جلت ذاته القديمة التي لم تسبق بعدم أن يكون لها صفة حادثة كما يستحيل أن يكون للذات الحادثة صفة قديمة قال تعالى
ﵟحيا أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاﵞ
وسأل بعض المخبثين الطوية للإمام العالم العلامة الجامع بين العلوم السنية والمناهج العلية يحيى بن معاذ الرازي فقال له أخبرنا عن الله فقال إله واحد فقال له كيف هو قال إله قادر قال فأين هو قال بالمرصاد فقال السائل لم أسألك عن هذا فقال ما كان غير هذا فهو صفة المخلوق فأما صفته فالذي أخبرتك عنه فالسائل سأل عن الذات والكيفية فأجابه هذا الحبر بالصفات الجلالية القدسية وهذا أخذه من قصة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون اللعين لما قال له موسى عليه السلام
ﵟإني رسول رب العالمينﵞ
فسأله فرعون وما رب العالمين فقال موسى
ﵟرب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنينﵞ
فضمن الجواب العدول عما سأل لأنه عدل فيه عن مطابقة السؤال لأن فرعون سأل عن ما هيتة سبحانه وتعالى وموسى أجابه عن قدرته وصفاته فجاز له حين خلط في السؤال وأخطأ وسأل عما لا يمكن إدراكه العدول عن سؤاله فقال فرعون
ﵟألا تستمعونﵞ
أنا أسأله عن شيء فيجيب عن غيره فقال موسى عليه السلام
ﵟربكم ورب آبائكم الأولينﵞ
فلما قال موسى عليه السلام ذلك استشعر فرعون أنه أخطأ في السؤال فخشي أن يدرك ذلك جلساؤه فقال
ﵟإن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنونﵞ
رماه بذلك حتى يتخلص ويصير موسى عليه السلام في مقام لا يلتفت إلى قوله ولا يؤخذ به فتأمل أرشدك الله عزوجل وهداك إلى الحق كيف أن ذلك معلوم عند الإنبياء عليهم الصلاة والسلام وغيرهم عدم العلم بالذات والكيف فلا أجهل ولا أعمى بصيرة ممن فرعون أهدي منه في معرفته بالعجز عن درك ذاته قال الإمام الحافظ محمد بن علي الترمذي صاحب التصانيف المشهورة من جهل أوصاف العبودية فهو بنعت الربوبية أجهل وقال أهل التحقيق من أهل السنة والجماعة من إعتقد في الله عزوجل ما يليق بطبعه كالعامي فهو مشبه فإنه عزوجل منزه عن كل ما يصفه الآدمي أو يتخيله لأن ذلك من صفات الحدث تعالى وتقدس عن ذلك فإيمان العامي لضعف علمه وعقله يقبل التشكيك قال إبن عباس سبحانه وتعالى بخلقه يؤمنون به مجملا ويكفرون به مفصلا حملهم على ذلك زخرف العدو وإغواؤه رضي الله عنهما في قوله تعالى
ﵟوما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركونﵞ
هم الذين شبهوا الله بدسيسة عدم علمهم بغوائل النفس الأمارة بالسوء وعدم تأملهم قوله تعالى
ﵟما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهمﵞ
وفي ذلك إشارة إلى عجز الخليقة ان تدرك بعض صفات ذواتها في ذاتها أو تدري كيف كنهها في أنفسها بعدم شهودهم خلق السموات والأرض وخلق أنفسها فلم تملك أن تحتوي علم أنفسها في أنفسها فكيف تدري أو تدرك شيئا من صفات موجدها من العدم وبارئها ومالكها وقال تعالى
ﵟومن كل شيء خلقنا زوجينﵞ
ﵟسبحان الذي خلق الأزواج كلهاﵞ
وفي ذلك إشارة ظاهرة إلى عجزك عن إدراك كنه بعض المخلوقات على إختلاف ذواتها وصفاتها وفي بعضها ما لا يخطر على قلب بشر فكيف بالخالق الذي نزه نفسه بقوله تعالى
ﵟليس كمثله شيءﵞ
وهو سبحانه وتعالى مباين لخلقه من كل وجه لا يسعه غيره ولا يحجبه سواه تقدس أن يدركه حادث أو يتخيله وهم أو يتصوره خيال
كل ذلك محال
فهو الملك القدوس المنزه في ذاته وصفاته عن مشابهة مخلوقاته وأنت من مخلوقاته
ركبك علي منوال عجيب
وجعلك في أحسن صورة وأعجب ترتيب
مع تنقل تارات من ماء مهين فقال عزوجل
ﵟولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقينﵞ
الإنسان هنا هو آدم عليه السلام وسلالته لآنه سلة من كل تربة وكان عليه السلام يتكلم بسبعمائة ألف لغة وقوله تعالى ثم جعلناه أي الإنسان نطفة في قرار مكين أي حرز منيع وهو الرحم ثم خلقناه علقة أي دما فخلقنا العلقة مضغة أي قدر ما يمضغ فخلقنا المضغة عظاما وبين كل خلقتين أربعون يوما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر وهو نفخ الروح فيه قاله إبن عباس ومجاهد والشعبي وغيرهم وقيل نبات الأنسان والشعر قاله قتادة وقيل ذكرا أو أنثى قاله الحسن وقيل غير ذلك فتبارك الله أحسن الخالقين أي المصورين والمقدرين تنزه سبحانه وتعالى بعد ذكر هذه الأطوار
مخ ۲۲