ولكن رغما عن ذلك التدبير فشلت المؤامرة؛ إذ ضل الرسول المرسل لإخطار الأشقياء الطريق، فقطعه فرنشسكو آمنا، ووصل إلى روكابتريلا بسلام، وكان الأشقياء قد لبثوا في انتظاره أسبوعا في الغاب، فلما نجا من أيديهم تفرقوا وعادوا من حيث أتوا.
وأقام فرنشسكو بقصر كولونا أياما بعد أن صرف ولده جاك وولديه الآخرين الصغيرين ليخلو له الجو فيعذب لوكريزيا وبياتريس ما شاء وشاءت طباعه الوحشية. وعاد ذلك الأب الغشوم إلى سالف عهده الفاسق مع ابنته، وأراها من أنواع الذل والعذاب ما صممت معه أن تنتقم لنفسها بنفسها ولا تكل أمر انتقامها إلى غيرها.
ورأت بياتريس يوما أولمبيو ومارزيو يطوفان حول القصر، فأشارت إليهما بأن لديها قولا تريد إبلاغهما إياه، فانتظر أولمبيو فرصة الليل، وتمكن - لمعرفته بدخائل القصر ومداخله - أن يلجه ليلا مع صاحبه، وانتظرتهما بياتريس في نافذة قريبة من حوش معزول، ودفعت إليهما بخطابين لأخيها جاك وحبيبها جويرا تطلب في الأول من أخيها أن يوافقها على قتل أبيها، وترجو في الثاني من حبيبها أن يعطي أولمبيو ألف قرش روماني نصف أجرته، أما مارزيو فكان لا يزال مخلصا لباتريس يرى في قبولها خدمته أوفى أجر وأكبر جزاء، فأهدته الفتاة رداء موشى بالذهب ليحفظه تذكارا لشكرها إياه. ووعدت الفتاة الرجلين أن تجزل لهما العطاء هي وامرأة أبيها إذا تم لهما ما يتمنيان من قتل الظالم والاستيلاء على ماله.
وسافر الرجلان، وانتظرت المرأتان عودتهما بفارغ الصبر، ولما انقضى الأجل المضروب عادا وقد أنقد أحدهما الألف قرش، وأتى الثاني من جاك بما يفيد موافقته لأخته على ما عزمت عليه، وبذلك تمهد السبيل لإنفاذ ذلك العزم، وحددت المرأتان اليوم الثامن من شهر سبتمبر لإخراجه إلى حيز الفعل، ولكن لاحظت لوكريزيا أن ذلك اليوم يوافق عيد ميلاد العذراء، فلم تشأ أن ترتكب فيه معصية فتضاعفها بأخرى، فاتفقت مع ابنة زوجها على تأجيل العمل لليوم التاسع.
وفي مساء 9 سبتمبر سنة 1598 جلس الشيخ والمرأتان على المائدة لتناول العشاء، فتأملته إحداهما، وسكبت في قدحه أفيونا، فشعر به دون أن يشعر بما فيه، وما لبث أن لعبت برأسه هذه المادة المخدرة؛ فاستولى عليه نوم ثقيل.
وكان أولمبيو ومارزيو مختبئين في القصر من الأمس، فأتت إليهما بياتريس في منتصف الليل، وأخرجتهما من مخبئهما، وقادتهما إلى حجرة أبيها، ففتحت لهما بابها، وأدخلتهما فيها، ولبثت مع زوجة أبيها تنتظران في حجرة مجاورة لها.
وبعد قليل خرج الرجلان باهتين منكسي الرأس، فعلمت المرأتان أنهما لم يفعلا شيئا، فصاحت بهما بياتريس قائلة: ويلكما ماذا جرى؟ وما يوقفكما؟
قالا: رأينا من العار أن نقتل شيخا في فراشه؛ وقد رأينا شبيبته فأخذتنا الشفقة عليه.
فهزت بياتريس رأسها هازئة، وقالت تقرعهما: عجبي لرجلين يدعيان الشجاعة والقوة ولا يجسران على قتل شيخ راقد، فما بالكما إذن لو كان قائما على قدميه، أأتيتما إذن لتستوليا على دراهمنا اختلاسا؟ تبا لكما ولجبنكما، ولكن حيث إنكما نكصتما ونكثتما العهود، فسأقتل أبي بيدي ولن تحييا بعده طويلا.
فخجل الرجلان من ضعفهما، وأشارا للمرأتين أنهما مستعدان لما تطلبان، ثم دخلا معهما إلى حجرة الراقد، وكان القمر قد أرسل بأشعته من خلال النافذة، فأضاء وجه الشيخ ولحيته البيضاء، فكانت له الهيبة التي أثرت على نفس الشقيين أول مرة، وكان مع أحد الرجلين مسامير غليظة كبيرة، ومع الآخر مطرقة، فوضع الأول مسمارا في عين الراقد، وقرع عليه الثاني بالمطرقة، فأدخله فيها، ثم دقوا له مسمارا آخر في رقبته، فزهقت روحه، وذهبت إلى سقر محملة بذنوبها وآثامها.
ناپیژندل شوی مخ