اللغات الاجنبية من النقص الفادح أن تكون أمة تحت سلطة شعب أجنبي ولا تتعلم لغته وتطلع على أوضاعه ومزاياه،حتى تعرف كيف تتقي صولته وتقاوم تعسفه وتستفيد بخصائصه ، وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام ( من تعلم لغة قوم أمن مكرهم ) . على أن تعلم اللغات الأجنبية واجب بالنظر إلى نشر الدعوة الإسلامية بين أمم العالم وبث التعاليم الحنيفية في تلك الشعوب التي كثيرا ما تنعت الأمة الإسلامية بالأمة المتوحشة التي لا مدنية لها ولا أخلاق ، لما يوحيه إليهم شياطين الكنيسة وأنصار الاستعمار، أم ارتفع وجوب نشر الدعوة الاسلامية ؟ كلا إنها لواجبة على المسلمين في كل زمان ، كيف لا والقرآن ينطق بذلك { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } ( آل عمران / 64) { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } ( آل عمران / 104) { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين( فصلت / 33) وأمثالها من الآيات الآمرة بالدعوة إلى الله ولا يتأتى ذلك إلا بتعليم اللغات الأجنبية بها يقتدر العلم على التفاهم مع تلك الأمم وإيقافها على حقائق الدين الاسلامي ، ولا سيما وقد ارتبط التعامل بين الشعوب ، ولا يمكن لأحد الطرفين أن يشارك الآخر مشاركة حقيقية إلا إذا كان يحس بما يحس به ، ويدرك كل وجدان الآخر وآراءه وأفكاره وأمياله ، وكثيرا ما يقع سوء التفاهم وتعاند من غير أن يكون هناك موجب ذلك ، وإنا كثيرا ما نشاهد الإرهاق والاعتساف في جانب المسلم ، وما ذلك الإ لجهله اللغة الأجنبية يعرب بها عن حجته ويبين بها عما يختلج فؤاده .
يحرف دعاة المسيحية القرآن ويشوهون الآداب الإسلامية ويفترون على رسول الله ويصفونه بمالا يليق به ، كل ذلك لصرف القلوب عن اتباعه وإيغار الصدور على المسلمين ، وإفعامها بغضا وكراهة واحتقارا الإسلام والمسلمين ونحن في غمرة ساهون عن الواجب غافلون .
إنا نرى ونسمع ما يبذله القسس الأوروبيون في سبيل تعليم العربية وما يجازفون به من حياتهم وأموالهم في معارضة الإسلام وإفساد القلوب عنه وبث الدعوة المسيحية ، ولانعتبر بذلك ولا ينفخ فينا روح الغيرة على الإسلام ، فنقوم بنشر مباديه القويمة، بل كثيرا ما يقوم من الأجانب من يناضل عن الإسلام ويدفع تلك الأراجيف الباطلة ولا نشعر به ، ولوكان منا أفراد نابغون في اللغات الأجنبية لقاموا بهذا الواجب الديني العظيم ولجلبوا من الفوائد العظيمة التي لا تخطر بالبال .
أجل قام بهذا كثير من أفاضل السوريين والمصريين والأتراك ، وكتبوا أحسن كتابات في فنون متعددة ، وترجموا شيئا كثيرا مما ينفع ولكن غير كاف في بابه ولا ساد ذلك النقص العظيم الذي حل بالمسلمين .
وبالجملة لو انتقل الجامدون من مغاور الجمود ونشطوا من عقالهم لأدركوا سر ما ندعو إليه وأحسوا بما ينادي إليه الواجب وموقفهم الحالي .
مخ ۵۳