82

دم او عدالت

الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر

ژانرونه

وفي التجربة النهائية، أضيفت لمسة علمية لطيفة على خطواتها. فقد جرى قياس وزن الحيوانات قبل نقل الدم وبعده، وأي فضلات خرجت كان يجري جمعها وقياس وزنها. ومن ثم، أمكن التأكد من نقل أوقيتين من الدم من أحد الكلبين إلى الآخر. وأعيدت التجربة ونقلت أوقيتان أخريان من الدم، لكن مع تفريغ ثلاث أوقيات من الدم خوفا من ملء الكلب بكمية زائدة من الدم. ونفق الكلب المستقبل في اليوم التالي.

في ضوء تلك النتائج السيئة، ليس من الغريب ألا يشعر أعضاء الأكاديمية بالحماس البالغ تجاه نقل الدم. ومع ذلك، لم يستسلموا تماما، وتساءلوا عما إذا كان من الممكن استخدام أنبوبين ونقل الدم في الاتجاهين في آن واحد. وكانت الفكرة هي السماح باختلاط الدم في كلا الكلبين واتحادهما، إلا أنه رؤي أن المشكلات الفنية لإجراء ذلك على الحيوانات الصغيرة مثل الكلاب كانت كبيرة.

وكانت النتيجة أن الأمل في نجاح نقل الدم صار ضئيلا، رغم أنه ربما لم يزل مفيدا في العلاج المبني على استعمال جرعات الدم. ونصت إحدى الملاحظات الختامية على ما يلي:

لكن هذه الأفكار عند فحصها لم تدعم الاعتقاد بأن هناك أساسا قويا للآمال التي علقت على تبديل الدم، وتبدو الطريقة التي استخدمتها ميديا لإعادة الشباب إلى حماها أكثر واقعية وأقل خرافية، حيث لم تدع الجراحة الحكيمة تجديد دم آيسون بمجرد حقن السوائل العلاجية في أوردته التي سحبت منها الدم القديم، لكنها اعتمدت في الجزء الأساسي للعلاج على دواء أعطته إياه عن طريق الفم.

دوني يخطو خطوته

إذن، كيف تخطر الأفكار الجيدة للمرء؟ أحيانا يستطيع الناس تسجيل اللحظة التي جاءتهم فيها الفكرة، لكن في الغالب تستغرق تلك العملية بعض الوقت. فحتى تلك الحكايات التي تروى عن سقوط التفاحة على إسحاق نيوتن ووضع نظرية الجاذبية الأرضية يعتقد أنها ملفقة. من المؤكد أنه لا يوجد أي سجل يوضح لماذا ترك دوني الرياضيات لبعض الوقت، وتحول اهتمامه لنقل الدم. ومن الواضح أنه سمع بمحاولة الآخرين نقل الدم، وبما أنه كان قد تعاون مع إميري فقد رأى في ذلك فرصة لمواصلة عمله. فأول من ينجح في علاج مريض من خلال نقل الدم سيحظى بأهمية كبيرة. ولم يكن هناك كثير من الوقت ليضيعه.

لذلك ذات مساء في بدايات مارس 1667، جلس دوني ليكتب أول منشور له يتناول عمله في بحث نقل الدم. وكان هدفه أن ينشر ما كتبه في دورية «جورنال دي سافونز». واكتسبت هذه الدورية الحديثة نسبيا قاعدة كبيرة من القراء في باريس، وأخذ القراء على مستوى العالم يشتركون فيها كذلك. وكان العدد الأول للدورية التي أسسها قاضي باريس دوني دي سالو قد صدر في 5 يناير 1665. وكانت الدورية بالأساس مخصصة لمقالات نقدية، لكنها أحيانا كانت تنشر بعض الأبحاث في العلوم والطب والتكنولوجيا.

نشر مقال دوني في عدد 14 مارس 1667 من الدورية، وهو ما أسعده كثيرا، وتضمن تفاصيل محاولاته الأولية مبينا أن المحاولة الأولى جرت في 3 مارس ذلك العام، وهو اليوم نفسه الذي جرت فيه تجربة جايانت الخامسة. وجرى في التجربة نقل الدم من كلب يشبه الثعلب وكلبة سبنيلي. وابتسم دوني لدى تقليبه صفحات إحدى نسخ الدورية عندما قرأ التقرير الذي كتبه عن التجربة الثانية لنقل الدم التي أجراها هو وإميري في 8 مارس. وكان هذا مرضيا بوجه خاص حيث نجحا في نقل الدم من المستقبل في التجربة الأولى إلى كلب ثالث. وتضمنت التجربة تفصيلة مهمة هي أنهما أبقيا الغرفة دافئة؛ إذ لم يرغبا أن يبرد الدم في أثناء مروره في الأنابيب الموصلة؛ فكان هذا سيفقد الدم حرارته الحيوية. وظهرت سعادة دوني بتلك الخطوة في وصفه للعملية بأنها كانت أقل خطرا مما توقعا. فالدم دخل أجسام ثلاثة كلاب في خلال أسبوعين فقط وبدت جميعها في صحة جيدة وفي كامل قوتها وفي حالتها المستأنسة. وانبهر أحد الأطباء الذين شهدوا الحدث، قائلا إنه لم يكن ليظن أبدا أن ما حدث ممكن إن لم يره بنفسه.

سيشعر أي عالم معاصر بالغيرة من حقيقة أن تلك التجارب نشرت على ما يبدو في دورية خلال أسبوع من إجرائها. من السهل الوقوع في خطأ الاعتقاد أن التكنولوجيا تعجل من إيقاع الأحداث حتما. لكن مع كل الشروط الإضافية المفروضة في يومنا هذا من أجل العرف ومن أجل التدقيق، يستغرق النشر في دورية أكاديمية عادة من ستة أشهر إلى سنة على الأقل من تاريخ الانتهاء من التجربة.

مرة أخرى، كتب دوني خطابا في مجال دراسته. وكان الخطاب هذه المرة موجها إلى راعيه مونتمور، مبينا تسلسل دراسات دوني في نقل الدم حتى تاريخه. وكما كان معتادا وقتها، استهل دوني خطابه بنسبة جزء كبير من الفضل في نجاح عمله إلى مونتمور؛ وذلك اعتمادا على أن الفكرة نوقشت لأول مرة في منزله وأكاديميته. وكان من الواضح حرص دوني على الثناء على راعيه، وحرصه في الوقت نفسه على أن يدافع عن نفسه أمام اتهامه بالطيش الذي كان منتشرا في أوساط العامة:

ناپیژندل شوی مخ