والاهتمام ، في مأكل أو منكح ، أو لعب أو متمرح ، فعلمه علمها ، وهمته همتها ، فهو مكب عليها ، لا يرغب إلا فيها ، ولا تنازعه نفسه إلا إليها ، فلها يجتهد ويشقى ، وبها يدعو ويدعى ، غافلا عما شيب بمحابه فيها من الأذى والمكاره ، غير متعظ بشيء ولا معتبر ولا متنبه ، وقد يوقن إيقانا ، ويرى بعينه عيانا ، أن ما يحب من دنياه وحياتها مشوب بموتها ، وما يشوبه من دركها مقرون بفوتها ، فكم من مدرك من (1) بعد دركه فائت ، وحي بعد حياته مائت ، قد تبدد شمله ، وأعرض عنه أهله ، الذين كان يعدهم له أحبابا ، ويكد لهم في حياته بجهده اكتسابا ، بما حل من المكاسب أو حرم ، أو حمد من المطالب أو ذم ، وكم قبل موته عنهم ، كان من مسخط له (2) منهم ، قليل له شكره ، سيئ له ذكره ، ورثه ما جمع غير شاكر ولا حامد ، يقول : لقد كان فلان غير مهتد ولا راشد ، كما يقول أعدى الأعداء ، وأبعد البعداء ، يعجب بعض من يجالس بعد موت شخصه ، بما كان يرى من كده قبل موته وحرصه ، وكم كان له قبل موته من خليل حبيب مقارن ، (3) أسلمه عند وفاته لموته إسلام البعيد المباين ، ولهى بعده ، بخليل جدده! فكأن لم يكن لمن مات (4) خدينا! ولم يعده بعد موته قرينا! بل كم من أب والد ، أو ولد حبيب واحد ، تعزى فسلا ، عمن مات وتولى ، واشتغل من بعده بأشغاله ، وأقبل على ما يعنيه من حاله ، وقال هلك أبي ومات! أو ذهب ابني وفات! فما عسيت أن أصنع؟! وهل لي في الجزع منتفع؟! تسهيلا في مصابه لما دهاه ، وتفرغا بمقاله لدنياه ، فهذا في الوالد والولد ، وهما سلالة النفس والجسد ، كما تعلم وترى ، فكيف بغيره من الأمور الأخرى ، من المال والأثاث ، والفكاهات والأعباث؟!
وفي الولد رحمك الله وفي المال ، ما يقول ذو الكبرياء والجلال ، لمحمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله : ( ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون (85)) [التوبة : 80]. فجعل
مخ ۲۷۱