ولنرجع إلى ما ذكره إبن شاكر في تاريخه ذكره في الجزء العشرين وقال وفي سنة خمس وسبعمائة في ثامن رجب عقد مجلس بالقضاة والفقهاء بحضرة نائب السلطنة بالقصر الأبلق فسئل إبن تيمية عن عقيدته فأملي شيئا منها ثم أحضرت عقيدته الواسطية وقرئت في المجلس ووقعت بحوث كثيرة وبقيت مواضع أخرت إلى مجلس ثان ثم إجتمعوا يوم الجمعة ثاني عشر رجب وحضر المجلس صفي الدين الهندي وبحثوا ثم اتفقوا على أن كمال الدين بن الزملكاني يحاقق إبن تيمية ورضوا كلهم بذلك فافحم كمال الدين إبن تيمية وخاف إبن تيمية على نفسه فأشهد على نفسه الحاضرين أنه شافعي المذهب ويعتقد ما يعتقده الإمام الشافعي فرضوا منه بذلك وانصرفوا ثم إن أصحاب إبن تيمية أظهروا أن الحق ظهر مع شيخهم وأن الحق معه فأحضروا إلى مجلس القاضي جلال الدين القزويني وأحضروا إبن تيمية وصفع ورسم تعزيره فشفع فيه وكذلك فعل الحنفي بإثنين من إصحاب إبن تيمية ثم قال ولما كان سلخ رجب جمعوا القضاة والفقهاء وعقد مجلس بالميدان أيضا وحضر نائب السلطنة أيضا وتباحثوا في أمر العقيدة وسلك معهم المسلك الأول فلما كان بعد أيام ورد مرسوم السلطان صحبة بريدي من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة نجم الدين بن صصري وبإبن تيمية وفي الكتاب تعرفونا ما وقع في سنة ثمان وتسعين في عقيدة إبن تيمية فطلبوا الناس وسألوهم عما جرى لابن تيمية في أيام نقل عنه فيها كلام قاله وأحضروا للقاضي جلال الدين القزويني العقيدة التي كانت أحضرت في زمن قاضي القضاة إمام الدين وتحدثوا مع ملك الأمراء في أن يكاتب في هذا الأمر فأجب فلما كان ثاني يوم وصلى مملوك ملك الأمراء على البريد من مصر وأخبر أن الطلب على إبن تيمية كثير وأن القاضي المالكي قائم في قضيته قياما عظيما وأخبروا بأشياء كثيرة من الحنابلة وقعت في الديار المصرية وأن بعضهم صفع فلما سمع ملك الأمراء بذلك انحلت عزائمه عن المكاتبة وسير شمس الدين بن محمد المهمندار إلى إبن تيمية وقال له قد رسم مولانا ملك الأمراء بأن تسافر غدا وكذلك راح إلى قاضي القضاة فشرعوا في التجهيز وسافر صحبة إبن تيمية أخواه عبد الله وعبد الرحمن وسافر معهم جماعة من أصحاب إبن تيمية وفي سابع شوال وصل البريدي إلى دمشق واخبر بوصولهم إلى الديار المصرية وأنه عقد لهم مجلس بقلعة القاهرة بحضرة القضاة والفقهاء والعلماء والأمراء فتكلم الشيخ شمس الدين عدنان الشافعي وادعى على إبن تيمية في أمر العقيدة فذكر منها فصولا فشرع إبن تيمية فحمد الله تعالى وأثنى عليه وتكلم بما يقتضي الوعظ فقيل له يا شيخ إن الذي تقوله نحن نعرفه وما لنا حاجة إلى وعظك وقد ادعى عليك بدعوى شرعية فأجب فأراد إبن تيمية أن يعيد التحميد فلم يمكنوه من ذلك بل قيل له أجب فتوقف وكرر عليه القول مرارا فلم يزدهم على ى ذلك شيئا وطال الأمر فعند ذلك حكم القاضي المالكي بحبسه وحبس أخويه معه فحبسوه في برج من أبراج القلعة فتردد إليه جماعة من الأمراء فسمع القاضي بذلك فاجتمع بالأمراء وقال يجب عليه التضييق إذا لم يقتل وإلا فقد وجب قتله وثبت كفره فنقلوه إلى الجب بقلعة الجبل ونقلوا اخويه معه بإهانة وفي سادس عشر ذي القعدة وصل من الديار المصرية قاضي القضاة نجم الدين بن صصري وجلس يوم الجمعة في الشباك الكمالي وحضر القراء والمنشدون وأنشدت التهاني وكان وصل معه كتب ولم يعرضها على نائب السلطنة فلما كان بعد أيام عرضها عليه فرسم ملك الأمراء بقراءتها والعمل بما فيها إمتثالا للمراسيم السلطانية وكانوا قد بيتوا على الحنابلة كلهم بان يحضروا إلى مقصورة الخطابة بالجامع الأموى بعد الصلاة وحضر القضاة كلهم بالمقصورة وحضر معهم الأمير الكبير ركن الدين بيبرس العلائي وأحضروا تقليد القضاة نجم الدين بن صصري الذي حضر معه من مصر بإستمراره على قضاء القضاة وقضاء العسكر ونظر الأوقاف وزيادة المعلوم وقريء عقيبه الكتاب الذي وصل على يديه وفيه ما يتعلق بمخالفة إبن تيمية في عقيدته وإلزام الناس بذلك خصوصا الحنابلة والوعيد الشديد عليهم والعزل من المناصب والحبس وأخذ المال والروح لخروجهم بهذه العقيدة عن الملة المحمدية ونسخة الكتاب نحو الكتاب المتقدم وتولى قراءته شمس الدين محمد بن شهاب الدين الموقع وبلغ عنه الناس إبن صبح المؤذن وقرئ بعده تقليد الشيخ برهان الدين بالخطابه واحضروا بعد القراءة الحنابلة مهانين بين يدي القاضي جمال الدين المالكي بحضور باقي القضاة واعترفوا أنهم يعتقدون ما يعتقده محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه وفي سابع شهر صفر سنة ثمان عشرة ورد مرسوم السلطان بالمنع من الفتوى في مسألة الطلاق الذي يفتي بها إبن تيمية وأمر بعقد مجلس له بدار السعادة وحضر القضاة وجماعة من الفقهاء وحضر إبن تيمية وسألوه عن فتاويه في مسألة الطلاق وكونهم نهوه وما انتهى ولا قبل مرسوم السلطان ولا حكم الحكام بمنعه فأنكر فحضر خمسة نفرفذكروا عنه أنه أفتاهم بعد ذلك فأنكر وصمم على الإنكار فحضر إبن طليش وشهود شهدوا أنه أفتى لحاما إسمه قمر مسلماني في بستان إبن منجا فقيل لإبن تيمية اكتب بخطك أنك لا تفتي بها ولا يعيرها فكتب بخطه أنه لا يفتي بها وما كتب بغيرها فقال القاضي نجم الدين بن صصري حكمت بحبسك وإعتقالك فقال له حكمك باطل لأنك عدوي فلم يقبل منه وأخذوه واعتقلوه في قلعة دمشق وفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة يوم عاشوراء أفرج عن ابن تيمية من حبسه بقلعة دمشق وكانت مدة إعتقاله خمسة أشهر ونصف وفي سنة إثنتين وعشرين وسبعمائة في السادس عشر من شعبان قدم بريدي من الديار المصرية ومعه مرسوم شريف بإعتقال إبن تيمية فاعتقل في قلعة دمشق وكان السبب في إعتقاله وحبسه أنه قال لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد وإن زيارة قبور الأنبياء لا تشد إليها الرواحل كغيرها كقبر إبراهيم الخليل وقبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن الشاميين كتبوا فتيا أيضا في إبن تيمية لكونه أول من أحدث هذه المسألة التي لا تصدر إلا ممن في قلبه ضغينة لسيد الأولين والآخرين فكتب عليها الإمام العلامة برهان الدين الفزاري نحو أربعين سطرا بأشياء وآخر القول أنه أفتى بتكفيره ووافقه على ذلك الشيخ شهاب الدين بن جهبل الشافعي وكتب تحت خطه كذلك المالكي وكذلك كتب غيرهم ووقع الإتفاق على تضليله بذلك وتبديعه وزندقته ثم أراد النائب أن يعقد لهم مجلسا ويجمع العلماء والقضاة فرأي أن الأمر يتسع فيه الكلام ولا بد من إعلام السلطان بما وقع فأخذ الفتوى وجعلها في مطالعة وسيرها فجمع السلطان لها القضاة فلما قرئت عليهم أخذها قاضي القاضي بدر الدين بن جماعة وكتب عليها القائل بهذه المقالة ضال مبتدع ووافقه على ذلك الحنفي والحنبلي فصار كفره مجمعا عليه ثم كتب كتاب إلى دمشق بما يعتمده نائب السلطنة في أمره وفي يوم الجمعة عاشر شهر شعبان حضر كتاب السلطان إلى نائب البلد وأمره أن يقرأ على السدة في يوم الجمعة فقريء وكان قارئ الكتاب بدر الدين بن الأعزازي الموقع والمبلغ إبن النجيبي المؤذن ومضمون الكتاب بعد البسملة أدام الله تعالى نعمه ونوضح لعلمه الكريم ورود مكاتبته التي جهزها بسبب إبن تيمية فوقفنا عليها وعلمنا مضمونها في أمر المذكور وإقدامه على الفتوى بعد تكرير المراسيم الشريفة بمنعه حسب ما حكم به القضاة وأكابر العلماء وعقدنا بهذا السبب مجلسا بين أيدينا الشريفة ورسمنا بقراءة الفتوى على القضاة والعلماء فذكروا جميعا من غير خلف أن الذي أفتى به إبن تيمية في ذلك خطأ مردود عليه وحكموا بزجره وطول سجنه ومنعه من الفتوي مطلقا وكتبوا خطوطهم بين أيدينا على ظاهر الفتوى المجهزة بنسخة ما كتبه ابن تيمية وقد جهزنا إلى الجناب العالى طي هذه المكاتبة فيقف على حكم ما كتب به القضاة الأربعة ويتقدم إعتقال المذكور في قلعة دمشق ويمنع من الفتوى مطلقا ويمنع الناس من الإجتماع به والتردد إليه تضييقا عليه لجرأته على هذه الفتوى فيحيط به علمك الكريم ويكون إعتماده بحسب ما حكم به الأئمة الأربعة وأفتى به العلماء في السجن للمذكور وطول سجنه فإنه في كل وقت يحدث للناس شيئا منكرا وزندقة يشغل خواطر الناس بها ويفسد على العوام عقولهم الضعيفة وعقلياتهم وعقائدهم فيمنع ما ذلك وتسد الذريعة منه فليكن عمله على هذا الحكم ويتقدم أمره به وإذا إعتمد الجناب الرفيع العالي هذا الإعتماد الذي رسمنا به في أمر إبن تيمية فيتقدم منع من سلك مسالكه أو يفتي بهذه الفتاوي أو يعمل بها في أمر الطلاق أو هذه القضايا المستحدثة وإذا اطلع على أحد عمل بذلك أو أفتى به فيعتبر حاله فإن كان من مشايخ العلماء فيعزر تعزير مثله وإن كان من الشبان الذين يقصدون الظهور كما يقصده إبن تيمية فيؤديهم ويردعهم ردعا بليغا ويعتمد في أمر ما يجسم به مواد أمثاله لتقسيم أحوال الناس وتمشي على السداد ولا يعود أحد يتجاسر على الإفتاء بما يخالف الإجماع ويبتدع في دين الله عزوجل من أنواع الإقتراح ما لم يسبقه أحد إليه فالجناب العالى يعتمد هذه الأمور التي عرفناه إياها الآن وسد الذرائع فيها وقد عجلنا بهذا الكتاب وبقية فصول مكاتبته تصل بعد هذا الكتاب إن شاء الله
مخ ۴۶