دم او عدالت
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
ژانرونه
سأقول إن خبراء التشريح - وإن كانت عباراتي قاسية - يركزون في الغالب على الأجزاء الصلبة من الجسم، وينسون دراسة سوائله، وخاصة الدم. وهذا، يا أصدقائي، يشبه تاجر خمر يهتم ببنية براميله الخشبية لكنه يتجاهل النبيذ الذي تحويه. ورغم استبعاد إطلاقي لهذا الاتهام، انظروا على أي حال إلى أهمية الدم في جسم الإنسان؛ فعندما يكون الدم سليما ويتحرك بانتظام ينقل الغذاء والطاقة في مختلف أجزاء الجسم. فهو يحرك الجسم، ويوزع - باختصار - الصحة على بقية الآلة الحية. وأي تلوث أو اختلال في هذا الدم يقف وراء معظم الأمراض، ويعتمد علاج المريض بالدرجة الأولى على تنقية الدم. ومن ثم، دفعني النظر إلى أهمية الدم إلى إدراك أن نقص معرفتنا إهمال كبير ؛ وهو إهمال أخذت في معالجته. فبداية، هل علمتم أن الدم أثقل من الماء؟ لن تستنتجوا ذلك من الفلسفة لأن القياس الدقيق وحده هو ما يمكنه كشف معلومات مهمة كتلك.»
شجعه لوور قائلا: «إذن أخبرنا ...»
لم ينتظر بويل الطلب، وتابع حديثه قائلا: «لحسن الحظ كنت في وضع سمح لي بتجميع الكمية الكلية لدم إنسان واحد سليم. وكانت كمية وفيرة لكنني تمكنت من إيجاد وعاء زجاجي كبير بدرجة كافية لاستيعابها. وبعد رج الدم وتركه يستقر لتفريغه من فقاعات الهواء حفرت علامة على الزجاج باستخدام قطعة ألماس عند مستوى الدم ووزنتها بعناية. وبانتهاء هذه الخطوة، فرغت الوعاء من الدم وغسلته ووزنته مرة أخرى. وأعطاني طرح الوزن الأخير من الأول وزن الدم. ثم أعدت ملء الوعاء بالماء حتى بلغ مستوى العلامة التي وضعتها سابقا ووزنته للمرة الثالثة. وعندها تمكنت من حساب وزن الماء، وجدت أن الدم أثقل من الماء بنسبة 1 / 25 وهي ملحوظة هامة، لكن العلم السليم يقتضي تكرار الملاحظة.»
بينما لم ير كثيرون أهمية معرفة وزن الدم بالنسبة إلى الماء، إلا أن أغلب الحاضرين أومئوا برءوسهم ليظهروا بمظهر الأذكياء. ومع انطلاق بويل في حديثه، لم يكن هناك ما يوقفه. «لكن الأهم بالنسبة إلى كثيرين منكم هي التجارب التي أجريتها لاختبار حرارة الدم.» توقف بويل. وكان محقا، فقد برز الجالسون من مقاعدهم، حيث إن حرارة الدم قضية ترجع إلى العصور الإغريقية القديمة، فهو شيء يعرفونه جميعا ويفهمونه: «ولدراسة هذه القضية وضعت كرة مقياس حرارة الطقس في مجرى دم يتدفق من شابة ومن كهل. وفي كلتا الحالتين، ارتفع مستوى الكحول في المقياس فوق العلامة القصوى. فقط تفكروا في الأمر. هذا يعني أن الدم أعلى حرارة من أي درجة حرارة مسجلة للطقس. وكان هذا في أشخاص أصحاء، وليس أشخاصا مصابين بالحمى الناتجة عن المرض.»
صاح الحلاق طبيب الأسنان: «إذن ما سبب تلك الحرارة؟ هل يمكن لعلمك أن يلقي الضوء على هذه النقطة؟»
رد بويل متطلعا لشرح مزيد من عمله: «أظن أن ذلك ممكن. لا يزال القلب يبدو لي المصدر الأرجح لحرارة الدم، لكن الدم نفسه يحتوي على زيت؛ لذا فهو مفعم بطاقة قابلة للاشتعال.» استحوذ بويل على اهتمامهم، وكان مستمتعا بذلك: «لقد جففته وطحنته ووضعته على شمعة. فاشتعل بلهب أصفر و«طقطق» كملح البحر الملقى على النار. كما أخذت ورما ووضعته وسط قطع فحم ساخنة. فاحترق بلهب أصفر وتحول إلى مخلفات سوداء. وتسبب نفخ الدم المطحون نحو النار في انفجار. وكانت النتيجة عجيبة جدا لدرجة أني جربتها عدة مرات، وكان الشيء نفسه يحدث في كل مرة. ربما لا يحتاج الدم أي مصدر خارجي للحرارة، فمن الواضح أنه يحتوي على مادته الخاصة لتوليد الحرارة.»
الصبغة الفردية «رائع، رائع.» هكذا جاءت كلمات بيرو «لكنني أقترح أن نركز على نقل الدم. وأرغب أنا أيضا - مثل السيد بويل صديقنا من أعالي البحار - أن أبين ما تعلمناه من الطبيعة ثم أطرح أسئلة إضافية.»
صاح السيد مارتينيير: «لقد علمتنا الطبيعة والتجربة كلتاهما بالتأكيد أن نقل الدم عمل مقيت. فالسيد دوني متحمس للحديث عن مرضى نجوا بحياتهم، لكن تذكروا الوجيه السويدي؛ إذ توفي بعد ساعات من تلقي الدم. والآن موروا. فهل نحتاج لدليل آخر على أن تلك عملية شنعاء؟»
تابع بيرو: «العلم الجيد يبدأ غالبا بالفشل أيها الشباب. فلننظر إلى الجنين، لأنه بالتأكيد وضع يتم فيه نقل الدم. وأريد أن أسأل: لماذا إن كان نقل الدم بهذه البساطة توجد المشيمة لدى الجنين في رحم الأم؟ أليس من المؤكد أن دم الأم يمكن أن يمر إلى الطفل النامي دون الحاجة إلى العبور من هذا العضو الضخم؟»
كان الرأي المستنير يقول إن القلب يضفي صبغته على الكيلوس ويحوله إلى دم. وهذا يعني أن دم الأم مصطبغ بقلبها، لكن بيرو ذكر أن الجنين يحتاج إلى دم يحمل صبغة قلبه هو. وبينما يبدو دم الأم ودم الجنين متشابهين، قال بيرو إن من المؤكد أنهما مختلفان قطعا؛ لذا يجب أن توجد آلية لإزالة صبغة الأم واستبدال بصمة الجنين بها. وكان اقتراح بيرو أن الإجابة تكمن في المشيمة. فهذا العضو لا يوجد إلا في أثناء الحمل، وهو غني بالأوعية الدموية؛ لذا من المنطقي أن أوعيتها الدموية المتخصصة «تعيد الدم إلى طبيعته»، قبل أن يتدفق إلى الجنين. واختتم بيرو: «إذن تستطيع الأوعية الدموية الخاصة الموجودة بالمشيمة أن تجعل دم الأم آمنا للجنين، لكن في نقل الدم لا توجد أي مشيمة، ومن ثم لا يمكن لنقل الدم أن يتم. فهذا الدم المنقول لا يمكن أن يكون آمنا للمتلقي. ومن هذا أستنتج أيضا أنه إذا كان دم الأم بحاجة إلى أن يتغير ليصبح متوافقا مع طفلها، فما من سبيل لنجاح نقل الدم بين الحيوانات المختلفة في النوع أبدا.»
ناپیژندل شوی مخ