نعم، إن دون ابتلاء الله خلع العادات، وتحمل الصعوبات، وبذل الأموال، وبيع الأرواح، كل خطر فهو تهلكة ينبغي البعد عنها إلا في الإيمان، فكل تهلكة فيه فهي نجاة، وكل موت في المحاماة عن الإيمان فهو بقاء أبدي، وكل شقاء في أداء حقوق الإيمان فهو سعادة سرمدية، المؤمن يبذل ماله فيما يقتضيه إيمانه ولا يخشى الفقر، وإن كان الشيطان يعده الفقر، ليس في النفقة لأداء حق الإيمان تبذير ولو أتت على كل ما في أيدي المؤمنين، إن للمؤمن حياة وراء هذه الحياة، وإن له لذة وراء لذاتها، وإن له سعادة غير ما يزينه الشيطان من سعادتها، هكذا يرى المؤمن إن كان الإيمان مس قلبه ولو لم يبلغ العناية من كماله.
إن الفرار من محنة الله في الإيمان مجلبة للخزي الأبدي، إن الفرار من صدمة جيش الضلال وإن بلغت أقصى ما يتصور موجب للشقاء السرمدي، لا سعادة إلا بالدين، ودون حفظ الدين تتطاير الأعناق، إن للإيمان تكاليف شاقة وفرائض صعبة الأداء إلا على الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، إن القيام بفرائض الإيمان محفوف بالمخاطر، مكتنف بالمكاره، كيف لا وأول ما يوجبه الإيمان خروج الإنسان عن نفسه وماله وشهواته ووضع جميع ذلك تحت أوامر ربه؟
لن يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون الله ورسوله أحب إليه من نفسه، أول إحساس يلم بنفس المؤمن أنه في هذه الدنيا عابر سبيل إلى دار أخرى خير من هذه الحياة وأبقى، وأول خطوة يخطوها المؤمن بذل روحه إذا دعاه داعي الإيمان، ولا داعي أرفع صوتا وأبين حجة من نداء الحق على لسان أنبيائه، لا يقبل الله في صيانة الإيمان عذرا ولا تعلة ما دامت الرجل تمشي والعين تنظر واليد تعمل، إن امتحان الله للمؤمنين سنة من سننه.
الفصل الثامن عشر
ومن يضلل الله فما له من هاد . (الرعد: 33)
يوجد بين بني البشر نفوس لم يرضها الإسلام، ولم تقنع بالكفر، تتلون تلون الحرباء، وتتشكل تشكل الأغوال، وتتقلب تقلب الدهر الخئون، لا ترضى بحال، ولا تنسج على منوال، يضحكون وقت البكاء، ويمرحون عند اشتداد اللأواء، ويبكون لأوقات المسرة، ويضجرون لسعة الرحمة، مثلهم كمثل الحسك المثلث الأضلع ، كله شوك حيثما قلبته، تراهم في النهار مسلمين متقلبين بين مذاهب الإسلام، يصبحون سنيين ويقيلون شيعيين ويقضون طرف اليوم وهابيين، فإذا جن الليل رأيتهم دهريين إباحيين! أولئك الذين غضب الله عليهم ويلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.
منهم أناس من أرباب الجرائد الساقطة في الهند، يريدون أن يتزلفوا للحكومة الهندية الإنجليزية بما فيه مضرة أوطانهم وأبناء الملة التي ولدا فيها؛ لينالوا من ظالميهم جائزة ما، أو ليكون لهم في دوائرهم اسم ما، فأخذوا يثولون بعض فصول العروة الوثقى ويحولونها عن وجهتها جهلا، أو عنادا ولوما، ويحرفون الكلم عن مواضعه على حسب أهوائهم الخسيسة، وطباعهم الخبيثة - قاتلهم الله أنى يؤفكون - أولئك قوم عرفناهم وليس لهم بين قومهم شأن يعرفون به فليس يهمنا أمرهم، وإنا نقدم الشكر للجرائد المهمة الهندية الناهجة في خدمة أوطانهم منهج الحق، السالكة جادة الاعتدال على ما تعنى به من ترجمة فصول العروة الوثقى إلى اللسان الهندي تعميما للفائدة في أبناء أوطانها، جزاها الله عن المسلمين خيرا.
الفصل التاسع عشر
أسباب حفظ الملك
أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور . (الحج: 46)
ناپیژندل شوی مخ