضياع هذه الفرصة. - نعم، غير أني أخبرت سموكم بأن هذا المنزل قد عقد إيجاره إلى عام، وقد عرفت أيضا أن السيدة تقيم في الطبقة العليا منه، وفوق ذلك فقد اتفقت مع وصيفتها، فأعطتني مفتاح باب غرفتها، ومفتاح الباب الخارجي معنا.
ولذلك، فإننا نستطيع أن نرجع متى شئنا، أما في هذه الليلة، فلا أرى من الحكمة أن ندخل إلى هذا المنزل؛ نفيا للمظان، وحذرا من الشبهات. - هل أنت واثق من أن المفتاح قد وافق القفل؟ - أتم الثقة؛ لأني جربت ثلاثة مفاتيح حتى فتح بالرابع. - وهل أقفلت الباب؟
وكانا قد بعدا عن المنزل وخشي من الرجوع إليه لما كان يراه من مراقبة الكامنين، فقال: نعم، قد أقفلته، ووضعت المفتاح بجيبي على حدة، كي لا أغلط فيه. - ولكني أحب أن أعرف غاية أولئك الكامنين. - إنهم يكمنون ولا ريب لعدو لهم، وما بقاؤنا في هذا المقام إلا إلقاء بأنفسنا إلى الهلاك، فإن لسموكم كثيرا من الأعداء. - إذا لنذهب على أن نعود. - نعم، ولكن ليس في هذه الليلة؛ لأني لا أرى غير المكامن ... ويحق لي أن أخاف عندما أكون بصحبة وريث التاج الفرنسي.
وكأن هذا الحديث قد أثر تأثيرا شديدا على الدوق، فاضطرب وقال بلسان يتلجلج: سر بنا إلى القصر، فأنت مصيب في حذرك.
وللحال عرجا في عطفة من الطريق وانطلقا.
ولم يكد الدوق ورفيقه يبتعدان ويحتجبان عن الأنظار حتى سمع وقع حوافر فرس في الطريق نفسها التي قدم منها الدوق، بالقرب من ذلك المنزل، وظهر من خلال البرق فارس عالي القامة، كان يسير بفرسه الهوينى، بالرغم من اشتداد البرد وانهمار المطر، فصاح كاليس يقول: هذا هو!
ناپیژندل شوی مخ
فقال موجيرون: إن هذا محال ، فإنه فرد وقد غادرناه وبصحبته فارسان. - ألا تسمع صوت سعاله الرنان؟
ولم تخطئ فراسة كاليس؛ لأن القادم كان الكونت دي باسي بعينه، وهو يسير على جواده الهوينى في هذا السبيل المخطر، لا يحفل بإنذار ولا يخشى مكيدة.
ولم يحله تحذير سانت ليك، بل أتى من الطريق نفسها التي أخبر عنها المتآمرين عند اجتماعه بهم في حفلة الزفاف، وفوق ذلك فإنه أنف من أن يصحب معه رفاقه لقلة اعتداده بأعدائه، ولفرط شجاعته التي بلغ بها حد الجنون.
وكان يقول في مجالسه: إني لست سوى شريف بسيط، ولكني أحمل بين جنبي فؤاد إمبراطور، وقد قرأت تاريخ أبطال الرومان، فلم أجد بينهم بطلا مشهورا حتى سرت على نهجه، وسبقته في جميع ما يفتخر به من الإقدام.
وكان هذا الكونت قد فكر بحديث سانت ليك، وأعاره حقه من الانتباه، غير أنه لم يكن يثق به لعلمه أنه من حزب الملك وخاصته وأشد المقربين إليه؛ ولذلك فإنه خشي أن يكون تحذيره إياه حيلة يريد إدخالها عليه بقصد تجربته والحط من شجاعته في عيون أخصامه، فأحب أن يؤيد هذه الشجاعة التي اشتهر بها ببرهان جديد.
فأطلق سراح أتباعه وأتى بنفسه على الخطة التي رسمها، وهو يعلم أن ما وراء هذا الإقدام غير الموت، غير أنه لم يعبأ بالهلاك في جانب حفظ سمعته من وصمة الأقاويل.
ولم يكد يبلغ بجواده الباب الذي كان فتحه رفيق الدوق دانجو، حتى أحاط به الخمسة الكامنون من كل صوب، وانقضوا عليه والسيوف مشهرة بأيديهم انقضاض الصواعق، وهم يصيحون: ليمت باسي! ليمت عدونا الألد!
فرجع باسي بجواده خطوة إلى الوراء، وجرد حسامه بمنتهى البسالة، وقال بصوت الساخر: إذا أنا هو ذلك الدب الذي كنتم تريدون صيده بأمر الملك، فطيبوا نفسا، إنكم ستنالون منه ما تشاءون، ولكن بعد أن ينال منكم ما يشاء.
فهجم عليه شومبرج وقال: ليكن ما تريد، ولكنك فارس ونحن على الأقدام، ومن العدل أن نتساوى.
ثم طعن صدر جواده بحسامه فخرق أحشاءه، فصاح الجواد صيحة منكرة وخر صريعا.
ناپیژندل شوی مخ
أما الكونت فإنه قفز عنه إلى الأرض والحسام مشهر في يده، وحمل على خصمه حملة هائلة فجرحه في فخذه جرحا بالغا دعاه إلى اعتزال القتال والاهتمام بجرحه.
ثم هجم على رفاقه وهو غير مكترث بالموت، فجرح كاليس وضرب بحسامه صفحا أبرنون على زنده فأطار الحسام من يده.
وأخذ يجول بينهم فينال بحسامه أجسادهم ويثخنهم جراحا، وكلما أصاب واحدا عاد إلى الآخر، حتى كلت قواه وأصيب بجرح بالغ أسال دمه كأفواه القرب.
وتألبوا جميعهم عليه حملة واحدة، فرجع إلى الوراء يلتمس الحائط ليدرأ به حملاتهم عليه من الوراء.
فلما بلغ إليه صادف بابا، فرفسه برجله فإذا هو مفتوح، فبرقت عيناه بأشعة الأمل.
وأعاد الكرة عليهم فجرح منهم اثنين.
ثم عاد إلى ذلك الباب وقد نهكت قواه لفرط ما سال من دمائه، فولجه وتمكن من إيصاده بالزلاج الحديدي بعد الدفاع الشديد، فكان له النصر العزيز بنجاته.
وبعد أن أوصد الباب مشى بضع خطوات إلى أن انتهى إلى سلم، فسقط عليه وهو لا يعي.
ثم شعر بسكوت عميق، فخيل له أنه هابط إلى ظلمة القبر، ثم أطبق عينيه وضاع رشده، فلم يعد يعي لشيء.
الفصل الثالث
ناپیژندل شوی مخ
كيف يصعب أحيانا التمييز بين الحلم واليقظة
وكان الكونت دي باسي بعد أن أقفل الباب في وجه أخصامه، وقبل أن يقع مغميا عليه، قد تمكن من ربط جرحه البالغ بمنديل.
ولكن هذه العصابة لم تكن كافية لمنع انصباب الدماء وسيلها من جرحه بغزارة، فقضت عليه بهذا الإغماء.
فحدث له بسبب ما نزف من دمائه ضعف في المخيلة أو حمى في الرأس.
ونحن نقص على القراء ما رآه هذا الكونت، أو ما خيل له أنه رآه في الحلم أو في اليقظة بعد ذلك الإغماء كما رواه عن نفسه، فنقول:
أول ما فتح عينيه وجد نفسه في غرفة جميلة الأثاث، مفروشة بالبسط وجدرانها مزدانة بالصور المتقنة الصنع.
ثم رأى، أو خيل له أنه رأى أشباحا أو تماثيل تحمل بأيديها ضمات الزهور والرياحين وهي تخترق الجدران، وتسير منها إليه.
ثم رأى نافذتين مزدانتين بالستائر الجميلة، ورأى بينهما صورة فتاة يتلألأ وجهها بأشعة من نور، وعيناها تنظران إليه بإشفاق وحنان ...
ووجد نفسه ملقى على فراش ناعم ذي أعمدة ذهبية، غير أنه لم يكن يستطيع حراكا كأن يدا قوية قد ضغطت عليه، أو كأنه مشدود إلى ذلك السرير بحبال متينة.
فلم يكن يستطيع أن يحرك عضوا من أعضائه، ما خلا عينيه اللتين كان ينظر بهما محدقا إلى تلك الصورة الجميلة، وشفتيه اللتين كان يبسم بهما لها، وهو معجب منذهل مما يراه من جمالها الفتان.
ناپیژندل شوی مخ
وفيما هو محدق بها وقد خلبت لبه، وملكت شغافه، خيل له أن تلك الصورة قد تحركت وتجسمت.
فبرزت منها امرأة مرتدية بثوب طويل أبيض، كأنها ملاك قد شق كبد الغمام وهبط من السماء.
وهي ذات شعر أشقر طويل مسترسل على كتفيها، وعينين سوداوين ترمي بهما السهام عن قوسي حاجبيها.
ولها بشرة بيضاء شفافة يكاد يظهر من خلالها سريان دمها في العروق، فيصبغ تلك البشرة الناعمة بلون الورد.
وفي الجملة، فقد بلغت الغاية القصوى من الجمال، كأنها خلقت كما اشتهت.
ولم يكد باسي يراها حتى اختلج فؤاده، وحاول أن يهب من فراشه فينطرح على قدميها، ولكنه شعر بأنه مقيد برباط شديد لم يستطع حله، وأنه لا يستطيع حراكا كالأموات.
وكان باسي قد رأى أشباحا وتماثيل يهبط بعضها من سقف الغرفة، ويشق بعضها الجدران، فيمتزجان ويشتبك بينهما العراك، فلما برزت تلك الفتاة لم يعد ينظر إلى الأشباح وانصرف نظره إليها، فجعل يغازلها بإنشاد الأشعار الرائقة.
ولكنه لم يكد يتم أشعاره فيها حتى احتجبت عن عينيه، وحال بينه وبينها رجل معصوب العينين كانت تقوده إليه امرأة عجوز.
فاحتدم الكونت غيظا، وهم أن يفتك بذلك الرجل وتلك العجوز، ولكنه لم يستطع حراكا، وفيما هو يتململ، وقد كاد يتميز من الحنق إذ سمع هذا الرجل يقول: أبلغت المكان الذي تقودونني إليه؟
فأجابه صوت رخيم هاجت له عواطف الكونت: نعم، قد وصلت ويمكن الآن أن ترفع العصابة عن عينيك.
ناپیژندل شوی مخ
فحاول باسي أن يرى إذا كانت صاحبة هذا الصوت هي نفس تلك الفتاة التي ملكت قياده.
فلم يستطع أن يتحرك، ولم ير أمامه غير ذلك الرجل الذي أزاح العصابة عن عينيه.
وأجال نظرا مضطربا في أنحاء الغرفة، ثم رأى سريرا كان منطرحا عليه الكونت.
فعلم أنهم لم يأتوا به إلا لعيادته.
فدنا منه وتأمل في جرحه.
وبينما هو يفحص الجرح إذ سمع باسي ذلك الصوت الرخيم، يسأل ذلك الطبيب فيقول: هل الجرح مميت؟
فأجاب الطبيب: لا أعلم شيئا الآن.
وعاد إلى الكونت اختلاجه عند سماع هذا الصوت، فحاول أن يتكلم لكنه لم يستطع.
وبعد ذلك ببرهة أحس بألم شديد في أحشائه كأن نارا حامية قد كوتها، ففقد ما كان باقيا له من الشعور، ولم يعد يحس بشيء.
وقد استحال على باسي أن يعرف مدة إغمائه، ولكنه لما أفاق من ذلك الإغماء شعر بريح باردة تهب على وجهه، ففتح عينيه وهو يرجو أن يرى تلك الفتاة والأشباح.
ناپیژندل شوی مخ