أولا _ القوة الناطقة وتسمى الملكية وهي القوة العاقلة ، وهي التي بها يكون الفكر والتمييز والنظر في حقائق الأمور ، فمتى كانت معتدلة وغير خارجة عن ذاتها وكان شوقها إلى المعارف الصحيحة ( لا المظنونة معارف وهي في الحقيقة جهالات ) حدثت عنها فضيلة العلم وتتبعها فضيلة الحكمة .
ثانيا _ القوة الشهوية وهي التي يعبر عنها بالبهيمية ، وهي القوة التي بها تكون الشهوة وطلب الغذاء والشوق إلى الملاذ التي في المأكل والمشارب والمناكح وضروب اللذات الحسية ، فمتى كانت معتدلة منقادة للنفس العاقلة غير مستعصية فيما تقسطه لها ولا منهمكة في اتباع هواها حدثت عنها فضيلة العفة وتتبعها فضيلة السخاء .
ثالثا _ القوة الغضبية وهي التي يعبر عنها بالسبعية ، وهي القوة التي بها يكون الغضب والنجاة والإقدام على الأهوال والشوق إلى التسلط والترفع وضروب الكرامات .
فمتى كانت معتدلة تطيع القوة العاقلة فيما تقسطه لها فلا تهيج في غير حينها ، ولا تحمي أكثر مما ينبغي لها حدثت منها فضيلة الحلم وتتبعها فضيلة الشجاعة ، وباعتدال هذه القوى الثلاث تحدث فضيلة هي كمالها وتمامها وهي فضيلة العدالة ، لهذا أجمع الحكماء على أن أجناس الفضائل أربعة : ( الحكمة ) و(العفة ) و ( الشجاعة ) و ( العدالة ) . ولهذه الفضائل أضداد أربعة أيضا هي : ( الجهل ) و ( الشره ) و ( الجبن ) و ( الجور ) .
فأنت ترى أن القوة العاقلة هي أشرفها وبها صار الإنسان إنسانا وشارك الملائكة وبأين البهائم ، وأدونها البهيمية ، وأوسطها السبعية .
فأشرف الناس من كان حظه من القوة العاقلة أكثر وانصرافهاليها أتم وأوفر ، لهذا وجب تغذية النفس بالعلم والتهذيب بالأخلاق الفاضلة والزيادة في المعقولات والارتياض بالصدق في الأراء وقبول الحق حيث كان ومع من كان والنفور من الكذب والباطل كيف كان؟ ومن أين جاء ؟
مخ ۵۸