إعلم أن العاقل لا يغتر بما يكتبه المتعجرف(2) الذي لم يتجاوز فكره عتبتي داره، ولم يعرف من مسالك الحياة ولوازمها - التي هي مزرعة الآخرة - إلا ما يعرفه الداجن (3)الذي يغدو إلى الكلأ(4)أويروح إلى مربضه(5)، ولقد ران على قلبه سوء كسبه، فكان عليه غشاوة وسجافا (6)؛ فنبا(7) عن أن يكون مهبط الحكمة وينبوع الهداية ومقر التوفيق ؛ لذلك طفق يهذي هذيان المحموم ويقبل ويدبر كالهائم المكلوم(8) . يصور من الخيال ما عن(9) له، ويفرض من اللوازم ما هو وفق أهوائه فيجعلها مناط (10)أحكامه شأن الذين زين لهم الشيطان أعمالهم ، فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون.
جهل القاعدة الكلية ( الحكم فرع التصور ) فحكم على الفنون الحيوية بالفساد ولم يتصور منها شيئا ولا عرف لها نتيجة .
وثب إلى حكم الترجيح اغترارا وجهلا بالمآل فانكب ذلك بأن طعن في العلوم الكونية التي ورد القرآن الحكيم بها والحث عليها، إذ هي من الوسائل العظيمة إلى تقوية اليقين برسوخ الإيمان والاهتداء إلى منافع خلقها الله لنا وجعلها آيات تدل على كمال قدرته الباهرة وحكمته العجيبة الزاهرة .
وإليك المسلك الذي توخاه الناهضون في تثقيف الشبيبة، (11) ونبذامن فوائد تلك العلوم الجليلة ،وبيان مرتبتها من بين العلوم حتى يتضح السبيل أمام السالك البصير .
(1)ومن الأدلة قوله تعالى:( ابتغوا من فضل الله - فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ) وقوله ع م ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لاخرتك كأنك تموت غدا وقوله ( تغدوا وتروح ) الحديث .
(2) العجرفة خرق في العمل وإقدام في هوج . (3) الحيوان الذي يألف البيوت . (4) المرعى (5) مأوى الغنم ، وران غلب .
مخ ۹