ومن العجب العجيب أن يقرأ أحدهم قوله تعالى
ﵟوأنزلنا الحديدﵞ
مع أن معدنه في الأرض وقوله تعالى
ﵟوأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواجﵞ
فيالله العجب من شخص لم يعرف نزول الجمل كيف يتكلم في تفصيلها وقد قال تعالى
ﵟوأنزلنا إليك الكتابﵞ
وقال تعالى
ﵟقد أنزل الله إليكم ذكراﵞ
فنسب الإنزال إلى هاتين الغايتين إليه سبحانه وتعالى وقد قال تعالى
ﵟمن يضلل اللهﵞ
أي ببدعته
ﵟفلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهونﵞ
والعمه في البصيرة كما أن العمى في البصر والعمه في البصيرة منه الهلكة أعاذنا الله من ذلك وروى أبو عيسى الترمذي عن مالك بن أنس وسفيان بن عيينه وإبن المبارك أنهم قالوا أمروا هذه الأحاديث بلا كيف قال الأئمة فواجب على الخلق إعتقاد التنزيه وإمتناع تجويز النقلة والحركة فإن النزول الذي هو إنتقال من مكان إلى آخر يفتقر إلى الجسمية والمكان العالي والمكان السافل ضرورة كما في قوله تعالى
ﵟيخافون ربهم من فوقهمﵞ
فإن الفوقية بإعتبار المكان لا تكون بالضرورة إلا في الأجرام والأجسام مركبة كانت أو بسيطة والرب سبحانه وتعالى منزه عن ذلك إذ هو من صفات الحدث وقال إبن حامد الراسم نفسه بالحنبلي هو فوق العرش بذاته وينزل من مكانه الذي هو فيه فينزل وينتقل ولما سمع تلميذه القاضي منه هذا إستبشعه فقال النزول صفة ذاتية ولا نقول نزوله إنتقال أراد أن يغالط الأغبياء بذلك وقال غيره يتحرك إذا نزل وحكوا هذه المقالة عن الإمام أحمد فجورا منه بل هو كذب محض على هذا السيد الجليل السلفي المنزه فإن النزول إذا كان صفة لذاته لزم تجددها كل ليلة وتعددها والإجماع منعقد على أن صفاته قديمة فلا تجدد ولا تعدد تعالى الله عما يصفون وقد بالغ في الكفر من الحق صفة الحق بالخلق وأدرج نفسه في جريدة السامرة واليهود الذين هم أشد عداوة للذين آمنوا ومنها حديث الأصابع وهو في الصحيحين من حديث إبن مسعود رضي الله عنه قال جاء حبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إن الله يضع السماء على إصبع والجبال على إصبع والشجر على إصبع والأنهار على إصبع وسائر الخلق على إصبع وفي لفظ والماء والثرى على إصبع ثم يهزهن فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال وما قدروا الله حق قدره وفي لفظ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا له قال الأئمة ومنهم أبو سليمان الخطابي لا نثبت لله صفة إلا بالكتاب أو خبر مقطوع بصحته مستند إلى أصل في الكتاب أو السنة المقطوع بصحتها وما كان بخلاف ذلك فالواجب التوقف عن إطلاق ذلك ويتأول على ما يليق بمعاني الأصول المتفق عليها من أقوال أهل العلم مع نفي التشبيه وقال غيره قد نفى الله تعالى التشبيه عنه في قوله تعالى
ﵟوما قدروا الله حق قدرهﵞ
ﵟوالأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالىﵞ
دفعا لما يتبادر إليه الفهم بإعتبار المحسوسات قال الأئمة معناه ما عرفوه حق معرفته وقال المبرد ما عظموه حق عظمته وقبضة الله عزوجل عبارة عن قدرته وإحاطته بجميع مخلوقاته واليمين في كلام العرب بمعنى الملك والقدرة كما قال تعالى
ﵟلأخذنا منه باليمينﵞ
أي بالقوة والقدرة وأشعار العرب في ذلك أكثر جدا من أن تذكر وأشهر من أن تنشد وتبرز وتظهر وفي الحديث الحجر الأسود يمين الله تعالى وقال تعالى
ﵟيد الله فوق أيديهمﵞ
وقال أبو الوفاء بن عقيل من أصحاب الإمام أحمد ما قدر الله حق قدره إذ جعلوا صفاته تتساعد وتتعاضد على حمل مخلوقاته وإنما ذكر الشرك في الآية ردا عليهم وفي معنى هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء وفي ذلك إشارة إلى أن القلوب مقهورة لمقلبها قال الخطابي واليهود مشبهة ونزول الآية دليل على إنكار الرسول عليهم ولهذا ضحك صلى الله عليه وسلم علي وجه الإنكار وليس معنى الأصابع معنى الجارحة لعدم ثبوته بل يطلق الإسم في ذلك على ما جاء به الكتاب من غير تكييف ولا تشبيه وقال غيره من حمل الأصابع على الجارحة فقد رد على الله سبحانه وتعالى في قوله سبحانه وأدخل نفسه في أهل الشرك لقوله تعالى
ﵟسبحانه وتعالى عما يشركونﵞ
وهو عزوجل يذكر في كتابه المبين التحرس عما لا يليق دفعا وردا لأعداءه كقوله تعالى
ﵟوقالوا اتخذ الله ولدا سبحانهﵞ
وقال تعالى
ﵟوخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانهﵞ
ونحو ذلك وأكد من ذلك قوله
ﵟوأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولداﵞ
قدم تنزيهه عزوجل أولا في هذه الآية والقرآن طافح بذلك ومنها ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش أن رحمتي غلبت غضبي وفي لفظ سبقت قال القاضي المشبه تلميذ إبن حامد ظاهر قوله عنده القرب من الذات وما قاله يستدعي القرب والمساحة وذلك من صفات الأجسام وقد عمى عن قوله تعالى
ﵟمسومة عند ربكﵞ
ومن المعلوم أنك تقول عندي فوق الغرفة كتاب كذا وهو في موضع شاسع نازل عن الغرفة بمسافة بعيدة ثم أن هذا القاضي روى عن الشعبي أنه قال أن الله قد ملأ العرش حتى أن له أطيطا كأطيط الرحل وهو كذب على الشعبي وقال بعضهم ثم إستوى على العرش قعد عليه وقال إبن الزاغوني خرج عن الإستواء بأربع أصابع ولهم ولأتباعهم مثل ذلك خبائث كلها صريحة في التشبيه والتجسيم لا سيما في مسألة الإستواء وهو سبحانه وتعالى متنزه عما لا يليق به من صفات الحدث ثم أن هؤلاء الجمادات وأعالي الجهلة يلزمهم أن يقولوا في الحديث الذي رواه مسلم وغيره مالم يمكن القول به من أجهل الناس ( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ) إلخ وبالضرورة لا يكون سبحانه جارحة لعبده ومع هذا يلزم التعدد بحسب المتقربين والتجزئة والتفرقة وغير ذلك مما لا يقوله حمار بل ولا جماد تعالى الله وتقدس عن ذلك قال إبن الجوزي وهؤلاء وأتباعهم جهلوا معرفة ما يجوز على الله وما يستحيل عليه ومن أعجب ما رأيت لهم ما ذكروا عن إبن أبي شيبة أنه قال في كتاب العرش أن الله قد أخبرنا أنه صار من الأرض إلى السماء ومن السماء إلى العرش فاستوى على العرش ثم قال ونبرأ من أقوام شأنوا مذهبنا فعابنا الناس بكلامهم ولو فهموا أن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بما يوصف به الخلق لما بنوا أمورهم وقواعدهم على المحسوسات التي بها المساواة بينه وبين خلقه وفي ذلك تكذيبه في تنزيهه وتقديسه نفسه عزوجل وقال أبو الوفاء بن عقيل تحسب الجهلة أن الكمال في نسبة النقائص إليه فيما نزه نفسه عنه عزوجل والذي أوقعهم في ذلك القياس المظنون وكيف يكون له حكم الدليل وقد قضى عليه دليل العقل بالرد قال أبو الفرج إبن الجوزي والناس في أخبار الصفات على الثلاث مراتب أحدها إمرارها على ما جاءت من غير تفسير ولا تأويل إلا أن تقع ضرورة كقوله تعالى
ﵟوجاء ربكﵞ
أي جاء أمره وهذا مذهب السلف المرتبة الثانية التأويل وهو مقام خطر
مخ ۱۶