ويبدو من سياق القصة في فصلها الأول أن حبه للفتاة لم يأت فجأة ولكنه نما في نفسه رويدا، وإن لم ينبعث في حماسة إلى إظهاره لها. كما لم يبد كسير الفؤاد حين مضى يستمع للوشاية بها ويصدق قول الواشي؛ وكان المرتقب أن يثور عليه ويطالبه بإثبات قوله، ولكنه غضب على الفتاة وأقسم أن ينتقم منها، بل لم يبد شيئا من الأسى حين تم له ما أراد من الثأر، فقد اكتفى به، وطلب إلى بنيديك أن يطرد بالمجون الهم عن نفسه.
ولكن ذلك كله على غرابته، لا ينفي أنه أحب الفتاة حبا بالغا لم يحل دون إظهاره غير اعتداده الشديد بنفسه.
هيرو:
رسم شكسبير شخصيتها على النقيض من ابنة عمها، فهي تبدو حيية منطوية على نفسها. على حين تلوح الأخرى برزة مستقلة فصيحة ماجنة كأن كلا منهما تبرز بهذا التناقض شخصية صاحبتها. ولكننا نحس دائما وجودها، وإن أقلت من الكلام، ونستشعر وقارها وحشمتها، ولا يقع كلامها على قلته قليل الخطر، بل يكسب الإعجاب به على إيجازه، وهي لا تخلو من ذكاء ومجانة، كما بدأ في تنفيذها حيلة اتفق عليها لحمل ابنة عمها على الرضى عن صاحبها الذي سلطت عليه النكات اللاذعة وبادلته السخرية المريرة، وقد شهدناها حين شهر خطيبها بها في الكنيسة على رؤوس الأشهاد، تلوذ بالصمت على فرط اضطرابهما للتهمة النكراء التي رميت بها، فلم تفتح فمها لتدافع عن شرفها إلا قليلا، حيال غضبة أبيها وثورة نفسه، ولم تظهر عقب إغمائها إلا في المشهد الأخير حين ثبتت براءتها، وفي هذا الموطن رأيناها تصفح عن «كلوديو» من أعماق قلبها، ولا توجه إليه كلمة ملام واحدة.
بنيديك:
فتى من المحسوبين على الأمير وأصحاب حظوته، وقد صوره شكسبير نقيضا لكلوديو، كما بدت هيرو نقيضة لابنة عمها، وإنه ليشق على المرء تحديد شخصيته مما كان الآخرون في القصة يقولونه عنه؛ فإن نحن سمعنا للذعات «بياتريس» وغمزاتها، أسأنا بعض الظن، وإن نحن تدبرنا مديح الأمير له، عجبنا لها كيف قست عليه إلى هذا الحد.
ويلوح لنا أن تظاهره بكراهية النساء مرجعه إلى شيء في خليقته ألف السكون إليه، وهو «العادة» حتى لقد قال عن نفسه إنه الجبار المشهود له بالقسوة عليهن، وإن كان قد أقام في الواقع فارقا ظاهرا بين رأيه الصادق الخالص وبين الفكرة التي أعلنها وادعى احترافها، وأشهد الناس عليها، وقد رأيناه يوحي إلينا بكلامه أنه لا يرضى من المرأة التي لا يتردد في الزواج بها بالشيء اليسير من المحاسن ووجوه الفضل، ولكنه يعترف بأن ما يراه فيها ويؤمن به قد يتحول إلى حب إذا اهتدى إلى المرأة المثالية التي يشترطها.
وهو يتلقى نكات بياتريس وغمزاتها راضيا غير غاضب ويجيب عنها ببراعة ظاهرة، ويعتز بفكاهته وحذقه للنكتة، ولا بأس عنده من أن تأتي على حسابه وتوجه إليه، إن جاءت طريفة مليحة ترضيه، وإن كان قد غضب في ذات نفسه لنكتة واحدة رمته بياتريس بها؛ وهي وصفه بأنه «مهذار الأمير»، فقد اعترف أنها أوجعته، وأحدثت أثرا بالغا في خاطره.
وقد عرفنا به في مطلع القصة الرسول الذي قدم لينبئ القوم بقرب مقدم الأمير، فقد قال عنه إنه قد عاد إلى المعارك مرحا كما كان أبدا، وهو رأي وجدنا جميع شخوص القصة يقرون الرسول عليه.
وقد جعلته طبيعته الرقيقة، أو سلامة فطرته، فريسة سهلة لمكايد الأمير وصاحبه، وعرضة لسخرية أصدقائه وشماتتهم به، ولا ريب في أن التضحية التي بذلها حين اعترف بأنه المغلوب المندحر كانت عميقة الأثر في نفسه الشفافة وعزته، ولكن علمه بأن بياتريس تتلوى من الحب له، كان يتغلب على تظاهره بكراهية النساء، فلم يلبث أن صدق الحيلة التي احتالها الأمير لإيقاعه في الحبالة، ولم يكن ثمة شك في حبه حين استطاع التغلب على بغضائه للزواج، ولم تكن هي لتحمله على مطالبة صديقه كلوديو بالخروج إلى المبارزة ركونا منها إلى الحب الذي يشتعل لها في صدره حتى استجاب لها، ونزل على حكمتها.
ناپیژندل شوی مخ