من الكمال الواجب أن يتعلم العلماء وطلاب العلم شيئا من الهندسة،بل شيئا من كل علم على قدر ما تسمح به الظروف،لا أقول إن الهندسة كالحساب ولا كالجغرافية ولا كالتاريخ،ولكن أقول إنها كمال وإن منها قدرا لازما(1) .ولنذكر لك ما ينثلج به صدرك،ويتنور به ذهنك من كلام الإمام وضياء الدين ممزوجا قالا: ( ورأس العلم أي كل علم البرهان المنطقي، وغيره من العلوم فروعه؛ لأنه آلة وخادم لجميعها، والبرهان من حيثما دار يتعلق بثلاثة علوم أولها العدد وثانيها (الهندسة) وثالثها المنطق )) (ضياء الدين) مرتبة المنطق أن يقرأ بعد تهذيب الأخلاق وتقويم الفكر ببعض العلوم الرياضية من الهندسة والحساب .( الإمام ) إعلم أن الهندسة من العلوم الضرورية ،كلما شهدت به فهو حق عند الله تعالى، واعلم أن العدد تكييف الأزمنة ،والهندسة تكييف الأمكنة والدنيا والأخرة هما الأزمنة والأمكنة،والهندسة هي معرفة المقادير والأبعاد والأنواع وخواص تلك الأنواع ، ومبدأ هذا العلم من النقطة التي هي رأس الخط ، والمقادير ثلاثة أنواع : هي الخطوط والسطوح والأجسام وهي الهندسة ، وتقدير كل صانع في أول ابتدائه في صناعته هو الهندسة - ولدفع ما عساه يورد قال : فالمتعلم لها إنما يتعلم تفصيل تلك القواعد المذكورة في جبلة عقله أي إجمالا ، واعلم أن العلوم العقلية الضرورية ثلاثة : المنطق و(الهندسة ) والعدد ، ثم قال إعلم أن الله تعالى خلق ظروف الزمان وظروف المكان، فلن يستقيم لخلق وجود إلا بهما وفيهما ، والحال التي تجري على أهل الصين والهند الخ ، هي الحال التي تجري علىأهل السماوات والعرش والكرسي والموجود الممكن ( دون الموجود الواجب الوجود ) سبحان مقدر الأمور وجعل الأمكنة بخلاف ذلك،فارتبط العدد بالأزمنة وارتبطت الهندسة بالأمكنة قال تعالى: { وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا } ( الإسراء / 12) فجعل الرب تعالى العدد حاكما على كل شيء منعقد وعلىتفاصيله، إلى أن قال وجعل الهندسة حاكمة على الأمكنة ومنها نقتبس علمها(2)اه . انظر الرسائل الثانية والسادسة من إخوان الصفا في الدليل والبرهان أيضا .
مخ ۴۰