داعي السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
داعي السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
ژانرونه
ومضى العهد به على ذلك عصورا طوالا بعد عصور طوال إلى عصرنا هذا الذي نحن فيه، فقامت الثورات بعد الثورات باسم الإنسان وحقوقه، واشتعلت في الكرة الأرضية حربان عالميتان في النصف الأول من هذا القرن العشرين، ولا تزال الكلمة الباقية التي تقال لإنصافه وحماية حوذته أكبر وألزم من الكلمة التي قالتها الحضارة الحديثة إلى الآن.
ففي هذه السنة التي نحن فيها (1945) انعقد مؤتمر الجماعات التي تشتغل بالتبشير في الجزر البريطانية ووجه إلى العالم نداء شديدا أهاب فيه بأمم الحضارة إلى محو الفوارق القائمة بين البيض والسود في المستعمرات البريطانية، وأعلنت لجنة الكنائس البريطانية موافقتها على قرار المؤتمر وهي ترجو معه «أن تنجز الأمم المتحالفة وعودها المتكررة بالتسوية بين الألوان والعناصر في فرص التعليم والحياة».
ولا تزال الفوارق الجنسية قائمة في الولايات المتحدة على تعدد الدعوات فيها إلى المساواة والإعراض عن المزاعم العنصرية التي روجها خصوم الدولة الأمريكية في الحرب العالمية الحاضرة، ففي الولايات الجنوبية تقوم الفوارق بين البيض والسود بنصوص القوانين والأوامر الحكومية، ولا يباح للسود الجلوس مع البيض في المركبات العامة ولا النزول معهم في الحانات والفنادق، ولا تعليم أبنائهم في المدارس التي يتعلم فيها أبناء البيض، ولما صدر القانون الذي يخول الطفل الأسود حقا في التعليم كحق الطفل الأبيض مع انفصال المدارس والجامعات - تبين من التنفيذ أن المساواة صورة لا حقيقة، وأن التلميذ الأبيض يكلف الدولة في تسع ولايات من ولايات الجنوب نحو تسعة وخمسين ريالا في السنة ولا تزيد كلفة التلميذ الأسود فيها على تسعة عشر ريالا، على الرغم من نص القانون، وتبين أن الفارق في ولاية مسيسبي يتجاوز ذلك كثيرا؛ لأن الدولة تنفق على الطفل الأبيض ريالين وخمسين ريالا ولا تزيد نفقة الطفل الأسود على سبعة ريالات ونصف ريال.
وقد ألغي في ولايات الشمال معظم القوانين التي تنص على التفرقة بين البيض والسود، ولكن هذه التفرقة ما تزال قائمة بحكم العرف والعادة على نحو لا يقل في صرامته عن صرامة القانون، فلا يرى الأسود نازلا بفندق من الفنادق الكبيرة أو جالسا في مطعم من المطاعم الفاخرة، وإن كان من أصحاب الثراء. •••
وإبطاء الحضارة الغربية كل هذا الإبطاء في تقرير مبدأ الإنصاف - فضلا عن تنفيذه - هو المقياس الصادق لسبق الشريعة الإسلامية في هذا المضمار الإنساني المتوعر المهجور من قديم الدهور، فإنها خلصت إلى أدب الإنصاف والمساواة بين بني الإنسان منذ أربعة عشر قرنا بغير ما حافز من المصالح الاقتصادية أو من عادات العرف والأخلاق، بل خلصت إليه على كره من تلك المصالح وعلى رغم من تلك العادات. واجترأت على سلطان المادة الطاغية بسلطان الروح الرفيع، ولا يحسب الدين دينا ما لم يكن له سلطان روحي يغلبه على طغيان المصالح والشهوات. •••
وقد كان هذا السلطان الروحي هو السلطان الذي أذعن له السادة والعبيد عند ظهور الدعوة الإسلامية بين قبائل البادية العربية، واشتمل على بلال بن رباح صاحب هذه السيرة وهو مولى ضعيف غريب في أرض الحجاز، كما اشتمل على أبي بكر والفاروق وعثمان بن عفان وهم سادات مكة وأقطاب قريش.
والذي يعنينا في هذه المقدمة عن تاريخ الأجناس والجنس الأسود؛ خاصة أن نجمع الملتقي بينها وبين صاحب هذه السيرة بلال.
وليس الملتقى بينها بعسير.
فمن مجمل الصفات المتواترة التي وصف بها بلال يتراءى لنا أنه قريب الملتقى بخصائص الجنس الأسود التي أجملناها في هذه الصفحات.
ولا نحب أن نقول: إن الذي يتصف بتلك الصفات لن يكون حتما لزاما إلا من الجنس الأسود بخصائصه المعلومة، فلا يزال من الجائز جدا أن يكون بلال على تلك الصفة - فيما عدا اللون - ولا يكون من القبائل الأفريقية السوداء، ولكن الذي يقال ولا يتجاوز حد الصحة في المقال أنه لو لم يكن كذلك لكان هذا من غرائب المصادفات، ولا داعية عندنا الآن لتقدير تلك المصادفات.
ناپیژندل شوی مخ