دم او عدالت
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
ژانرونه
من الأرجح أن مونتمور ودوني قد خططا لباقي تفاصيل اليوم، حيث ناقشا المكان الذي سيحصلان منه على متبرع بالدم والمستوى المقبول لأجر كل المشاركين، فقد رأيا أن تلك فرصتهم لإبهار العالم والانضمام إلى الأكاديمية الملكية للعلوم المنشأة حديثا. فكونهما أول من يعالج الأمراض العقلية في العالم لا يمكن أن يضر بطلبهما العضوية بأي شكل.
وذكر دوني - مسجلا الأحداث التي تلت في خطاب أرسل في البداية إلى مونتمور وأرسلت نسخة منه إلى أولدنبرج في لندن - أنهم نقلوا موروا إلى «منزل خاص»، كان على الأرجح منزل دوني في كيه دي أوجستين. كما أرسل مونتمور ودوني في طلب عامل قوي البنية ليعمل لديهم «حمالا». لقد كانا في حاجة إلى احتواء موروا لكن دوني أراد كذلك أن يطمئنه. فلطالما كان العمل مع المرضى الهادئين أسهل وأقرب إلى تحقيق نتائج جيدة. فأي مرشح لوظيفة الحارس والسجان هذه خير من رجل استفاد شخصيا من نقل الدم؟ هكذا، لم يختاروا أي رجل مفتول العضلات على نحو عشوائي، بل اختاروا الرجل الذي كان دوني قد نقل إليه دم حمل قبل ثمانية أشهر؛ الرجل الذي قال دوني إنه كان يتوق لتلقي جرعة ثانية.
طيلة اليوم أخذ الناس يتوافدون، وسر دوني لما رأى بينهم أطباء ومترددين على الكنائس. لقد كان هؤلاء الشهود أناسا يتفهمون ما كان يفعله، هذا بالإضافة إلى أفراد من العامة الذين يتمتعون بسمعة طيبة. وبحلول المساء جاء العالمان ومعهما عجل. وجاء في ترجمة أولدنبرج لكلمات دوني نفسه: «لقد استعملنا ما بوسعنا من مهارات لنقنع خيال مريضنا بالرغبة في الخضوع لنقل الدم.» وهذا تحوير جيد للعبارة التي من الممكن أن تكون ترجمتها: «لقد قيدنا المريض وربطناه بإحكام في منضدة ثابتة بوسط الحجرة.» وربما كمموه لتقليل عويله وصراخه.
كان دوني وإميري عازمين على ألا ينفد الدم منهما في منتصف العملية؛ لذا كان العجل خيارا جيدا حيث كان ضخما بدرجة معقولة. كما سيكون طيعا بصورة نسبية. لكن حتى في تلك الحالة، من المنطقي افتراض أن العجل في هذه الواقعة المحددة قد ربط بإحكام إلى منضدة بنحو لا يسمح له بالحركة.
خفتت الأحاديث فلم يكن يسمع إلا همس، بينما كان إميري يقطع الجانب الداخلي من فخذ العجل وهو تحت ضوء عدد من المصابيح وكشف شريانا قرمزيا منتفخا. احتشد المشاهدون بهدوء للحصول على موقع أفضل، يريد كل منهم الاقتراب لكنهم في الوقت ذاته حريصون على أن يبقوا خارج نطاق الخطر؛ لأن جميع من في الغرفة - باستثناء موروا ربما - كانوا على دراية بأن أي انزلاق صغير في سكين إميري سيفجر سيلا مندفعا من في أنحاء الغرفة.
بعد الكشف عن عرق العجل وتجهيزه ليعطي ما به من الإكسير، جاء دور المريض. وقف إميري مائلا عليه ليحدث قطعا في ذراعه اليمنى، وكشف عن وريد أسفل المرفق مباشرة. أعاق عمله مقاومة المريض، وفي الوقت الذي تم فيه القطع، كان موروا قد تمكن من التكور في وضع يشبه وضع الجنين، وهو فعل غريزي ليحمي نفسه. إلا أن ذراعه كانت لا تزال مقيدة بإحكام في إحدى أرجل منضدة وكان القطع والوريد مكشوفين في تناسق.
وتبعا للتعليمات، جرى تقريب المنضدتين الحاملتين للعجل ولموروا استعدادا لنقل الدم، لكن إميري أراد أولا أن يفسح مجالا في جسم المريض لمزيد من الدم. هذا يعني أن بعض الدم يجب أن يخرج قبل البدء في العملية. فحز الوريد المكشوف وشاهد الدم يتدفق إلى وعاء. وانتظر حتى حسب دوني أن نحو 10 أوقيات من الدم قد خرجت، ثم أدخل طرف الإبرة إلى الوريد. وبسرعة قطع شريان العجل وأدخل فيه إبرة أخرى وشاهد الدم يتناثر من طرفها. وفي براعة مدهشة أوصل هو ودوني الصنارتين بسلسلة من الإبر لتكون أنبوبا كاملا. كان إميري منفعلا، وراح يمدد أصابعه ليخفف من توتره؛ لقد كان كل شيء يجري على ما يرام.
بدأ دوني يحسب كم من الزمن يلزم لإدخال 10 أوقيات من الدم واستبدالها بالكمية المفقودة في الفصد. لكن سرعان ما اتضح أن الأمور لم تكن تجري بسلاسة تامة. ففي خضم الحماس لرؤية الحدث، اندفع الجمهور إلى الأمام للحصول على رؤية أفضل. كان من المستحيل تماما على كل من إميري ودوني أن يقتربا من المريض لبضع لحظات. كما أن قواعد اللياقة صعبت على هذين الخبيرين المنتميين للطبقة المتوسطة أن يأمرا الأشخاص الأعلى مقاما بالتراجع، لكن الضرورة فرضت نفسها واضطرا لشق طريقهما من جديد لمركز الحدث.
وكانت مقاومة موروا ستؤدي حتما إلى عدم رقوده بالنحو المناسب، وعدم تدفق الدم عبر الأنبوب. وفي الوقت الذي عاد فيه المتخصصون لتولي زمام الأمور، كان عدم تدفق الدم قد جعله يتجلط في الأنابيب ومن ثم لم يعد ينتقل من العجل إلى الرجل. وتناثر خيط الدم العرضي عبر الغرفة بينما كانا يحاولان على نحو هيستيري وضع إبر جديدة واستعادة جزء من تدفق الدم.
وفي هذه المرحلة كان المريض يشكو من الشعور بحرارة شديدة في ذراعه إلى أسفل إبطه مباشرة. وعلق دوني قائلا: «لما رأينا أنه يفقد الوعي أوقفنا تدفق الدم إليه فورا، وأغلقنا الجرح.» وانتهت العملية وفق تقدير دوني فإن موروا تلقى ما يعادل خمس أو ست أوقيات من الدم.
ناپیژندل شوی مخ