ألقى رينان محاضرته في الإسلام والعلم في مارس 1883، ونشرت عقب إلقائها في جريدة الديبا، فأرسل السيد جمال الدين إلى مدير هذه الجريدة ردا بالعربية ترجم إلى الفرنسة ونشر بعد بضعة أسابيع، وعقب عليه رينان برد مملوء باللطف والمجاملة.
أخذ السيد جمال الدين ينشر أفكاره السياسية محاربا تدخل بعض الدول الغربية في شئون الأمم الإسلامية، خصوصا الهند ومصر، في مقالات تداولتها الجرائد الكبرى، وامتدت إليها أعناق الدوائر السياسية المشتغلة بشئون الشرق.
على أن أكبر مظهر لنشاط جمال الدين السياسي والأدبي في باريس كان في إنشاء «العروة الوثقى»، وهي مجلة أسبوعية عربية، كان هو مدير سياستها والشيخ محمد عبده محررها، وكانت تتولى الإنفاق عليها جمعية اسمها «جمعية العروة الوثقى» ذات فروع في الهند ومصر وغيرهما من أقطار الشرق الإسلامي، تعمل على إنهاض الدول الإسلامية من ضعفها وتنبيهها للقيام على شئونها، ويدخل في هذا تنكيس دولة بريطانيا في الأقطار الشرقية، وتقليص ظلها عن رءوس الطوائف الإسلامية، وقد أخذت هذه الجريدة من قلوب الشرقيين - عموما - والمسلمين - خصوصا - ما لم يأخذه قبلها وعظ واعظ ولا تنبيه منبه، وهي ذات أثر في كل ما جد بعد من حركات الوطنية والحرية في بلاد الشرق.
وقد لقيت هذه الجريدة كل مصادرة في الهند ومصر، حتى كانت توضع في غلاف لتصل إلى من يراد إيصالها إليه، وحتى أعلن في الجريدة الرسمية المصرية أن كل من توجد عنده العروة الوثقى يغرم خمسة جنيهات مصرية إلى خمسة وعشرين جنيها! وقد نشر منها في ثمانية أشهر 18 عددا، صدر آخرها في ذي الحجة 1301.
خفت صوت العروة الوثقى بما أرصدته لها إنجلترا من عنت وإرهاق، وترك الشيخ محمد عبده باريس عائدا إلى سوريا.
أما السيد جمال الدين فبقي في أوروبا متنقلا بين لوندرا وباريس، يتصل بالعلماء والكتاب ورجالات السياسة، وينشر فصوله ومقالاته في الجرائد الكبرى.
وجمع المستر بلانت بينه وبين اللورد سالسبوري واللورد تشرشل للمفاوضة في أمر ثورة المهدي في السودان، وهي يومئذ شغل القوم الشاغل، لكن التوفيق بين وجهات نظر متناقضة لم يكن مستطاعا.
وفي جمادى الأولى 1303 سافر السيد إلى البلاد الإيرانية بدعوة من الشاه ناصر الدين، فنال مكانة سامية، وتزاحم حوله الأمراء والمجتهدون والكبراء، وتمكن من نظم كثير منهم في سلك الماسونية.
وكأنما غشيت الشاه من ذلك ريبة، وملأه الخوف من تعاظم السلطان الروحي لجمال الدين على شعب أصبح يحيطه بإجلاله ومحبته.
ولمح جمال الدين تنكر الشاه له، فغادر بلاد فارس إلى روسيا، فحل من الشعب الروسي محل الكرامة، وجعلت تتلقفه المجامع العالية، ونشر في الجرائد الروسية فصولا تردد في عالم السياسة صداها.
ناپیژندل شوی مخ