دم او عدالت
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
ژانرونه
على الجانب الآخر، كان دوني متخوفا من اتهامه بالتسرع المفرط؛ لذا فقد رأى أن الأفضل ألا يفعل أي شيء. فاسترخى وتابع حياته وانتظر أن تتكشف الأحداث. فتكشفت بالفعل؛ فقد جاءت زوجة موروا للمرة الثالثة، وزارته هذه المرة في منزله ذات صباح، وكان دوني بالخارج وقتها، لكن خادمه - وهو على الأرجح أول مريض ينقل إليه الدم - تلقى الرسالة من السيدة المتوترة: «رجاء أخبر سيدك عندما يعود بأني رتبت للقاء في منزلي هذا المساء لمناقشة الموقف وسيكون من المفيد كثيرا أن يحضر، فأنا واثقة من أن مشاركته ستكون قيمة. أرجوك لا تمتنع هذه المرة.»
تلقى دوني الرسالة عندما عاد إلى المنزل، وبدافع الفضول وحده قرر الحضور. لكنه لما وصل، وجد نفسه أمام عجل مقيد في الحجرة وزميله الجراح يعد سكاكينه وحباله وأنابيبه. وبمجرد دخوله وقف دوني بلا حركة وقد اعترته صدمة شديدة. لقد أقنعت زوجة موروا السيد إميري بطريقة ما بإجراء عملية نقل الدم الثالثة. وزعم لاحقا أنه استدرج مباشرة إلى فخ.
زادت صدمة دوني عندما رأي مريضه؛ فقد كانت آخر مرة رآه فيها في عيد الميلاد عندما جلس في فراشه، وتلقى السر المقدس من القس المحلي. لقد بدا وقتها شاحبا متعبا، إلا أن كل السمات الطبيعية للإنسان العاقل كانت بادية عليه. ووقتها تحدث حديثا مرضيا واحتضن زوجته بدفء. لقد كانت حالته هذه المرة على النقيض تماما من سلوكه المتقلب قبل أيام قليلة. فكان موروا في المجمل نموذجا لإنسان أعيد من جديد إلى الإنسانية؛ رجل انتزع من براثن الجنون بمعجزة الطب الجديد القائم على العلم.
أما هذه المرة، فلم يكن من الممكن تمييز موروا إلا بصعوبة؛ إذ كان نموذجا ممزقا وهمجيا للإنسانية. كانت بشرة وجهه مشدودة، وغطت بعض قطرات الدم الجافة ذراعيه ويديه في المواضع التي ضرب بها بعض الأشياء - والأشخاص - خلال نوبات غضبه. كان متسخا ولم يجلس في سكون إلا لأنه قيد من جديد بحبل غليظ إلى كرسي، وكان الكرسي مربوطا بأحد أعمدة المنزل الخشبية.
كان أول ما خطر ببال دوني هو أن يوليهم دبره ويهرب. فلم يكن هذا مكانا مناسبا لممارسة فن الطب المتقدم، وكان من الواضح أن المريض لم يكن قادرا على استقبال مثل هذا العلاج الثوري. كانت العربة التي استأجرها لتقله في انتظاره بالخارج؛ وكان بإمكانه أن يغادر بكلمة واحدة ولا يسمع منه سوى قعقعة حوافر الخيل. لقد ظل دوني لبقية حياته يتمنى لو أنه نفذ هذه الفكرة. لكن ما حدث أنه تردد. وفي غضون لحظة، كان الأوان قد فات؛ فقد نزلت زوجة موروا على قدميه ولفت ذراعيها حول ساقيه. وبكت وهي راكعة على الأرض الحجرية وتوسلت إلى الطبيب من أجل الرحمة. حاول دوني في تلقائية أن يتراجع، وكاد أن يقع في عثرته على الأرض. لم تكن السيدة على استعداد لإطلاق سراحه، ولم ترد تركه يخرج من الباب.
ارتبك دوني من المفاجأة؛ فقد كانت فرصة رؤية المريض شيئا مهما، لكن أن يدخل إلى غرفة كان من الواضح أن الاستعدادات فيها قد تمت لعملية نقل دم كان أبعد ما يكون عن تفكيره ومخالفا لما يراه صحيحا. من الواضح أن إميري قد اقتنع بضرورة إجراء عملية نقل دم ثالثة وكان عازما على المضي قدما؛ إذ كان يفحص مشرطه ويشحذه على حجر استعدادا للعملية.
في نهاية المطاف شعر دوني بأنه لا خيار أمامه، لكن ما إن حرر نفسه من زوجة موروا المتشبثة حتى أعلن رأيه بأن هذا لم يكن مسارا جيدا للأحداث. وبعد قوله ذلك تمنى في نفسه أن تسير الأمور على ما يرام وأن تكون العملية مفيدة حقا.
مع ذلك، ربما تبدد حماس دوني بالسرعة نفسها التي زاد بها. فقد كانت إضاءة الحجرة سيئة. كان ذلك في شهر يناير وكانت الشمس قد غابت وراء الأفق منذ وقت طويل؛ ولم ير دوني مدى تدهور موروا إلا عندما اقترب. فحينها أدرك أن موروا كان مصدر الرائحة العفنة التي ملأت الغرفة، لتؤكد على مدى تدهور حالة الرجل المسكين على مدار الأسابيع القليلة السابقة.
تابع دوني وإميري تقييد ذراع موروا قدر الإمكان بحيث لا يمكن تحريكها وبحيث تكون أوردته مكشوفة. وأدخل إميري إبرة عبر جلد المريض إلى أحد الأوردة. لكن قبل نقل الدم إليه، كانا بحاجة لإفساح مساحة في أوردته. وسرعان ما قيدت ساقه بحيث لا يمكن تحريكها. لم يكن موروا في مزاج يجعله يتعاون، لكنه كان أضعف من أن يستمر في المقاومة كثيرا. بعد لحظة واحدة، غرس إميري مشرطه في أحد الأوردة البارزة في الجزء العلوي من قدم موروا، وأمسك دوني بوعاء ليجمع فيه السائل الأرجواني.
قال دوني «وبهذا انتهت العملية. ففي غضون لحظات من بدء خروج الدم من قدمه، استولت على موروا رعشة عنيفة وتشنجت ذراعاه وساقاه بحدة.» توقف خروج الدم من الشق الذي أحدثاه في الوريد بقدمه، ربما لأن ضغط الدم في جسم الرجل المسكين انخفض بشدة، وانتزع إميري الإبرة من ذراع موروا لئلا تنكسر ذراعه أو تجرح.
ناپیژندل شوی مخ