ثم يقول مِنْ بَعدهِ: "وما ضَرَبَه أحدٌ مِن الناس"، و"لست القائلَ ذلك"، فتُثبِتَ أنه قد قيلَ، ثم تجيء فتقول و"ما قالَه أَحدٌ من الناس".
والثاني منَ الأمرين أَنك تقولُ: "ما ضربتُ إلاَّ زيدًا"، فيكونُ كلامًا مسْتقيمًا، ولو قلتَ: "ما أنا ضربتُ إلا زيدًا"، كان لغو من القول، وذلك لأن نقض النفي بـ "إلا" يَقْتضي أن تكونَ ضربْتَ زيدًا وتقديمُكَ ضميرَك وإيِلاؤه حَرْفَ النفْي، يقتضي نَفْي أن تكونَ ضربته، فهما يتدافعان١.فاعرفه.
تقديم المفعول وتأخيره في النفي:
١١٩ - ويجيءُ لك هذا الفرقُ على وَجْهه في تقديمِ المفعولِ وتأخيرِه.
فإِذا قلتَ: "ما ضربتُ زيدًا"، فقدَّمْتَ الفعلَ، كان المعنى أَنك قد نَفيْتَ أن يكونَ قد وقَع ضَرْبٌ منك على زيدٍ، ولم تَعرِضْ في أَمرٍ غَيرهِ لنفيٍ ولا إثباتٍ، وتركْتَه مُبْهَمًا محتمَلًا.
وإذِا قلتَ: "ما زيدًا ضربتُ"، فقدَّمْتَ المفعولَ، كان المعنى على أنَّ ضرْبًا وقعَ منكَ على إنسانٍ، وظُنَّ أنَّ ذلك الإنسانَ زيدٌ، فنفيتَ أَن يكون إيَّاه.
فلكَ أن تقولَ في الوجهِ الأول: "ما ضربتُ زيدًا ولا أحدًا من الناس"، وليس لك [ذلك] في الوجه الثاني٢. فلو قلتَ: "ما زيدًا ضربتُ ولا أحدًا من الناس"، كان فاسدًا على ما مضى في الفاعل.
١ "يتدافعان"، أي يدفع أحدهما الآخر ويبعده، وينفيه.
٢ "ذلك"، زيادة من "س".