دعوت ته فلسفې ته
دعوة للفلسفة: كتاب مفقود لأرسطو
ژانرونه
والتقارب بين هذا النص وبين عبارات الفقرات التي نحن بصددها أوضح من أن نشير إليه، صحيح أنه تقارب في الشكل أكثر منه في المضمون ولكنه ينطق في الحالين بأن الحياة العاطلة من التبصر والحكمة حياة باطلة لا تستحق أن تسمى حياة، وأن القيم التي يحتفل بها الناس لا تبدو لهم كذلك إلا بسبب ضعفهم الذي يزينها في أعينهم، مع أنها لا تعدو أن تكون ظلالا سخيفة وأشباحا عارية من كل حقيقة. غير أن التقارب الشكلي بين الفيلسوفين لا ينفي عن أرسطو أصالته، فليس ما يقوله مجرد محاكاة لأستاذه، وصوره ليست مجرد ظلال باهتة لذلك الأثر المشهور. ويتضح هذا بوجه خاص إذا تأملنا الاستنتاج الذي يخرج به أرسطو من كلامه المصبوغ بالقتامة؛ فهو في الحقيقة يبتعد عن كلام أفلاطون بقدر ما يقترب من «دفاع» سقراط. إنه ينكر إمكان التوصل إلى المعرفة الحقيقية في هذا العالم، ولا يرجح هذا الإمكان في عالم آخر بعد الموت، وإنما يؤكد أن الحياة بغير تفلسف لا تستحق أن تكون حياة. وإليك عبارات أفلاطون التي توضح الفارق الشديد بينه وبين تلميذه الناضج المستقل برأيه: «إذا كان من المستحيل إذن التوصل إلى المعرفة الحقيقية ما بقيت النفس مرتبطة بالجسد، فليس «أمام الإنسان» إلا أحد أمرين ممكنين؛ إما أن يكون اكتساب المعرفة الحقيقية مستحيلا على الإنسان، وإما أن يكون محتملا بعد الحياة الحاضرة» (فايدون، 66د). لا شك أن الفقرات الأخيرة توحي للوهلة الأولى بتشاؤم أرسطو، مما جعل «ييجر» (أرسطو، أسس تاريخ تطوره، برلين، 1923، 1955، ص100) يقول إنه كان في كتابيه (ويقصد بهما الأخلاق الأويديمية وهذا الكتاب) مفعم النفس بالتشاؤم من هذا العالم الأرضي ومن خيرات الدنيا، وتابعه في ذلك بعض الباحثين الإيطاليين (مثل باريجاتسي وبنيونه وتلاميذه) الذين أسرفوا في تأكيد تشاؤم أرسطو في شبابه ورجولته إلى حد القول بأنه دعا في كتابيه السابقين إلى ترك الأرض التي لا يتاح فيها للإنسان أن يحيا الحياة الحقة! والواقع أن هذا الزعم مبالغ فيه أو مغلوط من أساسه؛ فأرسطو لم يتخل أبدا عن نزعته العقلية المتفائلة، ولا تخلى أبدا عن واقعيته التي تنفذ ببصرها الحاد إلى كل مجالات الواقع في الطبيعة والعقل والحضارة. وإذا كان عقله الأرستقراطي يطل كالنسر من عليائه ويرصد جوانب الضعف والشقاء الإنساني، فما ذلك إلا لأن عين الفيلسوف تنظر إلى الواقع - كما يعبر اسبينوزا - ومن وجهة نظر أبدية أزلية فترى كل ما نتصوره خيرا مجرد مظهر خداع وشبح زائل، وتعرف أن القيم التي نهتم بها في حياتنا اليومية عديمة القيمة. وإذا كان الرجل العادي مثلنا يمر بهذه التجربة في بعض المواقف «الحدية» والأزمات الطارئة، فهل نستكثر على الفيلسوف أن تكون هذه هي تجربته الأصلية؟ وهل يمنع التعاطف مع الشقاء البشري من التفاؤل بقدرة العقل على الوصول إلى الحقيقة والإيمان بقدرة الإنسان على أن يحيا الحياة الجديرة به؟ لقد كان أرسطو في صميمه إنسانا واقعيا، وهذه الواقعية «اليونانية» هي التي جعلته يرصد ضعف الإنسان ويعرف أن شقاء البشر أمر واضح للعيان (السياسة 2-7، 1207 ب1). وقد كان ضعف الإنسان بالقياس إلى الآلهة موضوعا أثيرا طرقه مفكرو اليونان وكتابهم وشعراؤهم منذ هوميروس حتى عهده؛ ولهذا اقترن به كذلك موضوع آخر ظلوا يعبرون عنه منذ عهد الحكماء السبعة في القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، وهو ضرورة التزام الحد وتجنب الغطرسة والسعي إلى معرفة النفس، أي معرفة الإنسان بأنه حيوان عاقل فان.
أما أن العقل هو وحده الخالد وأنه هو وحده الإلهي من كل ما ينطوي عليه كياننا، فهي فكرة لم ترد عند أرسطو وحده، وإنما هي قديمة في الفكر اليوناني. نجدها في شذرات باقية من ديوجينيس الأبوللوني (من القرن الخامس قبل الميلاد) (64أ 19) وعند ثيوفراسط
22 (من حوالي 371-370 إلى 288-287ق.م) الذي يقول في كتابه عن الإحساس (42): إن العقل (نوس) هو جزء صغير من الله، كما قال بها أفلاطون في شيء من الحذر (في القوانين 875ج) ووردت عند أرسطو نفسه (في كتابه أجزاء الحيوان 4-10، 686أ 28-29) حيث يقول: إن العقل أو التبصر هو أكثر الأعمال حظا من الألوهية، ومن الطبيعي أن يستخلص أرسطو النتيجة المترتبة على هذا القول فيذهب في الفقرة قبل الأخيرة (109) إلى أن الإنسان يبدو بفضل العقل إلها بالقياس إلى سائر الكائنات الحية. وقد ردد شيشرون هذا القول الأخير كما رأينا من قبل (في رسالته عن الغايات 2، 13، 40) فوصف الإنسان بأنه أشبه بإله فان، وصاغه أبيقور (341-370ق.م) بصورة أخرى حين قال: إن الإله يحيا في الإنسان (وذلك في خطابه إلى مينوكيوس
Ep. ad Men
وهو في الأخلاق واللاهوت ويعارض في بعض أجزائه كتاب أرسطو هذا).
وفي النهاية ترتفع هذه النغمة الرائعة لتتوج اللحن الختامي في الفقرة الأخيرة، فنسمع أن حياة الإنسان الفانية تنطوي على جزء من الإله، وهو قول تتردد فيه عبارة اقتبسها أرسطو - كما اقتبسها غيره - من مسرحية «ميديا» للشاعر المسرحي يوريبيدز (ميديا، البيت رقم 770).
وتأتي العبارة الأخيرة في الكتاب لتعزز إيمان أرسطو بما قاله سقراط في خطبة الدفاع (38أ)، وتؤكد أنه (أي أرسطو) أقرب إلى هذا الحكيم - الذي جرؤ على السؤال
23 - من أفلاطون نفسه «إن الحياة الخالية من التأمل والنظر لحياة لا تليق بالإنسان .» وربما أمكننا أن نضيف: والحياة الخالية من الحرية لا تسمح بتأمل ولا نظر ولا عمل، بل ليست في الحقيقة حياة. (تم بحمد الله وتوفيقه.)
ناپیژندل شوی مخ