دم او عدالت
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
ژانرونه
في 18 أبريل 1667، قرأ إدموند كينج تقريرا على الجمعية الملكية. وفصل كينج في هذا التقرير آخر تطورات نقل الدم، زاعما أنه وجد طريقة أكثر أمانا لإجراء تلك العملية. كان كينج طبيبا ناشئا في الثامنة والثلاثين من عمره وكان حديث الزواج. وكان قدره يزداد رفعة لدى كثيرين، وسرعان ما أصبح ضمن دائرة الملك من الأطباء الشخصيين. في الواقع، جاء السبب الرئيسي لشهرته بعد بضع سنوات عندما هرع إلى فراش الملك وقرر أن يجري له الفصد قبل وصول أي طبيب آخر ليعطي استشارات أخرى. ونجا تشارلز الثاني، وصار إدموند كينج بطلا، وقد منحه مجلس بريفي (وهو مجلس استشاري) مكافأة قدرها 1000 جنيه استرليني. وبالنظر إلى موارد تشارلز المالية المحدودة لم يكن من الغريب أن إدموند لم يتلق المكافأة.
أجريت التجربة، حسبما شرح كينج للأعضاء المجتمعين، في 29 مارس 1667. فبعد أن دفع 50 شلنا مقابل عجل متوسط الحجم و33 شلنا وأربعة بنسات لشراء أكبر خروف رآه، أخذ كينج الحيوانين إلى منزله. وكانت فكرته هي العودة إلى نقل الدم من الوريد للوريد. كان لذلك ميزتان؛ الميزة الأولى: هي أن الأوردة يسهل الوصول إليها دون الحاجة إلى جراحة كبيرة. والميزة الثانية: هي أن الدم لا يتدفق في كل مكان في حالة ارتكاب خطأ على عكس ما يحدث في حالة الشرايين.
وبدأ كينج بتفريغ 49 أوقية من دم الخروف. وعند هذا الحد، ظن المراقبون جميعا أن الحيوان الضعيف قد فقد وعيه. وكان كينج يأمل أن يتسبب إحداث هذا النقص في امتصاص الخروف الدم من العجل بمجرد توصيل أوردتهما معا. وبعد وضع الأنبوب الموصل انتظر لخمس دقائق أملا في أن يكون هذا وقتا كافيا لنقل كمية أكبر من الدم من الأوقيات التسع والأربعين التي فقدها الخروف. بعدها نهض الخروف وتحرك وبدا أنه سليم.
ربما لفتت التجربة إلى طريقة أكثر أمانا لنقل الدم، لكنها لم تنفع الخروف. وبعد انتهاء تلك المرحلة من التجربة، أراد كينج أن يرى ماذا يحدث إذا أفرغ دم الخروف كله. وكما هو متوقع نفق الخروف. لكن كينج أخبر الجمعية الملكية «أن الخروف بدا لونه أبيض جميلا وكان لحمه ألذ من المألوف بحسب رأي كثيرين ممن أكلوا لحمه.»
وبعد أن تخلص كينج من الخروف، التفت إلى العجل. كان العجل في حالة غير مستقرة حيث كان نصف دمه قد فقد أو نقل إلى الخروف. وصعب ضغط الدم المنخفض على كينج استخراج مزيد من الدم من الوريد. يقول كينج: «عندها فتحت الشريان السباتي». كانت الفوضى الناتجة كبيرة، حيث اندفع الدم في جميع أركان الغرفة. وبرغم أن العجل قد قيد بإحكام، فإنه كان يقاوم، مرسلا كل دفقة دم إلى موضع مختلف. مع ذلك ، ذكر كينج أنه تمكن من جمع 25 أوقية من الدم قبل أن ينفق العجل. على الناحية الأخرى، كان لحم العجل شاحبا وأبيض، تماما مثلما كان الحال مع الحمل، وكان كل من اجتمعوا لفحص الجثة على يقين أن اللحم كان أكثر بياضا عما ينتج عن طرق الذبح العادية.
ولم تشمل التجربة التالية التي وصفها كينج سوى كلب ماستيف عاثر الحظ. ففي 4 أبريل 1667، أفرغ كينج 18 أوقية من دم الكلب، وأراد عندها أن يحقنه بالقدر نفسه من اللبن الدافئ المذاب فيه بعض السكر. ومن الواضح أن كينج كان يعمل تبعا لفرضية أن دور الدم هو توزيع المواد الغذائية على الجسم؛ وهي فكرة منطقية جدا وكانت صحيحة جزئيا على الأقل. إلا أن التجربة لم تجر كما خطط لها. بداية، انتشر اللبن في جسم الحيوان بنحو أسرع مما أراد كينج. وبعدها أصبح الكلب أكثر اضطرابا وكافح ليتحرر من قيوده. وبعد مرور بضع دقائق هدأ الكلب، بعد أن استنفدت طاقته على الأرجح لتخور قواه سريعا، وهو ما مكن كينج من حقن اللبن المتبقي.
انتهت التجربة، وحل كينج قيود الكلب الذي قفز من فوق الطاولة ومر بخفة من جانب كينج. لكن لم يدم هذا النجاح طويلا؛ إذ «مرض الكلب بشدة وقصرت أنفاسه لدرجة أني خشيت أن يموت. لكن بعد أن تقيأ مرة أو اثنتين خرج فيهما بعض الدم، استعاد نشاطه.» وبأخذ عينة من دم الكلب لمعرفة ماذا يجري بالداخل، وجد كينج أن الدم واللبن لم يختلطا، رغم أنه ظن أنهما سيختلطان مع الوقت. بعد سبع ساعات، فوجئ كينج بأن الكلب فقد السيطرة على أطرافه، لكنه استجاب عند التحدث إليه بلطف. وبعد ثلاث ساعات أخرى، دخل الكلب في غيبوبة، وكانت حركته الوحيدة هي التنفس. وفتح كينج فمه وأعطاه مقدار كوب جعة من الطعام المفيد السائل، بعدها انتهت معاناة الكلب وفارق الحياة.
وقتها كانت الساعة العاشرة مساء، وكان الظلام دامسا فلم يستطع كينج أن يقوم إلى الكلب ليرى ما حدث داخل جسمه؛ لذا قرر أخذ قسط من الراحة والنوم ثم تشريح جثة الكلب في الصباح التالي. لكن بحلول الصباح، واجه كينج مشكلة كبيرة؛ وهي ظهور رائحة نتنة شديدة. لقد كانت الفضلات البشرية وكل أشكال الفضلات الأخرى تتجمع في برك متعفنة في شوارع لندن وتتدفق بكميات كبيرة في بالوعات الصرف الصحي المفتوحة. لكن تلك الرائحة كانت أشد من رائحة هذه الفضلات. لقد فر حارس منزل كينج - وهو رجل كان قد اعتاد على الروائح النتنة والمشاهد القبيحة - من الحجرة، مصابا بالغثيان. قرر كينج أن يجلس وينتهي من فحصه. وخلص إلى أن الدم واللبن لم يختلطا جيدا، وأنه إذا جرى الحقن باللبن، يمتلئ القلب بالدم المتجلط، ويفشل الدم في الوصول إلى الرئتين على نحو صحيح. وكانت المثانة فارغة، رغم أنها كانت منقبضة إلى أقصى درجة. وكان أي طبيب شرعي في القرن الحادي والعشرين سيقول إن الخليط أنتج جلطات دموية كبيرة سدت مسار الشعيرات الدموية الدقيقة، وهو ما أصاب الكلب بسكتة دماغية وأزمة قلبية حادة.
وبينما كان أعضاء الجمعية الملكية يستمعون لرواية الأحداث المدعمة بالرسوم كان كثيرون منهم مقتنعين بأن حقن الطعام سيكون صعبا لكن حقن الدم هو الطريق المتوقع نجاحه. وبدا واضحا أن كينج كان يرى ذلك، حيث إنه وبعد تسعة أيام - في 14 أبريل - أجرى محاولة أخرى.
هذه المرة عاد كينج إلى نقل الدم، وأجريت التجربة على خروف وعجل آخرين. مرة أخرى في منزله، بدأ كينج بإخراج الدم من الخروف. وسارت العملية على نحو جيد لدرجة أن كينج تمكن سريعا من استخراج 45 أوقية من الدم، وتيقن المتابعون أن حالة الخروف لم تعد قابلة للشفاء، لكن لم يكن ذاك هو الحال؛ إذ تمكن كينج - كالساحر - من إعادة الحيوية إلى الخروف بنقل الدم إليه من العجل، ثم ترك الخروف ينزل عن الطاولة. عندها عم الاضطراب؛ إذ كان أحد الحضور قد أحضر كلبه معه؛ وقررت الشاة أن تهاجمه «ونطحت الكلب ثلاثا أو أربع مرات، غير عابئة على ما يبدو بما مرت به خلال التجربة.» لقد كانت الشاة حالة نادرة لدى كينج؛ إذ إنها ظلت على قيد الحياة، وكان مسرورا برؤيتها حية جيدا.
ناپیژندل شوی مخ