المرتبة الثالثة القول فيها بمقتضى الحس وقد عم جهله الناقلين إذ ليس لهم علوم المعقولات التي بها يعرف ما يجوز على الله عزوجل وما يستحيل فإن علم المعقولات يصرف ظواهر المنقولات عن التشبيه فإذا عدموها تصرفوا في النقل بمقتضى الحس ولوا فهموا أن الله عزوجل لا يوصف بحركة ولا إنتقال ولا جارحة ولا تغير لما بقوا على الحسيات التي فيها عين التشبيه وهو كفر بالقرآن أعاذنا الله من ذلك ولا شك أن مذهب السكوت أسلم وقد ندم خلق من أكابر المتكلمين على الخوض في ذلك قال أبو المعالي الجويني في آخر عمره خليت أهل الإسلام وعلومهم وركبت البحر الأعظم وغصت في الذي نهوا عنه والآن رجعت إلى قولهم عليكم بدين العجائز فإن لم يدركني الحق بلطفه وأموت على دين العجائز وإلا فالويل لإبن الجويني قال أبو الوفاء بن عقيل معني بدين العجائز أن المدققين بالغوا في البحث والنظر ولم يشهدوا ما يشفي العقل من التعليل فوقفوا مع المراسم واستطرحوا وقالوا لا ندري وسئل الإمام أحمد قدس الله روحه عن الإستواء فقال هو كما أخبر لا كما يخطر بالبشر فأنظر وفقك الله وأرشدك إلى الحق إلى هذه العبارة ما أرشقها وعلى أتباعه ما أشققها إعتقاد قويم ومنهاج سليم قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي وإسمه عبد الرحمن بن علي لما رأى الحساد للإمام أحمد ما حصل له من الرفعة ونفاسة مذهبه لتشييده بالكتاب والسنة انتموا إلى مذهبه ليدخلوا عليه النقص والخلل وصرف الناس عنه حسدا من أنفسهم فصرحوا بالتشبيه والتجسيم ولم يستحيوا من الخبير العليم
ونسبوه إليه إفتراء عليه ومن نظمه في ذلك
( ولما نظرت في المذاهب كلها
طلبت الأسد في الصواب وما أغلو )
( فألفيت عند السير قول إبن حنبل
يزيد على كل المذاهب بل يعلو )
( وكل الذي قد قاله فمشيد
بنقل صحيح والحديث هو الأصل )
( وكان بنقل العلم أعرف من روى ) يقوم
( ومذهبه أن لايشبه ربه
ويتبع في التسليم من قد مضى قبل ) يشير إلى صاحبه الإمام الشافعي وغيره من علماء السلف كما أذكر
( فقام له الحساد من كل جانب
فقام على رجل الثبات وهم زلوا )
( وكان له اتباع صدق تتابعوا
فكم أرشدوا نحو الهدى ولكم دلوا )
مخ ۱۷