109

Dala'il al-I'jaz

دلائل الإعجاز ت الأيوبي

پوهندوی

ياسين الأيوبي

خپرندوی

المكتبة العصرية

د ایډیشن شمېره

الأولى

د خپرونکي ځای

الدار النموذجية

ژانرونه

فصل: الكناية والاستعارة والتمثيل بالاستعارة
اعْلَم أنَّ لهذا الضرْبِ اتِّساعًا وتفننًا، لا إلى غاية إلاَّ أنَّه على اتِّساعه يَدورُ في الأَمْر الأعمِّ عَلى شيئين: الكناية والمجاز.
والمرادُ بالكناية هاهنا: أن يُريد المتكلمُ إثباتَ معنًى من المعاني، فلا يذكُرُه باللفظ الموضوع له في اللغة، ولكنْ يَجيءُ إلى معنى هو تاليه ورِدْفُه في الوجود، فيومئ به إليه، ويجَعلُه دليًا عليه؛ مثال ذلك قولهم: "هو طويل النجاد"، يريدونَ: طويلَ القامة. "وكثيرُ رمادِ القِدْر"، يَعْنون: كثيرَ القِرى، وفي المرأة: "نَؤومُ الضحى"، والمرادُ أنها مُتْرفةٌ مخَدْومة، لها مَنْ يكفيها أمْرَها، فقد أرادوا في هذا كله كما ترى، معنًى، ثمَّ لم يَذْكُروه بلفظه الخاصِّ به، ولكنهم تَوصَّلوا إِليه بِذِكْر معنًى آخر، مِنْ شأنِه أن يَرْدُفَه في الوجود، وأنْ يكونَ، إذا كان. أَفلا تَرى أنَّ القامةَ إذا طالتْ، طالَ النجادُ؟ وإذا كثُرَ القِرى، كثُرَ رَمادُ القِدْر؟ وإذا كانت المرأةُ مُتْرفةً، لها مَنْ يَكفيها أَمْرَها، رَدِف ذلك أَنْ تنام إلى الضحى؟
وأمَّا الَمجاز، فقد عوَّل الناسُ في حدِّه على حديث النَّقْل، وأنَّ كلَّ لفظٍ نُقِلَ عن موضوعه فهو مَجاز. والكلامُ في ذلك يَطولُ. وقد ذكرتُ ما هو الصحيحُ من ذلك في موضعٍ آخر.
وأنَا أَقْتصرُ هاهنا، على ذِكْر ما هو أشهرُ منه وأظهَرُ، والاسمُ والشهرةُ فيه لشيئين: الاستعارةُ والتمثيلُ، وإنما يكونُ التمثيلُ مَجازًا إذا جاء على حَدِّ الاستعارة.
فالاستعارة: أن تُريدَ تشبيهَ الشيءِ بالشيء، فَتَدعَ أنْ تُفْصحَ بالتشبيهِ وتُظْهرَه، وتجيءَ إلى اسم المشبَّه بهِ، فتعُيِرَه المِشبَّةَ، وتُجْرِيَه عليه. تريد أن تَقول: رأيتُ رجلًا هو كالأسد في شجاعته وقوة بطشه سواء، فتَدَعُ ذلك، وتقول: (رأيتُ أسدًا) وضَرْبٌ آخرُ من الاستعارة، وهو ما كان نحو قوله [من الكامل]:
إذْ أَصْبَحتْ بيد الشَّمال زِمامُها
هذا الضربُ وإِن كان الناس يَضمُّونه إِلى الأَوَّل، حيث يذكرون الاستعارة، فليسا سَواءً؛ وذاك أنكَ في الأول، تجعلُ الشيءَ، الشيءَ ليس به، وفي الثاني تجعل للشيء، الشيءَ له. تفسيرُ هذا أنك إذا قلت: (رأيتُ أسدًا)، فقد ادَّعيت في إنسانٍ أنه أسدٌ وجعْلته إياه، ولا يكون الإِنسان أَسَدًا.
وإذا قلتَ:
إذ أصبحَتْ بيد الشمال زمامها
فقد ادَّعيْتَ أن لِلشَّمال يدًا؛ ومَعْلومٌ أنه لا يكون للريحِ يَدٌ.
وهاهنا أَصْلٌ يجبُ ضَبْطُه، وهو أَنَّ جعلَ المشبَّهة، المشبَّهَ به على ضرِبين: أَحدُهما أنْ تُنْزِلَه مَنزلةَ الشيءِ تَذكُرُه بأَمرٍ قد ثبتَ له، فأنتَ لا تحتاج إلى أَنْ تَعْمل في إثباته وتزجيته، وذلك حيث تُسْقِط ذكرَ المشبَّه من الشيئين، ولا تَذْكُرُه بوجهٍ من الوجوه. كقولك: رأيتُ أسدًا.

1 / 108