وقد قيل لجابر بن زيد - رضي الله عنه - : ( إن أصحابك يكتبون ما سمعوا منك ) . قال : ( إنا لله وإنا إليه راجعون ، يكتبون رأيا لعلي أرجع عنه غدا ) ، وإن رجع عن شيء من رأيه لاستحسان غيره ، كان عليه أن يظهر ذلك ، ويكتب إلى الآفاق ، وينتفي من قوله ويخطئه .
واعلم أنه ليس عليه إلا أن يظهر الانتفاء منه والرجوع عنه ، فإن رجع عن رأيه فما حال من عمل به أول مرة ؟
قال : لا حرج . وكذلك من حكم به لا ينتقض حكمه .
وهل يفتي به أحد بعد هذا ؟
فالله أعلم . فإن وافق رأيه رأي غيره ، فأظهر الآخر رأيه أجزى عنه ، فإن السكوت رضى .
القول الثاني : في أي شيء يجوز الاجتهاد
اعلم أن الشيخ قال : في أي شيء يجوز الاجتهاد فيه ؟ قال : ( ما لم يجدوه في كتاب الله ولا السنة ، ولم يجدوه في آثار من كان قبلهم من العلماء ) .
اعلم أن الشيخ ذكر وجها واحدا وترك غيره ، منها تفسير القرآن ، وذلك أن الله تعالى أرسل محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) إلى العرب بلغتهم التي يتفاهمون بها ، وفوض إليهم ما احتملته لغتهم ، وليس عليهم العمل إلا بما أنفهم لهم من القرآن ولو كان ذلك على عهد رسول الله عليه السلام ، ويسألهم عن آرائهم فيجيبون ، وربما يستحسن قول بعضهم ولا يقبح على الآخرين رأيهم ، وإن كان أمرا مقطوعا به لم يرد غيره لعقب جبريل بخلافه ، وإلا كان ذلك كله تفسيرا للقرآن كالذي جرى في قصة المنافقين واختلاف أصحاب رسول الله فيهم ، فقال : لما نزل فرض الهجرة ، فاختلفوا فيمن تخلف بمكة من المسلمين ولم يهاجر .
فقال قوم : هم مسلمون .
وقال قوم : هم مشركون . فأنزل الله تعالى : ( فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ). وعاتبهم على الخلاف فيما بينهم البين .
مخ ۶۷