﴿تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ [الفتح/ ١٦].
والجواب عن هذا بأمور:
الأول -وهو أحسنها وأقربها-: أن المراد بقوله: ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ تهييج المسلمين وتحريضهم على قتال الكفار، فكأنه يقول لهم: هؤلاء الذين أمرتكم بقتالهم هم خصومكم وأعداؤكم الذين يقاتلونكم. ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ [التوبة/ ٣٦]، وخير ما يفسر به القرآن القرآن.
الوجه الثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة/ ٥]، وهذا من جهة النظر ظاهر حسن جدًا.
وإيضاح ذلك: أن من حكمة اللَّه البالغة في التشريع أنه إذا أراد تشريع أمر عظيم على النفوس ربما يشرعه تدريجيًا لتخف صعوبته بالتدريج، فالخمر -مثلًا- لما كان تركها شاقًّا على النفوس التي اعتادتها، ذكر أولًا بعض معائبها بقوله: ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِير﴾ [البقرة/ ٢١٩]، ثم بعد ذلك حرمها في وقت دون وقت، كما دل عليه قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ الآية [النساء/ ٤٣]، ثم لما استأنست النفوس بتحريمها في الجملة حرَّمها تحريمًا باتًا بقوله: ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠)﴾ [المائدة/ ٩٠].
وكذلك الصوم لما كان شاقًّا على النفوس شرعه أولًا على سبيل