في تلك الدقيقة نظرت إليه فوجدت المدامع تتلألأ في عينيه، والابتسام يراود شفتيه، وشعاع الحب يكلل رأسه، فاقتربت منه وقبلت جبهته متبركا مثلما يقبل الكاهن المذبح، ثم ودعته ورجعت مرددا قوله: «تلك التي أخرجت آدم من الجنة بقوة إرادتها وضعفه، قد أعادتني إلى تلك الجنة بحنوها وانقيادي».
بين الحقيقة والخيال
تحملنا الحياة من مكان إلى مكان وتنتقل بنا التقادير من محيط إلى آخر، ونحن لا نرى إلا ما وقف عثرة في سبيل سيرنا ولا نسمع سوى صوت يخيفنا، يتجلى لنا الجمال على كرسي مجده فنقترب منه، وباسم الشوق ندنس أذياله ونخلع عنه تاج طهره، يمر بنا الحب مكتسيا ثوب الوداعة فنخافه ونختبئ في مغائر الظلمة، أو نتبعه ونفعل باسمه الشرور، والحكيم بيننا يحمله نيرا ثقيلا وهو ألطف من أنفاس الأزهار وأرق من نسيمات لبنان، تقف الحكمة في منعطفات الشوارع وتنادينا على رءوس الأشهاد فنحسبها بطلا ونحتقر متبعيها، تدعونا الحرية إلى مائدتها لنلتذ بخمرها وأطعمتها فنذهب ونشره فتصير تلك المائدة مرسحا للابتذال ومجالا لاحتقار الذات، تمد الطبيعة نحونا يد الولاء وتطلب منا أن نتمتع بجمالها فنخشى سكينتها ونلتجئ إلى المدينة، وهناك نتكاثر على بعضنا بعضا كقطيع رأى ذئبا خاطفا، تزورنا الحقيقة منقادة بابتسامة طفل أو قبلة محبوبة فنوصد دونها أبواب عواطفنا ونغادرها كمجرم دنس، القلب البشري يستنجد بنا والنفس تنادينا ونحن أشد صمما من الجهاد لا نعي ولا نفهم، وإذا ما سمع أحد صراخ قلبه ونداء نفسه قلنا هذا ذو جنة وتبرأنا منه.
هكذا تمر الليالي ونحن غافلون، وتصافحنا الأيام ونحن خائفون من الليالي والأيام، نقترب من التراب والآلهة تنتمي إلينا، ونمر على خبز الحياة والمجاعة تتغذى من قوانا، فما أحب الحياة إلينا وما أبعدنا عن الحياة.
يا خليلي الفقير
يا من ولدت على مهد الشقاء، وربيت في أحضان الذل، وشببت في منازل الاستبداد، أنت الذي تأكل خبزك اليابس بالتنهد، وتشرب ماءك العكر ممزوجا بالدموع والعبرات.
يا أيها الجندي المحكوم عليه من شرائع البشر الظالمة بأن يترك رفيقته وصغاره ومحبيه، ويذهب إلى ساحة الموت من أجل طمع يدعونه الواجب.
ويا أيها الشاعر الذي يعيش غريبا في وطنه ومجهولا بين معارفه، ويرضى من العيش بمضغة ومن الحطام بالحبر والورق.
ويا أيها السجين المطروح في الظلمة من أجل ذنب صغير جسمه غي الذين يقابلون الشر بالشر، واستغربته عاقلة الألى يرومون الإصلاح بواسطة الفساد.
وأنت أيتها المسكينة التي وهبها الله جمالا رآه فتى العصر فاتبعك وغرك وتغلب على فقرك بالذهب، فاستسلمت له وغادرك فريسة ترتعد بين مخالب الذل والتعاسة.
ناپیژندل شوی مخ