ولكنا أنشأْنا قرونًا فتطاولَ عليهم العمرُ ولكنَّا كنا مُرسِلين" وفي ذلك إزالةُ "لكنَّ" عن موضِعِها الذي ينبغي أن تكونَ فيه. ذاك لأنَّ سبيلَ "لكنَّ" سبيلُ "إلاَّ"، فكَما لا يجوز أن تقولَ: "جاءني القومُ وخرَجَ أصحابُكَ إلا زيدًا وإلا عمرصا" يجعل "إلا زيدًا" استثناء من جانءي القوم" و"إلا عمرًا" من "خرج أصحابُك"، كذلك لا يجوز أن تصنعَ مثلَ ذلك "بلكن" فتقول: "ما جاءني زيدٌ، وما خرجَ عمرُو ولكنَّ بكرًا حاضرٌ، ولكنَّ أخاكَ خارجٌ"، فإِذا لم يَجُزْ ذلك، وكان تقديُركَ الذي زعمتَ يؤدِّي إليه، وجَبَ أن تَحْكُم بامتناعه. فاعرفْه.
هذا، وإنما تَجوزُ نيَّةُ التأخيرِ في شيءٍ معناه يَقْتضي لهُ ذلكَ التأخيرَ، مثلَ أَنَّ كونَ الاسم مفعولًا، يَقتضي له أنْ يكونَ بعْدَ الفاعلِ، فإِذا قُدِّمَ على الفاعل نُويَ به التأخَيرُ، ومعنى "لكنَّ" في الآية، يقتضي أنْ تكونَ في مَوضِعها الذي هيَ فيه، فكيفَ يجوزُ أن يُنْوى بها التأخيرُ عَنْه إلى موضِعٍ آخرَ؟