دم او عدالت
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
ژانرونه
تنفس دوني الصعداء؛ فقد نجحت عملية نقل الدم، لكن الجزء المهم الآن هو إبقاء المريض تحت الملاحظة لمعرفة ما سيحدث بعدئذ. رأى بعض الضيوف أن هذا هو الوقت المناسب للمغادرة والبحث عن مصدر متعة أكثر مرحا في مكان آخر لبقية الأمسية. أما البعض الآخر فقد اتخذوا مجالسهم، وانتظروا محدقين في الرجل كما لو كانوا يتساءلون عما إذا كان سيخور كالعجل أو تنمو له قرون وحوافر.
لم تقع أحداث كثيرة في الساعات القليلة التالية. فقد غفا موروا في مقعده لبضع ساعات، وبعدها طلب بعض الطعام؛ وهي علامة جيدة. قدمت له المساعدة تحت أعين دوني المراقبة في الذهاب إلى غرفة بها فراش حيث أبقوه تحت الملاحظة. كانت تلك الليلة كغيرها عند موروا؛ إذ لم ينل أي قسط من النوم على مدار أسابيع، ولم تختلف تلك الليلة: «لقد أمضى الليلة في الغناء والصفير وغيرهما من التصرفات الصاخبة التي اعتاد عليها» بحسب ما كتب دوني.
ومع بزوغ فجر يوم الثلاثاء، كان موروا أكثر سكينة بل أكثر هدوءا. فبينما يشخص العلم في القرن العشرين أنه كان يعاني من فقر دم حاد، لم يرصد دوني سوى أن المريض صار أقل عنفا؛ من الواضح أن نقل الدم كان له بعض الأثر. كان من المنطقي تكرار العملية، وجرى التخطيط لتكرار العرض في اليوم التالي. مرة أخرى تحدد الموعد في السادسة من ذلك المساء، وهو موعد يكون فيه معظم رجال الأعمال وموظفي البلاط غير منشغلين.
سرت أخبار عملية نقل الدم الأولى في الأوساط العلمية، وهذه المرة حضر جميع المشاهير والشخصيات البارزة. ضم الجمهور - كما يقول دوني - عدة أطباء مثل بوردولو ودوني دودار والطبيب بيير بورجيه ورجل الكنيسة جيوم أويو فايو.
لم يكن موروا هذه المرة في حال تسمح له بالمقاومة. علاوة على ذلك، كان على دراية بأن سلوكه يتجه نحو الوضع الطبيعي؛ لذا كان أميل للسماح بتلك العملية الثانية. ومن ثم رقد في «وضعية ملائمة» وهو ما سهل العملية كثيرا. وبسبب ضعف موروا، رأى دوني أن من الحكمة ألا يسحب منه أكثر من أوقيتين أو ثلاث أوقيات من الدم قبل بدء العملية.
جهز إميري في هذه المرة ذراع المريض اليسرى، وقدر الطبيبان أنهما نقلا رطلا من الدم إلى موروا. ولما كانت كمية الدم المنقول أكبر، كانت النتيجة أبلغ من ناحية الاستمرارية والحدة. بمجرد أن بدأ الدم في الدخول، ذكر موروا شعوره بحراره شديدة في ذراعه، وزاد نبضه وأخذ في التعرق بغزارة. ثم أخذ نبضه في الاضطراب، وشكا من آلام رهيبة في أسفل ظهره، وقال إنه أحس بوعكة في معدته، وأخذ الهلع يسيطر عليه، وشعر أنه على وشك الاختناق، وتوسل إليهم ليوقفوا العملية.
وبينما كانا يخرجان الأنبوب من ذراعه تقيأ بشدة، ليتخلص من لحم الخنزير والدهن الذي تناولهما قبل ساعة، وهو ما أثار جدلا كبيرا بين المشاهدين عما إذا كان لحم الخنزير فاسدا. وسرعان ما رغب في التبول والتغوط. وكانت الصدمة أن بوله كان وقتها أسود اللون؛ أسود كسخام المداخن. وتشنج وتقيأ لساعتين تقريبا وأخيرا غلبه النوم في العاشرة ليلا وواصل نومه حتى الثامنة من صباح اليوم التالي. لقد كانت تلك أول مرة ينام فيها منذ أسابيع، وهو ما شجع دوني كثيرا على أن يعتبر العملية ناجحة.
وعندما استيقظ موروا كانت النتائج أكثر إرضاء؛ إذ كان موروا خاملا، لكنه كان هادئا، صافي الذهن. وبغض النظر عما كان قد شعر به من آلام شديدة في معدته وذراعه، وبغض النظر أنه كان واهن البدن وأن بوله كان شديد السواد، فقد رأى دوني أنه بدا بحال أفضل!
جاء يوم الخميس وانقضى، وظل موروا في الفراش لا يتحدث كثيرا، وكان كلما طلب دوني منه أن يصف له أي أعراض، كان يطلب موروا منه أن يتركه وشأنه. إلا أنه مع علمه بأن عيد الميلاد لا يفصله عنه سوى يومين، فقد رأى موروا أنه وقت مناسب ليتوب إلى الرب خالقه، وسأل إن أمكن إيجاد قس ليأتي ويسمع اعترافه. وأتى السيد دو فو في الموعد واستمع لما قاله الرجل الذي كان مجنونا فيما سبق. واندهش قائلا إن اعترافه كان جليا بدرجة تكفي لتلقيه السر المقدس، لكن إن استمرت مسيرته.
في يوم الجمعة، 23 ديسمبر 1667، نزف موروا من أنفه نزيفا حادا، وظل يخرج كميات كبيرة من البول الأسود طوال الوقت. مر يوم آخر وحلت عشية عيد الميلاد، وأتى معها قس آخر. كان السيد بونيه هذه المرة. استمع القس إلى اعتراف موروا وأعلن في تلك المرة أنه عاقل. فكان مرحبا بحصوله على القربان المقدس، وأقام القس مراسم القربان المقدس دونما تأجيل.
ناپیژندل شوی مخ