دم او عدالت
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
ژانرونه
بينما كان دوني متحمسا لدعوته للانضمام إلى جماعة مونتمور، إلا أن هذه الدعوة سرعان ما فقدت جانبا كبيرا من جاذبيتها. ولم يكد دوني يحضر اللقاءات حتى أصبحت اللقاءات متقطعة وغير منتظمة. فقد كانت أكاديمية مونتمور في مرحلة الانهيار. وقد كانت الأكاديمية على شفا الانهيار من قبل في عام 1658 عندما شكك جيل بيرسون دو روبرفال في ذكاء السيد ديكارت، ليضرب سبب وجود الأكاديمية في مقتل. ويبدو أن روبرفال اتهم بأنه قال إن شهرة أكاديمية مونتمور كانت بسبب ثروته ونفوذه، وليس لأن لديه أي فكر يقدمه.
إلا أن الأكاديمية صمدت، لكنها في ذلك الحين كانت تواجه مشكلة جديدة. فقد ألقى الأكاديمي الفرنسي فولتير الضوء لاحقا على هذه الحقبة التاريخية في أحد خطاباته التي حملت عنوان «خطابات عن الأمة الإنجليزية» وكتبت عام 1733. فأوضح أنه في عام 1666 شعر الفلاسفة الفرنسيون بالغيرة من الجمعية الملكية؛ تلك المنظمة الجديدة التي أشار إليها فولتير باسم «ذلك المجد الجديد»؛ إذ أرادوا أن يكون لهم منظمتهم الخاصة بتكليف ملكي، وأقنعوا لويس الرابع عشر بمنحهم الإذن لافتتاح أكاديمية للعلوم. وبعد أربع سنوات من بدء الجمعية الملكية عملها، افتتحت الأكاديمية الملكية للعلوم في فرنسا.
أما بخصوص نشأتيهما فقد ذكر فولتير بعض التعليقات البارعة على أوجه الشبه والاختلاف بين المنظمتين قائلا إن النسخة الفرنسية كانت أقوى لأنها تعلمت من أخطاء سابقتها الإنجليزية. كما طبقت الأكاديمية الملكية الفرنسية للعلوم قواعد أكثر شمولا تحكم أنشطتها؛ كانت الجمعية الفرنسية منظمة كما لو كانت جيشا عالي التدريب، ومن ثم رأى فولتير أن إنجازاتها أرفع مجدا من نظيرتها الإنجليزية التي تفتقر إلى التنظيم الجيد.
لكن الأهم من ذلك هو ما أشار إليه فولتير من أن عضوية الأكاديمية الفرنسية كان لها امتيازات كبيرة. فكان العضو يتلقى راتبا، وهو ما يعني أن الأكاديمية تقدم الدعوة بناء على الكفاءة وحدها. في المقابل، كانت الجمعية الملكية الإنجليزية تحصل رسوم عضوية من أعضائها لتتحول إلى ناد يجتمع فيه من يتوافر لديهم الوقت والمال. ورأى فولتير أن أي شخص قادر على تحمل نفقات الجمعية الملكية كان يمكنه الانضمام إليها، بينما كانت عضوية الأكاديمية الفرنسية تعتمد على الكفاءة والتعلم فقط.
وبينما كان ذلك بمثابة هدية للبحث العلمي في فرنسا، فقد كان إيذانا باندثار أكاديمية مونتمور، حيث بدل عدد كبير من أعضائها المحوريين ولاءهم. وكان هذا مصدر انزعاج لمونتمور في البداية، لكن الانزعاج سرعان ما استحال غضبا. فعلى الرغم من أنه قدم في سبيل رعاية عالم علمي باريسي جديد ما لم يقدمه غيره، لم تقدم له الدعوة للانضمام إلى النادي الملكي الجديد. فلم يكن هذا تجاهلا غير مقصود؛ بل كان إقصاء متعمدا. وأثر سوء الحظ المضاعف هذا في دوني كذلك؛ إذ لم يدع - كما لم يدع راعيه - للانضمام إلى النخبة الجديدة. وتلقت آماله في الصعود السريع على سلم الشهرة والثراء ضربة قاصمة. وكان من الضروري اتخاذ إجراء حاسم وبسرعة إذا أراد دوني أن يمنع أحلامه من الانهيار.
وعندما أراد دوني أن ينهض من عثرته، كان من الواضح أنه ينبغي أن يتوصل إلى اكتشاف ما أو يخترع شيئا ولم يكن كنه الاكتشاف أو الاختراع ضروريا ما دام نافعا سليما ولافتا للانتباه. وكان عليه أن ينكب على سلسلة من التجارب التي كان من شأنها أن تهز العالم ... أو تهز باريس على الأقل.
الفصل الخامس
التجارب الإنجليزية في نقل الدم
لو استمرت مجموعة مونتمور في عقد لقاءاتها آنذاك، لسمع دوني على نحو شبه مؤكد بالأحداث التي جرت في إنجلترا خلال العامين 1665 و1666. فقد جرت نقاشات حول العمل الجاري في إنجلترا وقتها خلال الاجتماعات القليلة التي حضرها. لكن مع تراجع نشاط تلك المجموعة قل احتكاك دوني بمجالس القيل والقال المتعلقة بالأوساط العلمية، ومع عدم قدرته على قراءة الإنجليزية بنفسه لم يكن لديه أدنى فكرة عن زيادة الاهتمام بتجارب الحقن في الدم ومحاولات نقل الدم على الضفة الأخرى من القنال الإنجليزي. كذلك ليس ثمة سبب للاعتقاد بأنه كان مهتما بتلك التطورات على أي حال؛ فعلى كل كان المجال البحثي الرئيسي لدوني هو الرياضيات.
أما في إنجلترا، فقد كانت الدراسات حول الدم تجري على قدم وساق. وقد زاد من وتيرتها في الواقع إبلاغ أولدنبرج الجمعية الملكية بأن يوهان دانييل مايور، وهو طبيب ألماني، قد نشر كتابا يدافع فيه عن حقن المواد الكيميائية مباشرة في الأوعية الدموية. فقد كان ذلك العالم الألماني ملما بدرجة واضحة بتلك المسألة، فلاح خطر أن يصبح مايور هو رائد ذلك المجال على مستوى العالم. وكان الاعتزاز الوطني يملي ضرورة اتخاذ خطوات فورية. فبمجرد معرفة الجمعية الملكية بالخبر قرر عدد من الأعضاء أن ينزلوا بأنفسهم إلى هذا الميدان. وتسجل دورية الجمعية الملكية تسلسل الأحداث التي تلت ذلك:
ناپیژندل شوی مخ