ولنرجع إلى قول السلف رضي الله عنهم إذا جلس شخص للوعظ فتفقدوا منه أمورا إن كانت فيه وإلا فاهربوا منه وإياكم والجلوس إليه وإلا هلكتم من حيث طلبتم النجاة قالوا ذلك حين ظهر أهل الزيغ والبدع وكثرت المقالات وذلك بعد وفاة عمر رضي الله عنه وحديث حذيفة رضي الله عنه يدل لذلك واللفظ لمسلم قال حذيفة كنا عند عمر رضي الله عنه فقال أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن فقال قوم نحن سمعناه فقال لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره قالوا أجل قال تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر التي تموج موج البحر قال حذيفة رضي الله عنه فأسكت القوم فقلت أنا قال أنت لله أبوك قال حذيفة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تعرض الفتن على القلوب كالحصير فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى يصير على قلبين على أبيض مثل الصفاة فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض والآخر أسود مربادا كلكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه قال حذيفة رضي الله عنه وحدثته أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر قال قال عمر رضي الله عنه أكسر لا أبالك فلو أنه فتح لعله كان يعاد قال لا بل يكسر وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت حديثا ليس بالأغاليط قال أبو خالد فقلت لسعيد يا أبا مالك ما أسود مربادا قال شدة البياض في السواد قال قلت فما الكوزمجخيا قال منكوسا فقوله ليس بالأغاليط يعني أنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والفتن كل أمر كشفه الإختبار عن أمر سوء وأصله في اللغة الإختبار وشبهت بموج البحر لإضطرابها ودفع بعضها ببعض وشدة عظمها وشيوعها وقوله تعرض الفتن على القلوب أي تلصق بعرض القلوب أي بجانبها كالحصير تلصق بجنب النائم وتؤثر فيه لشدة إلتصاقها وهذا شأن المشبهة تلصق فتنة التشبيه في قلوبهم وتؤثر وتحسن لعقولهم ذلك حتى يعتقدوا ذلك دينا وقربانا من الله عزوجل وما يقنع أحدهم حتى يبقي داعية وحريصا على إفتان من يقدر على إفتانه كما هو مشاهد منهم وإلى مثل ذلك قوله أشربها أي دخلت فيه دخولا تاما وألزمها وحلت منه محل الشراب ومنه قوله تعالى
ﵟوأشربوا في قلوبهم العجلﵞ
أي حبه فقوله أن بينك وبينها بابا مغلقا معناه أن تلك الفتن لا تفتح ولا يخرج منها شيء في حياتك وقوله يوشك هو بضم الياء وكسر الشين معناه أنه يكسر عن قرب والرجل هو عمر وقد جاء مبينا في الصحيح والحاصل أن الحائل بين الناس وبين الفتن هو عمر رضي الله عنه ما دام حيا فإذا مات دخلت ومبدأ الفتن هو الذين شرقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأبي بكر وعمر رضي الله عنهما لعلمهم أن الدين لا يتم إلا بهما لأن عندهم علما بذلك وكانوا يظهرون الإسلام ويقرءون شيئا من القرآن وكانوا يرمزون إلى التعرض بالنقص حتى في النبي صلى الله عليه وسلم حتى أن منهم من كان يؤم الناس ولا يقرأ في الجهرية إلا بعبس لما فيها من العتاب مع النبي صلى الله عليه وسلم لأجل إبن مكتوم وهم رضي الله عنه على قتاله وتظاهر شخص بسؤال ما الذاريات ذروا فقال عمر رضي الله عنه اللهم أمكني منه فمر يوما فقيل له هو ذا وإسم الرجل صبيغ فشمر عمر رضي الله عنه عن ذراعيه وأوجعه جلدا ثم قال أرحلوه فأركبوه على راحلته فقال طيفوا به في حيه ليعلم الناس بذلك وكان رضي الله عنه شديدا في دين الله عزوجل لا تأخذه في الله لومة لائم وقد ذكرت نبذة يسيرة من سيرته في كتاب قمع النفوس ولما كان أواخر القرن الأول اتسع الأمر من القصاص وتظاهر شخص يقال له المغيرة بن سعيد وكان ساحرا واشتهر بالوصاف وجمع بين الإلحاد والتنجيم ويقول أن ربه على صورة رجل على رأسه تاج وأن أعضاءه على عدد حروف الهجاء ويقول ما لا ينطق به ويقول أن الأمانة في قول الله تعالى
ﵟإنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبالﵞ
هي أن لا يمنع على الخلافة وقوله تعالى
ﵟوحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاﵞ
هو أبو بكر رضي الله عنه وقال عمر رضي الله عنه لأبي بكر أن يحملها ويمنع عليا منها وضمن عمر أنه يعين أبا بكر بشرط أن يجعل أبو بكر الخلافة له بعده فقبل أبو بكر منه وأقدما على المنع متظاهرين ثم وصفهما بالظلم والجهل فقال وحملها أبو بكر انه كان ظلوما جهولا وزعم أنه نزل في حق عمر رضي الله عنه
ﵟكمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفرﵞ
الآية وكان يقول بتكفير سائر الصحابة رضي الله عنهم إلا لمن ثبت مع علي رضي الله عنه وكان يقول أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يختلفوا في شيء من الشرائع وكان يقول بتحريم انكار المنكر قبل خروج الإمام وقال لمحمد الباقر اقر أنك تعلم الغيب حتى أجبي لك العراق فانتهزه وطرده وكذا فعل بجعفر الصادق ولد محمد الباقر فقال أعوذ بالله وكان يقول انتظروا محمد بن عبد الله الإمام فإنه يرجع ومعه ميكائيل وجبريل يتبعانه من الركن والمقام وكان له خبائث فلما كان في السنة التاسعة عشرة والمائة ظفر به خالد بن عبد الله القسري فأحرقه وأحرق معه خمسة من أتباعه فهذا شأن أهل الزيغ واستمر الأمر على ذلك إلا أنهم سلكوا مسلك المكر والحيلة بإظهار الكب على سماع الحديث ويكثرون من ذكر أحاديث المتشابه ويجمعونها ويسردونها على الناس العوام ثم كثرت المقالات في زمن الإمام أحمد وكثر القصاص وتوجع هو وإبن عيينة وغيرهما منهم وكان الإمام أحمد يقول كنت أود لو كان قصاصا صادقا نصوحا طيب السريرة ونبغ في زمنه محمد بن كرام السجستاني وترافق مع الإمام أحمد وأظهر حسن الطريقة حتى وثقه هو وإبن عيينة وسمع الحديث الكثير ووقف على التفاسير وأظهر التقشف مع العفة ولين الجانب وكان ملبوسه جلد ضأن غير مخيط وعلى رأسه قلنسوة بيضاء ثم أخذ حانوتا يبيع فيه لبنا واتخذ قطعة فرو يجلس عليها ويعظ ويذكر ويحدث ويتخشع حتى أخذ بقلوب العوام والضعفاء من الطلبة لوعظه وبزهده حتى حصر من تبعه من الناس فإذا هم سبعون ألفا وكان من غلاة المشبهة وصار يلقي على العوام الآيات المتشابهة والأخبار التي ظواهرها يوافق عقول العوام وما ألفوه ففطن الحذاق من العلماء فأخذوه ووضعوه في السجن فلبث في سجن نيسابور ثمان سنين ثم لم يزل أتباعه يسعون فيه حتى خرج من السجن وارتحل إلى الشام ومات بها في زعر ولم يعلم به إلا خاصة من أصحابه فحملوه ودفنوه في القدس الشريف وكان أتباعه في القدس أكثر من عشرين ألفا على التعبد والتقشف وقد زين لهم الشيطان ما هم عليه وهم من الهالكين وهم لا يشعرون واستمر على ما هم عليه خلق شأنهم حمل الناس على ما هم عليه إلى وقتك هذا قال الله تعالى
ﵟأفمن زين له سوء عمله فرآه حسناﵞ
قال سعيد بن جبير هذه الآية نزلت في أصحاب الأهواء والبدع المعنى أنه ركض في ميادين الباطل وهو يظنها حقا وكان إبن عباس رضي الله عنهما يقول عند هذه الآية إن الضلالة لها حلاوة في قلوب أهلها والبدعة هي إستحسان ما يسوق إليه الهوى والشبهة مع الظن بكونها حقا وهؤلاء ينزع من قلوبهم نور المعرفة وسراج التوحيد من اسرارهم ووكلوا إلى ما اختاروا فضلوا وأضلوا
ﵟويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبونﵞ
حتى ينكشف لهم الأمر كما قال الله تعالى
ﵟوبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبونﵞ
قيل عملوا أعمالا ظنوا أنها في كفة الحسنات فإذا هي في كفة السيئات وهذه الآية قيل أنها في أهل البدع يتصور ويعتقد مع تمام الورع والزهد وتمام الأعمال الصالحة وفعل الطاعات والقربات ما عاقبته خطرة
مخ ۲۷