ومن تأمل كلام الله عزوجل وجده محشوا بتنزيهه تارة بالتصريح وتارة بالتلويح وتارة بالإشارات وتارة بما تقصر عنه العبارات وهؤلاء العلماء ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين قربوا من درجة النبوة لأنهم دلوا الناس على ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام ويرجح مدادهم على دم الشهداء ويستغفر لهم من في السموات والأرض حتى الحيتان في الماء وهم أمناء الله عزوجل في أرضه وأحدهم على الشيطان أشد من ألف عابد وقد قيل في قوله تعالى
ﵟرب زدني علماﵞ
أي زدني علما بالقرآن ومعانيه وهؤلاء لهم علم لدني يرد على قلوبهم من غيب الهدي لها جولان في الملكوت فترجع إلى صاحبها بطرائف الحكمة من غير أن يلقي إليها عالم علمه ومن ثمرة ذلك حصول الخشية وتزايد الخوف والعمل بالإخلاص والصدق والزهد وصون النفس عن مواطن الهلكة وإلا هلك وأهلك غيره ومثل العالم كمثل السفينة إذا إنحرفت غرقت وغرق أهلها فواجب على العالم أن يحترز لئلا ويهلك غيره فيلقي الله بذنوبه وذنوب غيره فيضاعف عليه العذاب قال محمد بن المنكدر وهو من سادة التابعين وكانت عائشة رضي الله عنها تحبه وتكرمه وتبره الفقيه يدخل بين الله عزوجل وبين عباده فلينظر كيف يدخل وصدق ونصح قدس الله روحه وهذا شأن السلف بذلوا النصيحة للإسلام والمسلمين وكانوا شديدين على من خالف ولا سيما لما ظهر أهل الزيغ وتظاهروا بالتنويه بذكر آيات المتشابه وأحاديثه بالغوا في التحذير منهم ومن مجالستهم وكانوا يقولون هم الذين عني الله عزوجل في قوله تعالى
ﵟفأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنةﵞ
الآية وكذا قالت عائشة رضي الله عنها وكانوا يقولون إذا جلس أحد للوعظ والتذكير تفقدوا منه أمورا ولا تغتروا بكل واعظ فإن الواعظ إذا لم يكن صادقا ناصحا سليم السريرة من الطمع والهوى هلك وأهلك وذكروا أشياء ببعضها تنطفيء نار الشبه التي بها يموه أهل الزيغ ومن لا يقبلها فما ذاك إلا أن الله عزوجل يريد إهلاكه وحشره في زمرة السامرة واليهود والزنادقة ومن يرد الله عزوجل إضلاله فلا هادي له
ﵟوالله يحكم لا معقب لحكمهﵞ
ﵟلا يسأل عما يفعلﵞ
قسم الخلق إلى شقي وسعيد
فهو الفعال لما يريد
فمن إتبع هداه فلا يضل ولا يشقى
ومن إتبع هوى نفسه الأمارة وأهل الزيغ والضلالة وحاد عن سبيل من بهم يقتدى هلك في المرقي
مخ ۲۴