قطع من كتاب مجهول العنوان في لطيف الكلام (أحكام الجواهر والأعراض) من تأليف عبد الله بن سعيد اللباد
I
[... ... ... ... ... ...] بعض الأحوال [... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ...] كما تتحرك في [...] [... ... ...] للأرض لا لها وب[... ...] [... ... ...] ذكرناه أن أحدنا كان يجب أن يمتنع عليه التصرف، [كما] يقال أنه خلاف [... ... ...] وكيف يصح ذلك مع أن هذه الحركة [التي يجب] أن تكون أسرع الحركات؟ وأيضا كان [... ... ...]نا نشابه أن تسقط من خلف [... ... ...]ه كان يجب كونها أسرع من [...] النشابة. وأيضا لو كان الآخر على [ما] قالوه لولدهما فينا من الاعتماد وما في الأجسام التي في حكم المنفصلة من الأرض انفصال [من] الأرض والذهاب في الجو، فكان يجب [أن يكون حكمه حكم من صار] إلى أسافل الأرض [قد] ثبت أن الاعتماد إنما يولد لاختصاصه [... ...] فيجب أن [... ...] تلك الجهة متى [... ... ... ... ... ... ...] تختلف الحال في البقاع
الفصل
[... ... ...]
م[ا ... ... ... ...] بذلك [إن قيل: إنه] يقال أنه إنما لا [وجه] على [...] م[ع] هذه الأجسام في أجزاء وطلب ال[...] قد حصلت بحيث لا [يمكن] أن يقال: إنها ت[...] المركز وقيل: إنها لا تهوي لأن ذلك يتعذر من جميع الجهات على حد واحد وقيل [... ...] [تحمل] أيضا على قدار وكذلك [لأنها ...] الأجسام لا [... ...] لها [... ...] هؤلاء من قال: إنها لا تتحرك لأنه [... ...] تحتها في كل [... ...] لا يتحرك في حال [...] وجوز الشيخ أبو هاشم أن يكون أجزاء [...] تهوي لامتنع [وقوعها] حالا فحالا [... ...] علة ذلك تعادل لامتنع [... ... ...] وقد كنا أشرنا إلى [...] من الأحوال [...] بالأول [... ... ... ... ... ... ...] ال[أول ... ... ... ... ... ... ... ...]
II
[... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] أن يوجب للقديم تعالى، ولا يمكن أن يقال أن ذلك يجاور بعضا من أبعاضنا، فهو بأن يوجب الحكم لنا أولى لأنه كان يجب أن لا يمتنع فيها أن لا تجاور شيئا، وفي ذلك كونها غير موجبة للحكم لحي من الأحياء لما ذكرناه، مع أن هذه المعاني لو [كا]نت إنما توجب الأحكام بالمجاورة [لا] يمتنع أن يجاورها بعض زيد وبعض [عمرو] [...] بأن يكون [قادرا] وله قدرة وفي ذلك كونهما مريدين أو عالمين [لمعنى] واحد، وفيه كونهما قادرين على [مقد]ور واحد، وكل دليل مما ذكرناه في [...] هذه الأعراض يقتضي أن [يحيل] [...الأ]عراض الأخر التحيز لأن حالها أجمع
[... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] أن يدل الدليل على بعضها ودليل آخر على بعض آخر.
الفصل الثامن والعشرون في أن الأعراض يصح أن تحل الجواهر وأن الجواهر محتملة لها
لو كانت الأعراض لا يصح أن تحل [..] الجواهر لكانت الأعراض التي يستحي[ل أن] توجب الأحوال للقديم تعالى كالجهل وال[عجز] والنفور ترجع أحكامها إليه تعالى [...] بحيث تتعاقب عليه الإرادة وال[كراهة ..]
III
على هذا القول، إذكانت تكون موجودة لا في محل، وقد ثبت أن تعالى مريد [و]أنه مريد بإرادة وأن تلك الإرادة لا في محل. وعلى قول من قال بهذا المذ[هب] لا بد من ذلك أن يحل حلول الأعراض في الجواهر، فطريقتنا في ذلك معروفة. فإذا وجدت الشهوة والنفور والجهل على الحد الذي يوجد عليه هذان المعنيان فيجب رجوع أحكامها إليه تعالى كما يجب رجوع أحكام هذين المعنيين إليه، لأنه لا يصح أن يكون اختصاص أحد المعنيين اللذين يوجبان الحكم للجوهر كاختصاص الآخر، وأحدهما حكمه يرجع إليه والآخر حكمه يرجع إلى غيره. لذلك يمتنع أن يكون ما به يكره تعالى لا يوجب الحكم له تعالى بل يوجب ذلك لغيره. وإن كانت الإرادة
الموجودة على هذا الحد قد أوجبت الحكم له تعالى، والقول في الحياة والعلم والقدرة وأنه كان يجب رجوع أحكامها إليه تعالى كالقول فيما ذكرناه، وقد علمنا استحالة ذلك. وهذا يؤدي إلى كون المقدور الواحد مقدورا لقادرين لأنه لا بد من معنى به يقدر، وإن كان ذلك المعنى موجودا لا في محل وقد وجد على الحد الذي هو من حق ما يوجد على ذلك الوجه أن يرجع حكمه إليه تعالى، وفي ذلك كونه تعالى قادرا بها. ولم نقل أنه لا اختصاص لأحد المعنيين به ما ليس للآخر، فليس أحدهما بأن يوجب الحكم له تعالى أولى من الآخر، إذ لا اختصاص لها بنا ما ليس لها به تعالى فليست هي بأن توجب الصفات لنا أولى من أن توجبها
له تعالى فيقال: يكفي أن تستحيل الصفات الموجبة عنها عليه وتصح علينا ويجري مجرى ذلك الإرادة، فإن حالها مع الفناء كحالها مع القديم تعالى في الاختصاص ولم توجب له ما أوجبته له تعالى لما استحال حكمها فيه وصح فيه تعالى بل اعتمدنا على ما ذكرناه.
طريقة أخرى
الكون، لو لم يحل المحل، لم يكن بأن يوجب الصفة لجوهر أولى من أن يوجبه الآخر، وفي ذلك كون الجواهر كلها في جهة واحدة إذا حصل بعضها فيها. ولا يمكن أن يقال: إن بعض الجواهر يستحيل كونه في تلك الجهة ويصح كون غيره فيه، كما يقال في إرادةالقديم تعالى والفناء والإرادة الموجودة لا في محل
اختصت به تعالى لما حصل لها معه غاية الاختصاص الممكن دوننا. ولا يمكن أن يقول: إن الجواهر لا تحتمل الأعراض أن نقول: إن الكون يحصل له مع بعض الجواهر غاية الاختصاص الممكن ولا يحصل له ذلك مع البعض، والفناء وإن كان وجوده لا في محل، والقديم تعالى لا يصح كونه في محل، وكذلك الجواهر، فتنتفي الجواهر فقط لأنه في الجنس مضاد لها. وليس هذا حكمه مع القديم تعالى وذلك جار مجرى سواد وحموضة في محل إذا طرأ البياض أن وجود الكل وإن كان على حد واحد، فالبياض ينفي ما يضاده في الجنس دون ما لا يضاده، فينفي
السواد دون الحموضة.
طريق أخرى
لو لم تحل الأعراض في المحال لكان يكفي في منع البعض من البعض الوجود، لأنها كانت لا تتعلق بالمحال. وما يتعلق بالحي فليس يوجد على حد حتى يتعلق به، وإنما يحصل له الوجود فقط. وفي ذلك استحالة وجود ما نقول نحن أنه متضاد في الجنس في العالم. أيضا لو لم يحل الكون في الجوهر، لم نحتج في نقل الأجسام إلى أن نماسها أو نمس ما ماسها، لأنه لا وجه للحاجة إلى ذلك مع أنا لا نفعل فيه شيئا، فكيف يصح أن يكون الذي نوجده لا في محل ونحتاج إلى مماسة جوهر دون جوهر؟ وهلا استغنى عن ذلك في جوهر دون
كل الجواهر، أو إن كان لا بد منه في جوهر، فهلا وجب مثله في كل الجواهر مع أن الكل على سواء، فإنا لا نفعل فيها فعلا. أيضا السواد يدرك في جهة الأسود، وإلا لم نتبينه في ناحية دون ناحية. ومن أفكر تبين في ناحية صدره ما لا يجده في ناحية يده، فلا بد من وجود هذه المعاني في جهة دون جهة. وما يوجد لا في محل لا يصح أن يكون هذا حاله إلا أن يكون من قبيل ما لا تحله هذه المعاني التي تخصصه ببعض الجهات. والأعراض لا يصح أن تحلها الأعراض. أيضا الاعتماد يولد في جهة دون جهة، ولو كان موجودا لا في محل لم يكن له مع بعض الجهات ما ليس له مع غيره. ونحن نعلم أن الجوهر يتحرك في جهة دون جهة
ونتبين الصوت الذي هو بحسب شدة الاعتماد على طريقة واحدة في ناحية دون ناحية، وكيف يصح فيه أن لا يحل في المحل مع أن حاله تختلف بحسب اختلاف حال المحل في الصلابة والرخاوة.
الفصل التاسع والعشرون في أن جميع الأعراض يحتملها الجوهر لتحيزه
اعلم أنا لا نرجع بالاحتمال إلى صحة وجود العرض فيما نقول أنه محتمل له، فيقال: إن من الأعراض ما لا يصح فيه ما قلتم، وإنما نرجع فيه إلى كون الجوهر على الصفة التي لو وجد ذلك العرض فيه ما كان يصح وجوده فيه إلا لكونه على تلك الصفة. والذي يدل على ما قلناه أنه قد
ثبت أنه يحتمل الكون لتحيزه، لأنه لو لم يحصل إلا التحيز لاحتمله، لأن مع التحيز لا بد من كون الجوهر في جهة مع صحة كونه في غيرها بطريقة إثبات الكون حاصلة مع التحيز، فلا بد من وجود الكون مع ذلك. وإذا كان مع التحيز فلا بد من احتمال الجوهر للكون، وإن لم يحصل ما سواه فيجب تعلقه به، وحكم التحيز مع عرض ما حكمه مع غيره، فليس بأن يقتضي احتماله لبعض الأعراض أولى من أن يقتضي احتماله لغيره. والذي فيه شبهة ما يختص الجملة من الأعراض وما يوجد في المحلين، فيمكن أن يقال أنه يحتمل ذلك للتركيب والتجاور، ولا بد من أن يكون محتملا لذلك لتحيزه، لأن المحل الواحد يحتمله، والتركيب والمجاورة لا يرجعان
إليه، والتحيز هو الذي يرجع إليه. وإذا كان المحل هو المحتمل له فيجب أن يكون احتماله له لما يرجع إليه لصحة الفعل في أنه متعلق بحال القادر الذي يصح منه الفعل دون ما عداه. والقول في التأليف كالقول فيما ذكرناه وإن كان يحل المحلين، لأنه يحل المحل الواحد ويحل غيره أيضا. والحلول ليس هو متعلق بمحلين على ما نقول فيما يرجع إلى الجملة، لأنه لا حظ للآحاد فيه والتركيب والتجاور يتعلق بالمحلين، فيجب أن يكون الجوهر إنما يحتمله لما يرجع إليه. وليس لأحد أن يقول أنه لو احتمل ذلك للتحيز لصح أن يوجد فيه وإن لم يحصل التركيب، وذلك إنا قد بينا أنه ليس الغرض بالاحتمال صحة الوجود فيما نقول أنه محتمل له على ما ظنه هذا القائل. وهذه المعاني إنما لا يصح وجودها في الجزء المنفرد
لأمر يرجع إليها وهو حاجتها إلى غيرها أو ما يجري مجرى الغير لها وامتناع وجودها والحال ما ذكرناه إن أخل باحتمال الجوهر لها لم يكن الجوهر محتملا للحركة من فعل أحدنا، إذا كان بالبعد منه وإنما يصير محتملا له، إذا قرب منه وهذه حاله. أيضا الجواهر المعدومة لا تحتمل الأعراض وتحتملها الجواهر الموجودة، والفاصلة بينها التحيز والوجود وصفات المعاني. والوجود لا مدخل له في ذلك لأن الأعراض لا تحتمل الأعراض وإلا صح أن تحتمل النقلة وأن ينتقل الكون بأن يحله النقلة وإن لم يخلفه ضده في المحل. وفي ذلك خلو المحل من الأكوان، إذ القادر على الأكوان يصح أن يفعلها وأن لا يفعلها ولوجوه أخر قد ذكرناها في ذلك. وقد قيل أن
الوجود لو اقتضى في الجوهر أن يحتمل العرض، والعرض قد شارك الجوهر في الوجود، فليس وجود الجوهر بأن يقتضي احتماله للعرض أولى من وجود العرض أن يقتضي احتماله للجوهر. وأولى ما يقال في ذلك أنه كان يجب في العرضين الحالين في محل واحد أن يكون كل واحد محتملا للآخر وأن يكون حالا فيه مع أن الحال ما ذكرناه، لأن الوجود قد حصل وكل واحد يصح أن يحل، وفي ذلك حاجة كل واحد إلى الآخر، لأن الحال يحتاج إلى محله. وإنما قلنا أن هذا أولى لأنه يمكن أن يقال في الوجه الذي قدمنا ذكره أن الجوهر لتحيزه يستحيل أن يحل غيره، وكما يعتبر صفة المحل فيجب أن يعتبر صفة الحال. أيضا وأما صفات المعاني، فهي موقوفة على صحة وجود المعاني وعلى احتمال
المحل لها. فكيف يصح أن يكون احتمال الجواهر للمعاني موقوفا عليها؟ فبان أن ما له تحتمل الجواهر الأعراض هو التحيز، فقد بينا أن حكم التحيز مع عرض حكمه مع غيره. وقد بينا فيما يحتاج من الأعراض إلى غيره أنه [لا] يمكن أن يقال: فيها خلاف ما قلناه وكشفنا عن العرض بالاحتمال. واعلم أن الجوهر متى كان نفسه على الصفة التي ذكرناها ولهم [... و]جها معقولا يرجع إلى العرض يمنع من صحة وجوده في المحل، فيصح وجوده فيه، لأن المحل فيما يرجع إليه على الصفة التي لها يحتمل ذلك العرض وغيره والحال لا مانع فيه يعقل من وجوده في المحل. ولو لم يكف ذلك في صحة وجوده لم يكف شيء من الأمور في صحة وجوده، لأنه لا يحصل إذا
IV
[... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] قادرا على جميع الأجناس وذلك أن [كونه] حيا هو المصحح لكونه قادرا ولا اختصاص له مع كونه قادرا على جنس دون جنس، فإذا كان تعالى على الصفة التي تصحح كونه قادرا وتلك الصفة حكمها مع الأجناس على سواء ولم يكن في المقدور وجه يحيل كونه قادرا [عليه] صح كونه قادرا على الأجناس، وإذا [...] ذلك وكان كونه قادرا يرجع إلى الذات [...] ذلك مع صحته إذ لا مترقب مع [أن] يتوقف عليه ولو لم يصح ذلك مع أن [...]ا ذكرناه اعتبار المقدور فيما [...] إلى المقدور وفيما يرجع إلى القادر في [كونه قا]درا على الأجناس لم يصح أن يقدر له حالا معه يصح
[... ... ... ... ... ... ... ...]
[الفصل الثلاثون] [... ... ... ... ... ... ... ...] أعراض دون القديم تعالى ودون الأعراض
الجواهر المعدومة قد امتنع الحلول فيها لأنه لو صح ذلك لم يمتنع حلول التأليف في المعدوم والموجود ولأتلف المعدوم إلى الموجود لأن عدمهما إذا لم يمتنع من أن يأتلفا فعدم أحدهما بذلك أحق، فكان لا يمتنع أن نحاول مماسة جوهر من جهة فيتعذ[ر ...] لم يكن بجنسه شيء من الجواهر الموجودة ل[...] جوهرا معدوما قد ماسه والمعلوم [خلاف] ذلك، ولذلك لو كانت الأكوان تحل الجوا[هر] المعدومة لصح أن يجاور الجوهر المعد[وم] للجوهر الموجود، فكان يمنع ذلك مجا[ورة ...] جواهر أخر فلما بطل ذلك علم أن [...]
V
ويجب لو كان ملجأ أن لا يكون قدرا قد خلقه إلا وقد فعل ما زاد عليه، لأنه يجب للوجه الذي له كان يكون ملجأ أن يكون ملجأ إلى التزايد.
طريقة أخرى
لو كان متحيزا لما صح أن يفعل في جوف البيضة وما يجري مجراها ما قد فعل، لأنه كان يجب أن يفعل بآلة ولا آلة متصلة بجوف هذه الأجسام، فيمكن أن يقال أنه فعل بها والقادر بقدرة لا بد مما ذكرناه فيه، وإلا صح منا أن نمنع الضعيف الذي في الشدق بأن نخترع الفعل فيه اختراعا، وذلك أن اختلاف القدر لا يؤثر في
ذلك، فإن قدرنا مع اختلافها لا يصح الفعل بها في الغير إلا على هذا الحد. وقد تقصي الكلام في الطريق التي ذكرناها وفي غيرها من الطرق في الكتب. فأما الأعراض، فلو كانت متحيزة، لوجب فيما يشاركها في التحيز، وهو الجوهر، أن يستحق كلما يرجع إلى ذوات ما يشاركه في ذلك. وقد علمنا أن الجواهر لا توجب الأحوال، فكان يجب مشاركتها لما يوجب الأحوال له في إيجابه الأحوال، إن صح التحيز في بعض الأعراض، لأنه لا شيء يقتضي ذلك في البعض إلا وهو حاصل لغيره، فكان يجب كذلك في الجواهر أن تتعلق بغيرها، فكان يجب أن يدرك الجوهر
على ما يدرك عليه السواد وأن يكون سوادا، وفي ذلك كون البياض منافيا له، وذلك كله مما لا يصح. أيضا لو كان السواد متحيزا لكان إنما يجاور الجوهر وكذلك يجب أن يكون البياض. وفي ذلك كون الجوهر أسود أبيض لمجاورة سواد وبياض له. فلما امتنع ذلك فيه وجب أن يمتنع في سائر الأعراض التحيز، لأن حكم الكل على سواء. وما يقتضي في البعض هذا الحكم يقتضيه في البعض الآخر. أيضا لو كان العرض متحيزا لصح أن يتحرك وكان لا يجب أن يخلفه عرض آخر وكان يجب أن يمتنع أن لا يكون المحل كائنا في المحاذيات بأن يخرج الكون من أن يكون مجاورا له ولا يجاور غيره. وكان يجب أن لا يمتنع مثل ذلك في اللون أيضا بعد وجوده. والمعلوم
خلاف ذلك. أيضا لو كان اللون متحيزا لكان يدرك بمحل الحياة، لأن هذا حكم المتحيز وفي ذلك فصل الضرير بين السواد والبياض وأن يعلم ما يختصان به من الصفة، كما يعلم التحيز. أيضا لو كان الكون مجاورا لوجب كونه مجاورا بمجاورة، فكان يجب مثل ذلك في تلك المجاورة، وفي ذلك وجود ما لا نهاية له. ولا يمكن أن يقال أن الكون يجب كونه مجاورا، والوجوب يغني عن معنى، لأن المجاور لغيره كان لا يمتنع بدلا من المجاورة أن لا يجاور، لأن التحيز يصحح المجاورة والمفارقة. أيضا لو صح التحيز في بعض الأعراض لصح ذلك فيما يختص الجمل لما ذكرناه فيما تقدم، فكان يجب أن يكون العلم والجهل والشهوة والنفور والقدرة والعجز لو ثبت والحياة
VI
لا يحله العرض. ولا يمكن أن يقال أن الجوهر المعدوم غير متحيز، فلا يمنع من المداخلة وأن يماس الجوهر في الجهة التي ماسه، لأن امتناع المداخلة تابع للتحيز، وذلك أن التحيز وإن لم يكن حاصلا، فكان يجبأن يمتنع علينا ذلك، لأن الطريقة في امتناع المداخلة في الموجودين من الجواهر، فكانت تكون حاصلة، وهو أن يكون ما في أحدهما من الكون حالا في الآخر. وإذا صح أن الجوهر المعدوم لا يصح أن تحله الأعراض وكان كونه غير متحيز مانعا من ذلك، لأنه لا يصح أن يكون غير موجود مانعا من ذلك، لأنه لو دخل في الوجود ولم يكن متحيزا لم يحتمل العرض لما دللنا به على أن العرض لا يحتمل العرض، ومع التحيز لا بد من وجود الكون فيه محتملا له. فهذا
الحكم ليس يتغير بتغير الحال في الوجود، وإنما يتغير بتغير الحال في التحيز، فيجب كونه تابعا له ولا يجوز كونه تابعا للوجود، فلا يمكن أن يقال أنه إنما لم يحتمل، لأن صفات المعاني أو بعضها غير حاصلة، لأن هذا الحكم لو اعتبر بصفة المعنى أن يحصل أو صفة المعنى موقوفا عليه، لكان كل واحد متعلقا بالآخر. وإذا كانت الفاصلة بين الوجود والعدم هي التحيز وصفات المعاني والوجود، وعلم أنه لا مدخل في ذلك لخروج الذات من صفات المعاني، علم أنه إنما لا يحتمل الأعراض، لأنه ليس بمتحيز. وإذا ثبت أن الجوهر لتحيزه يحتمل الكون لما ذكرنا أنه مع التحيز يجب وجود الكون فيه، فإن قدر لكل أمر وكان حكم التحيز مع عرض حكمه مع عرض آخر، فيحتمل سائر الأعراض لذلك. فإن اعتبر
VII
في المحل الواحد وليس بعضه حالا في البعض، والمحل موجود بحيث العرض وليس هو حالا فيه. وليس المرجع إلى وجود الشيء بحيث [هو] غيره وتعلقه به حتى لو عدم لعدم، لأن الحياة لو عدمت لعدم العلم وهو موجود في محلها، وهو غير حال فيها، فالمرجع بذلك إلى ما ذكرناه. وإذا صح ذلك وكان كون الحال كأنه المنتقل بانتقال المحل إنما يتم بتحيز المحل الذي يصح [في]ه النقلة، علم أن الحلول لا يصح إلا في المتحيز. وإذا صح ذلك [يستحيل] ال[تحيز فيها] ليس بمتحيز، وكذلك الأعراض و[ما] لا يصح حلول الأعراض فيه وفيها. وقد قيل في ذلك: إن احتمال الأعراض بالحقيقة للتحيز، وهو الذي يبين به التحيز مما عداه [من] الصفات، وذلك
أن لا يحصل التحيز إلا له وهو جار مجرى صحة الفعل أنه لا يحصل إلا لحالة القادر. ويمكن أن يقال في ذلك: إن ما يجري مجرى الحقيقة للتحيز ويبين به من سائر الصفات امتناع المداخلة، لا احتمال الأعراض.
طريقة أخرى
لو احتمل تعالى الأعراض لكان يحتملها لصفة معقولة، والوجود قد بينا أنه لا يقتضي ذلك والصفات التي يستحقها أحدنا لو اقتضت احتماله الأعراض لاقتضت ذلك فينا، لأن الصفة يمتنع أن تقتضي حكما وصفة في موصوف دون موصوف. ولا يصح أن تكون هذه الصفات فينا مقتضية لذلك، لأن احتمال الأعراض لا يتعلق بالجملة، وهذه الصفات تتعلق
بالجملة، وهذا الحكم إنما يجب أن يكون المقتضى له صفة ولا يصح أن تكون لكيفية الصفات مدخل في ذلك، وهو جار مجرى صحة الفعل من القادر، فلا يمكن أن يقال أن وجوب كونه تعالى على هذه الصفات يقتضي ذلك والحكم الذي يقتضيه ما يرجع إلى الذات من الصفة يجب المشاركة فيه [كمشاركة] في الصفة الراجعة إلى الذات. وقد علمنا أن الجوهر يحتمل الأعراض واحتمال الأعراض فيه كاحتماله فيه تعالى لو كان تعالى محتملا للأعراض، فكان يجب أن تكون الجواهر قد شاركته تعالى في الصفة التي تقتضي ذلك، وفي ذلك وجوب مشاركتنا له في كونه عالما وقادرا وحيا، لو كانت هذه الصفات هي التي لها احتمل تعالى الأعراض. وبهذا الذي
ذكرناه أخيرا يعلم بطلان قول من يقول أنه تعالى يحتمل الأعراض لاختصاصه بالصفة التي يقول شيخنا أبو هاشم رحمه الله أنه يخالف بها، وذلك يؤدي إلى أن يكون الجوهر مثلا له تعالى. ويبطل ذلك من وجه آخر، وهو أن الأحكام الراجعة إلى الذات إنما ترجع إلى موجبات صفات الذات، لا إلى صفات الذات. لذلك لا ترجع صحة حلول الأعراض في الجوهر إلى كونه جوهرا وترجع إلى التحيز. ويمكنك [...] أن القديم تعالى لو احتمل الأعراض لكان قد شارك الجوهر فيما يرجع إلى ذاته لأن ذلك يرجع إلى التحيز الراجع إلى الذات، فكان يجب كون القديم تعالى مشاركا للجوهر في سائر ما [ير]جع إلى الذات وأن لا يخالفه، إذ قد بينا أن المختلفين لا يسد
أحدهما مسد الآخر فيما يرجع إلى ذاته سوى اقتضائه الذات بنفسه أو بواسطة، وكذلك القول في الأعراض.
طريقة أخرى في أن الأعراض لا تحتمل الأعراض
لو احتمل العرض العرض لوجب صحة خلو الجوهر من الأكوان، والأكوان بعد وجودها في الجوهر بأن تحلها النقلة التي توجب انتقالها ولا يجب أن يحلها ضد مع ذلك، لأن القادر على الضد يصح أن يفعل وأن لا يفعل. وقد بينا في أن العرض لا يحتمل العرض طرقا أخر غيرها فيما تقدم.
طريقة أخرى في أنه تعالى لا يحتمل الأعراض
قد بينا فيما تقدم أنه تعالى لو كان
متحيزا لكان في جهة دون جهة، فكان لا يصح أن يفعل في جوف البيضة وما يجرى مجراها ما قد فعل. ونبين أيضا أنه تعالى لا يصح كونه في جهة إذا ثبت أنه ليس بمتحيز،أنه كان يجب أن لا يمتنع وجود جوهر بحيث وجد، إذ لا مانع من ذلك من تضاد أو ما يجري مجراه، وفي ذلك كونه تعالى حالا في الجواهر، إذ كان ينفصل مع ذلك من سائر ما يوجد في ذلك المحل بوجه معقول حاصل في الحال والأعراض (؟) هو الأمر الحاصل في الحال، لا الأمور المتقدمة. وكيف يصح أن يعتبر في كون الشيء حالا في غير أحواله من قبل وقد ثبت استحالة الحلول في القديم تعالى؟ وإذا صح أنه تعالى لا يصح عليه الكون في جهة وأقل أحوال الحال أن يكون موجودا بحيث المحل بطل كون الأعراض حالة فيه تعالى. ولو كان مع أن
جهة الحال ليس هو جهة المحل قد حله لكانت الإرادة الموجودة لا في محل حالة في الجوهر ولو لم يوجد بحيث هو.
الفصل الواحد والثلاثون في أن الجواهر تدرك وأنها تدرك من طريقين
قد علمنا أنه لا بد من مدرك وإلا لم يكن الإدراك زائدا على العلم على ما قاله البغداديون وذلك لا يصح. فلو كان المدرك الأعراض دون الجواهر لكان العلم بها أجلى من العلم بالجواهر، لأن من حق الإدراك أن يقوي العلم. ولذلك يمتنع السهو مع الإدراك ولا يمتنع إذا تقضي الإدراك. وقد علمنا أن العلم بالأعراض ليس أجلى من العلم بالجواهر. أيضا
الطريق إلى كون الذات مدركة وجوب حصول العلم بها عند الإدراك واستمراره على طريقة واحدة على الصفة التي قلنا أنه يتناول الإدراك، وهو ما يرجع إلى الذات، كما أن الطريق الذي به يعلم كون القادر قادرا صحة الفعل. وقد علمنا أن هذا العلم في الجواهر كهو في كل ما يقال أنه مدرك، فما حصلت فيه هذه الطريقة وكان لا يعلم في شيء أنه مدرك، ويجري ذلك مجرى أن يصح الفعل ممن ليس بقادر في أنه كان يبطل الطريق إلى كون القادر قادرا، فكان لا يعلم في ذات أنه قادر. أيضا العلم الحاصل بالجوهر إما أن يكون حاصلا بالإدراك أو بالعادة أو على طريقة التبع للعلم بالمدرك أو استدلالا لأنه لم يمكن أن يقال أنه يحصل ابتداء في العقل، لأن ما هذا حاله لا يقف على إدراك ولا يتعلق بمعلوم مفصلا.
ولا يمكن أن يقال أنه يحصل استدلالا لأنه كان لا يمتنع أن يكون في العقلاء من لم يستدل ولم يعلم ذلك. والمعلوم وجوب حصول هذا العلم للعاقل عند الإدراك ويعلم بالوجوب والاستمرار على طريقة واحدة نفي كونه حاصلا بالعادة. ولا يصح كونه تابعا لأنه لا وجه لوجوب حصوله مع ذلك معقولا، فكونه تابعا للعلم بالمدرك ككون العلم بالقصد تابعا للعلم بالصوت، وقد يدرك الصوت ويعلم على ما يختص به مع أنه لا يعلم القصد. ويفارق ذلك العلم بالوجود الحاصل عند العلم بالتحيز على الوجوب، لأن ذلك إنما وجب لما كان العلم بالتحيز كالفرع
عليه. وليس العلم بالمحل كالأصل للعلم بالحال الذي يقال أن العلم به يحصل بالإدراك في علم الجوهر لذلك، لأنه قد يدرك الصوت ويعلم وإن لم يعلم محله. وإذا صح ما ذكرناه علم أن هذا العلم قد حصل بالإدراك، والذي به يعلم أن الجوهر يدرك بمحل الحياة الذي به يعلم أنه يدرك من طريق الرؤية، لأن الحال في وجوب الفصل بين الطريقين على سواء.
الفصل الثاني والثلاثون في أن الجوهر يدرك متحيزا وما يتصل بذلك
العلم الحاصل بكون الجوهر متحيزا، إذا لم يصح أن يكون حاصلا بالعادة أو استدلالا لوجوب حصوله عند الإدراك، ولا يصح كونه ابتداء في العقول كالعلم بقبح الظلم لما قدمناه في الفصل الأول، فإما أن يكون حاصلا بالإدراك أو على جهة التبعللعلم
بالمدرك. ولا يمكن أن يقال أن الإدراك تناول الوجود والعلم بالتحيز يتبعه لأن مع ذلك لا وجه للوجوب. ويمكن أن يقال أن العلم بالتحيز كالأصل للعلم [بالوجو]د أيضا لأن أكثر الموجودات ل[يست] متحيزة. ولا يمكن أن يقال أن ذلك تا[بع لل]علم بكون الجوهر في جهة، لأنه لا مزية لهذا العلم على العلم بالتحيز. فكيف يمكن أن يقال أن الإدراك إنما تناول ذلك وتبعه العلم بالتحيز. أيضا قد علمنا أن الإدراك لا بد من كونه متناولا لصفة أو لأمر من الأمور وإلا لم يكن الإدراك زائدا على العلم ولا مقتضي لتناول الإدراك لذلك إلا وهو حاصل في التحيز. وإذا ثبت بما ندل به من بعد على أن الإدراك لا يتناول ما عدا التحيز من صفات
الجواهر صح أن الإدراك يتناوله. وليس لأحد أن يقول: إن كان الإدراك أيضا يتعلق بتحيزه [أو يخالف] غيره بالتحيز لم يعلم ب[...] تماثل الجواهر، وذلك أن هذه الصف[ات ...] من التماثل عند الوجود ما[ثلت] الصفة الذاتية في العدم والوجود، وذلك كما نقول أن كونه تعالى قديما يقتضي من المفارقة والموافقة ما يقتضيهما هو عليه في ذاته. والغرض بما ذكرناه أن [هذه] الصفة تما[ثل] الصفة الذاتية [شار]كها تماثل الذات غيره. [ولي]س لأحد أن يقول: إنكم تقولون أن الذات لا تخالف ولا [تتما]ثل بصفة متجددة، وقد قلتم أن ا[لمشار]كة في التحيز تقتضي التماثل، لأن غرضنا ما ذكرناه، وهو أن المشاركة فيه تنبي عما به تتماثل
VIII
كون أحد الأمرين كالعلة الحاصلة في الآخر فيجب أن يجري ذلك مجرى العلة وإذا قيل مثله في العلم والقدرة والحياة وقد بينا أن ذلك ش[...] هو ما ذكرناه وذلك لا يتم في احر (؟) [... أعر]اض ويمكنك أن تقول أنه لما كان ع[...] حركة واحدة يمتنع احتمال الأعراض [...] من التحيز ولو كان متحيزا لاحتمله [...] من وجه معقول للزوم هذا الحكم ما ذكرناه، فلا وجه يعقل لذلك [...] بالعلة فيه ولا يمكن أن يقال [...]لة في العلم لأن الوجه الذي معه يخرج الواحد من [.....] واحدة مع فقد العلم من [...... خ]لق كونه عالما برده العلة [...] وذلك أن هذا يجب [...]
[في] التحيز احت[ما]ل الأعراض لأن الصفة إذا تعلق بها الحكم فلا يجب بزوالها زوال ذلك الحكم وإنما يزول الحكم عند زوالها إذا كان زوالها كالعلة. يبين ما قلناه أن ما له خاص (؟) الاعتقا[د ...] (؟) يفعله أحدنا متولدا عن النظر علما هو كونه ناظرا ويدوم كون الحكم الذي قد اقتضاه صفة وإن زالت الصفة وذلك لا يصح في الموجبات في العموم. ويبين أيضا أن احتمال الأعراض لا يصح حصوله إلا مع التحيز أن الحلول المرجع به إلى أن الحال بحيث إ<ن> قيل أنه [مثل ..] على حد لو انتقل [...] الحال كأنه [...] ا[...]نع به إلى وجود الشيء ب[حيث] [...] الحركة
الذاتان وكذلك المفارقة.
الفصل الثالث والثلاثون في أن الجوهر لا يدرك إلا متحيزا
قد بينا في أول الكتاب أن الإدراك لا يتناول ما يتعلق بالفاعل وهو الوجود وبينا أن ما يمكن أن يقال أن الإدراك يتناوله مما يرجع إلى علة كون الجوهر كائنا في المحاديات لا الذي فيه يقع ال[...] دون غيره وقد بينا أن ال[...]د فلا بد من أن يكون [...]ع إلى الذات وما يقتضي [... كو]نه جوهرا لا يصح ذلك [...]ل إلا ما يقتضي [...] ما قلنا [...] الإدراك
لأن العلم بذلك لا يحصل في حال الإدراك وإنما يعلم اختصاص الذات به بدلالة ولا يمكن أن يقال أن العلم به يحصل إلا أنه يلتبس بالتحيز والذي هي عليه لا يعلم مدركه كونها زائدة على التحيز جري ذلك مجرى [العلة ..] السواد وذلك أن المدرك لا يبين ام[..] وأيضا يمكن أن يقال أنه الصفة التي يختص [.........] والعلم والقول بذلك [...] إلى أن يجب [...] ما قد علم بأنه لا يعلم عند الإ[دراك] أن يكون الإدراك [......] وإنما [.........] [......] والأعراض .........] [......] وأيضا [.........] [........................] ذلك [...] غيره [.........] فيهم [..................]
IX
وكان إنما يدرك جوهرا على ما يقتضيه هذا المذهب لم يكن لوجوب حصول العلم بالوجود وجه. أيضا أقوى ما يعتمد عليه في أن العدم يمنع من الإدراك أنه قد ثبت أن الصوت على طريقة واحدة لا يدرك في حال عدمه. ولو كان موجودا لم يجب ذلك فيه، فجرى العدم فيه مجرى تعلق ما يتعلق بغيره في أن العدم يمنع منه، والطريقة فيهما على سواء. وقد بينا على أي وجه تعتمد هذه الطريقة في صحة العلل. ولا يمكن أن يقال أن الصوت في حال عدمه إنما يمتنع أن ندركه فقط، وذلك أنه لا وجه للتخصيص في ذلك. فالعدم يجب كونه مانعا من كونه مدركا في نفسه، ويجب في عدم كل مدرك أن يمنع من إدراك كل مدرك في
نفسه. ويمكن أن يعتمد في الرؤية على أن يقال أنه لما ثبت أن مع العدم يمتنع أن يرى على طريقة واحدة على الوجه الذي ذكرناه، فليس بأن يمنع ذلك من رؤية راء له أولى من أن يمنع من رؤية غيره له، لأنه لا مخصص. ولا يمكن أن يقال أن الشرط في الإدراك بالبصر قد امتنع فينا، وهو اتصال الشعاع، وذلك أن الشرط قد ثبت أنه لا يختلف في إدراكه من طريقة واحدة وهذا يختلف، فالشرط حصول المباعدة بحيث لا ساتر. ولا مكان يصلح أن يكون فيه ساتر. فلو صح إدراك المعدوم في نفسه لوجب أن يرى متى حصل الشعاع معه هذا الحكم. فإن قيل على الدليل الذي قلناه: إنه أقوى
الوجوه، أنا قد علمنا أن مع البعد يمتنع أن نسمع الصوت على طريقة واحدة. ولولا البعد لم يمتنع، فيجب أن يكون ذلك مانعا من أن يدرك. وإذا لم يكن للتخصيص وجه فيجب كونه مانعا من أن يدرك في نفسه. قيل له: الشيخ أبو عبد الله قال أن البعد يمنع لكنه لا يمتنع أن يقال أنه يمنع من إدراك القديم تعالى لأن البعد لا يصح فيه ويصح فينا، وعدم الصوت حاله معه كحاله معنا. فأما الشيخ أبو هاشم، فيقول: إنما لا يدرك الصوت إذا بعد، لأنه حصل حائلا والبعد يقارنه ما يمنع. وقد بينا الوجه الذي عليه نعتمد في أن العدم كالعلة في ذلك. وقد ذكرنا في غير موضع أنه لا يمكن أن يقال أنه حصل وجه آخر يقتضي أن يحصل أو تستمر الحال فيه على طريقة
واحدة. ولا يحصل لولاها إلا أن ذلك عند حصوله كالعلة.
الفصل الخامس والثلاثون في أن الإدراك هو طريق العلم بالجوهر
هذا العلم قد علمنا أنه يرجع إلى الإدراك، إذ لا يمكن أن يقال أنه يحصل استدلالا أو بالعادة أو تابعا للعلم بغيره أو ما يجري مجرى الغير أو أنه ابتداء في العقل لما تقدم. ولا يمكن أن يقال أن الإدراك يوجبه وأنه يجري مجرى العلة الموجبة له، لأن المدرك قد يدرك الشيء وإن لم يعلمه، وقلب الصبي والمجنون والبهيمة يحتمل العلم وقد يدركون ولا يعلمون، ولهذا يبطل القول بأن الإدراك يولد العلم مع أن الإدراك ليس بمعنى مع أنه لو كان معنى
لكان يحل العين، فكان لا يصح أن يولد العلم في القلب مع أنه ليس بينهما ما يمكن أن يقال أنه يجري مجرى الآلات التي تولد به فيما نأى عنا مع أنه إن ولد في غير محله فيجب أن يكون له جهة وأن يكون من جنس الاعتماد، والاعتماد لا يولد العلم. وأحدنا لو ولد الاعتماد على غيره على كل وجه لم يولد بذلك في قلبه العلم. وليس لأحد أن يقول أن الإدراك وإن فارق العلل من الوجه الذي ذكرتم، فإنه يؤثر كون الحي حيا وكونه مدركا ولا يدرك بأن لا يوجد المدرك . وهلا قلتم: إن الحي يحصل مدركا وإن لم يعلم، لأن كونه مدركا يقتضي ذلك بشرط، وهو كونه عالما بغيره من المدركات، والصبي والمجنون والبهيمة فلا تسكن نفوسهم إلى غير ذلك المدرك، وذلك أنه ليس بأن يحصل العلم بمدرك شرطا
في حصول العلم بمدرك آخر أولى من أن يجعل العلم بالمدرك الآخر شرطا في حصول العلم بهذا المدرك، وذلك لا يصح. ولا يمكن أن يقال: إن العلم بالمدرك يحصل على الحد الذي يحصل عندكم الدلالة أو على الحد الذي يحصل عند العلم بالشيء مفصلا، إذا تقدم العلم بأن من حق ما يختص بصفة أن يختص بصفة أخرى. وعلم أن بعض الذوات قد اختص بالصفة الأولى، وذلك أن ما ذكرناه دواعي، ويصح ألا نفعل العلم بذلك بأن ندخل على أنفسنا شبهة على بعض الوجوه، ولا يتم ذلك في العلم بالمدركات. وإذا صح ما ذكرناه وكان ما عدا ما ذكرناه من وجوه التعلق في العلوم قد ظهر أنه ليس بين الإدراك وبين هذا العلم مثل ذلك. وكان ما فيه ليس ما ذكرناه. وقد بينا أنه لا يصح القول بأن
ما ذكرناه هو التعلق بين الإدراك والعلم بالمدرك، صح أن ما بينهما من التعلق هو تعلق الطريق. ولما ذكرناه قلنا أنه لا يصح أن تتساوى حال المدركين ويدرك المدرك وتسكن نفسه إلى أحدهما دون الآخر وإن كان أحدهما إن لم يعلم، فقد خرج الإدراك من أن يكون طريقا إلى العلم بالآخر.
الفصل السادس والثلاثون في أنه لا بد من إثبات متحيز لا تصح فيه القسمة
يدل على ما قلناه أن القول بخلافه يؤدي إلى أن لا يصح أن نقطع جسما، بل إلى أن لا يصح أن يقطع كل قدر منه، وذلك أن ما نحاول قطعه، إذا كان ذا نصفين، ينبغي أن يقطع النصف الذي إلى جانب الآلة الذي بها يقطع، ثم النصف الذي كذلك. وكذلك القول في نصفه. وعلى
هذا وكذلك كان يجب في النملة التي تدب على سطح أن لا تقطعه، بل كان يجب أن لا تقطع كل قدر منه، لأنه إذا كان لا قدر يقال أنه يمر به إلا وله نصف. فأولا يجب أن تقطع النصف الذي إلى جانبه ثم النصف الثاني، وكذلك القول في نصفه. وعلى هذا والذي قاله أبو إسحاق النظام فيما ذكرناه أولا أن الآلة تقطع قدرا وتفلق قدرا كالحطب الذي يكسر. وقال فيما ذكرناه ثانيا أن النملة تطفر، وذلك لو سلم لم يؤثر فيما قلناه، وذلك أن الآلة إذا وجب أن تكون قد قطعت قدرا والنملة لا بد من أن تكون قد مرت بقدر من الجسم، فيجب في ذلك القدر التناهي. وعلى مذهب من يقول بخلاف ما قلناه لا قدر من الجسم متناهي مع أنا نبين بطلان قوله بالطفرة والآلة،
إذا قطعت بعض الحطب، فانفلق قدر منه، فإنما تقطع في ذلك السمت من الخشب الطويل، إذا مرت بما قد انفلق. إذا ثبت بطلان قوله بالطفر، ونحن نبين في فصل مفرد بطلان قوله في ذلك. وقد قال أيضا أن القاطع لا نهاية له، فلا يمتنع أن يحصل القطع في المقطوع وإن لم يكن المقطوع له نهاية. وما قاله لا يؤثر، فإن خشبة لو وضعت على خشبه ثم حاولنا القطع بها، فنقطع الذي إلى جانب الآلة أولا ثم نقطع الآخر، ولم يتم القطع إلا على هذا الحد. وكون القاطع لا نهاية له لا يقتضي جواز خلاف ما قلناه فيه على ما قاله أن النصفين من الخشب كالخشبتين اللتين ذكرناهما. وقد بينا سقوط ما قاله وأنه يطرق عليه إلزاما زائدا على ما ألزمناه، وذلك أنه إذا كان القاطع
لا نهاية له، فيجب أن لا يقصر القطع لأمر يرجع إلى المقطوع ما ذكرناه. وما يرجع إلى القاطع هو أنه أولا يجب أن يقطع النصف الأول ثم النصف الثاني. وعلى هذا ولا فرج للقوم فيما يقولون: إنا إنما نقول أن الجسم أبدا يتجزأ بالقوة على ما يهذون به، لا بد من أن يقولوا أن القسمة تصح أبدا، وفي ذلك ما قلناه. ومتى قالوا : ينتهي ذلك إلى حد لا يصح القسمة، فقد وافقوا وبطل قولهم أنه ينقسم بالقوة.
دليل آخر
قد ثبت أن القادر على المجاورة قادر على التفريق، والقادر على التأليف قادر على ما عمل التأليف، وثبت أن القادر لنفسه أحق من القادر بقدرة لهذه القضية. وقد ثبت أنه لا يصح أن يكون عن إيقاعه لما يقدر عليه من ذلك مانع أو ما يجري مجرى
المانع. وقد ثبت أن بطلان التأليف وخروج الأجزاء من أن تكون متجاورة لا يقتضي بطلان الجوهر. وقد ثبت أن القسمة لا تصح إلا في المتجاور ولا بد مع ذلك من صحة ما قلناه، لأنه تعالى إذا صح أنه كما جمع الجسم، فيصح أن يفرقه حتى لا يبقى شيء منه مجتمع وما بطل عنه الاجتماع لا يعدم. فلا بد من أن تكون أجزاء الاجتماع فيها وهي غير متجاورة. والقسمة إنما تصح في المجتمع المجاور، فإذا يجب أن لا تصح القسمة فيها. وإنما قلنا أن القادر على المجاورة يقدر على المفارقة، لأن المفارقة التي هي الكون في جهة أخرى غير جهة المجاورة ضد لتلك المجاورة. والقادر على الشيء يجب كونه قادرا على جنس ضده. والمفارقة التي هي الكون الذي قلنا أن القادر يقدر عليه، فإنه لا
مجاورة إلا كان يصح أن تقع مفارقة يجب أن يصح من القادر أن يفعلها ولا يؤثر في صحة وقوعها كون جوهرا بالقرب من محله أو بالبعد. وإنما قلنا أن القادر على التأليف قادر على ما به يبطل التأليف وهو المفارقة، لأن القادر على التأليف قادر على المجاورة التي يولدها. والقادر على المجاورة قادر على المفارقة. وقد ثبت أن حكم القادر لنفسه لا يصح أن يفارق حكم القادر بقدرة في الوجه الذي ذكرناه، لأنه إنما يفارقه في كونه قادرا لنفسه وأنه قادر لا بقدرة لأمر يرجع إلى القدرة، لأن القدرة إنما وجب تعلقها بالكون في الجهتين لما امتنع أن يقدر القادر على الكون في محاذاة دون غيرها وأن يحرك يده في جهة دون جهة، وجري ذلك في الامتناع مجرى انقلاب الأجناس وفي قبح ما له صفة الظلم. فذلك وجه له
في القدرة هذا الاختصاص وهو كانقلابها وما يجري مجرى انقلابها. ولمثل هذا امتنع وجود قدرة لا يصح الفعل بها وامتنع وجود قدرة لا في محل، فكيف يمكن أن يقال أن ذلك يمتنع في القادر لما امتنع في القدرة أن تتعلق بإحديهما دون الأخرى، إذا صح أن الفصل الذي بين القادر بقدرة والقادر لا بقدرة لا يرجع إلى ما ذكرناه ولم يؤثر ذلك، بطل الفصل بينهما في هذه القضية. وقد تقرر في العقول أن مع صحة تحريك القادر منا ليده يمنة يصح تحريكها يسرة مع حال الموانع المعقولة قبل أن تخطر أحوال ما له يقدر القادر بالبال وقبل خطور سائر ما يفترق فيه القادرين بالبال، فذلك كامتناع كون الحي عالما وجاهلا بشيء واحد من وجه واحد على طريقة واحدة في وقت واحد وكونه مريدا للشيء وكارها له على الحد الذي ذكرناه
في العقول قبل أن يعلم بأنه يعلم العالم أو يجهل أو يريد أو يكره وقبل أن يعلم بسائر ما يفترق فيه العالمين المريدين. وما هذا حاله من الأمور فلا يدخله القسمة، لأن القضية إذا كانت مطلقة في العقل، فلم يمكن حصول ذلك الحكم في واحد أولى من حصوله في الآخر ولا حصوله على وجه أولى من حصوله على وجه آخر. وأكثر من يخطئ من مخالفينا إنما يخطئ بأن يقسم ما هذا حاله من القضايا المطلقة. وإذا كان الأمر على ما ذكرناه، فلا فصل بين القادر بقدرة وبين القادر لنفسه في أن كل واحد يجب أن يصح منه تحريك الجسم في جهة، إذا صح منه تحريكه في أخرى. ولو لم يكن إلا ما دللنا به في غير موضع على أنه تعالى قادر على سائر أجناس المقدورات، لكان ذلك كافيا في صحة إيجاد الكون في جهة والكون في جهة أخرى من جهته. وإذا قدر القادر على إيجاد
الكون، فيصح أن يوجده، كان جوهرا بالقرب منه أو كان جوهرا بالبعد منه، ولا شبهة في ذلك. فإذا قدر على التأليف، والتأليف يصح وقوعه متولدا، بل لا يصح إلا كذلك، فيجب أن يصح أن يفعله متولدا، وفي ذلك كونه قادرا على الأكوان التي هي المجاورات. فكيف يقال أن القادر على التأليف لا يقدر على المفارقة التي بها يبطل التأليف؟ وإنما قلنا أنه لا وجه يقال لأحد: إن ما يقدر عليه القادر من ذلك يمتنع إيقاعه، لأن ما يمكن أن يقال أنه وجه في ذلك أن فيه إبطال ما لا نهاية له. وإنما قلنا: إن بطلان التأليف لا يقتضي بطلان الجوهر، لأن إبطال التأليف يصح منا ولا يصح أن تبطل الجواهر. وكيف يمكن أن يقال بذلك مع أن الجوهر لا يحتاج في وجوده إلى التأليف ولا هو مضمن بالتأليف؟ وإنما قلنا أنه لا يحتاج في وجوده إلى التأليف، لأن
التأليف يحتا[ج في] وجوده إليه وإنما قلنا أنه غير مضمن بالتأليف، لأنه لا صفة ولا حكم لا يصح وجود الجوهر إلا وهو حاصل يؤثر التأليف فيه لأن ما يعقل من الصفات والأحكام قد ثبت أنه يحصل لأمور معقولة. ولا يحصل التأليف إلا صعوبة التفكيك. ولا يمكن أن يقال: الجوهر لا يصح وجوده إلا مع صعوبة التفكيك والشيء لا [يحتاج] فيما زاد على وجوده إلى أمر في حكم لا يؤثر ذلك الأمر في ذلك الحكم أو تلك [الص]فة. لهذا يحتاج الجوهر في كونه في جهة تخصيصه إلى الأكوان التي بها يكون في تلك الأماكن دون غيرها من الأكوان. ولا يمكن أن يقال أن صحة القسمة تحتاج إلى التأليف، لأن التأليف الذي يحل المحلين، لو لم يكن وكانت الأجزاء متجاورة، لصح التفريق والقسمة. ومتى ذكر المجاورات في الدلالة ولم يذكر التأليف، فلا يحتاج إلى شيء مما ذكرناه، لأنه
X
امتنع أن يتحرك في جهة وبعضه في جهة [أخرى]، فيصح الدور فيه والانقلاب.
الفصل الرابع والأربعون في أن للجزء قسطا من المساحة
اعلم أن الخلاف بين الشيخين في أن لذلك قسطا من المساحة يؤول إلى العبارة، لأن شيخنا أبا علي لم ينف اختصاصه بما معه يكبر عند الضم. ومن خالف في المعنى فقوله يبطل بما دللنا به على أن التحيز يرجع إلى الآحاد من حيث كان راجعا إلى الذات وبأنه لو لم تكن الآحاد متحيزة لم يمتنع التداخل في الأجسام والمساحة ترجع إلى التحيز. وقد بين أيضا الشيخ أبو هاشم أن المساحة لا يتغير الحال فيها بالتأليف بأن قال: لو أن خشبة طولها ثلاث أذرع قطعت قطعة قطعة،
لكان التأليف قد تناقص والمساحة على حد واحد وأنها تمسح بما تمسح به وهي مجتمعة، فليس يمكن أن يقال أن الجزء لما لم يكن مؤلفا فلا مساحة له. ولا يمكن أن يقال أن لو كان له قدر من المساحة لصح فيه القسمة، لأنا قد بينا أن القسمة يتبع صحتها التجاور، ولا تأليف في الجزء متى قيل أنه لو كان له مساحة لوجب فيه التجاور والتأليف حتى كان تصح القسمة، فقد بينا بما تقدم حكايته عن الشيخ أبي هاشم رحمه الله أن فقد التأليف لا يؤثر في المساحة، فلا يمكن أن يقال أن التجاور والتأليف لما لم يصح لم يكن له مساحة.
الفصل الخامس والأربعون في أن الثقل لا يرجع إلى ذات الجوهر
اعلم أن ما يقوله الشيخ أبو علي أن الثقل يرجع
إلى ذات الجوهر يقتضي أن يزيد وزن الزق المنفوخ على وزنه وهو غير منفوخ لكثرة الأجزاء، والمعلوم خلاف ذلك. وقد علمنا أن الزق ينفخ على حد لا ينثني من تحت القدم، إذا وطئ وحاله في ذلك بخلاف حاله، لو جعل فيه اليسير من الزئبق. ولا يمكن أن يقال أن أجزاء الزئبق أكثر، لأن الهواء في الزق على حد لا ينثني من تحت القدم. ولو كان في الزق أماكن فارغة لصار الهواء إليها لو جاورته ولكان الزق ينثني من تحت القدم وحال ما فيه الماء والزئبق اليسير بخلاف ذلك. أيضا وقد دل شيخنا أبو هاشم على صحة قوله في ذلك بأن التأثير الذي يحصل إذا أرسل الحجر على إنسان كتأثير الاعتماد المجتلب في ذلك، [لأن] التأثير يرجع إلى ذات الاعتماد المجتلب، فلو كان التأثير الجاري مجراه في الحجر الذي ذكرناه يرجع إلى الجواهر، لكانت
الجواهر من جنس الاعتماد. أيضا لو رجع كون الثقيل ثقيلا إلى ذاته، لأدرك ذلك كما يدرك متحيزا من طريق الرؤية، وفي ذلك فصل بين من لم يماس الجسم بين الثقيل والخفيف، إذا رآهما وأن لا يحتاج إلى الاستناد في حصول هذا العلم. أيضا قد علمنا أن النار يجب صعودها مع السلامة كوجوب هوي الحجر مع السلامة، فلو كان الثقل يرجع إلى الأجزاء لكان مع كونه من جنس الحجر مخالفا له، إذ قد علمنا بوجوب تصاعده مع السلامة أنه غير معتمد سفلا كالحجر. ولو جاز أن يقال فيه مع ما ذكرناه أن فيه كالحجر، لجاز أن يقال في الحجر مع وجوب هويه مع السلامة أنه كالنار في كونها معتمدة علوا. أيضا قد علمنا أن الأكوان الواقعة في الحجر، إذا أرسل، متولدة لأن حالها كحال ما يتولد عن
الاعتماد المجتلب، فلو لم يكن اعتمادا لازما ولم يكن غير الجوهر على ما قاله أبو علي لكان الجوهر هو المولد للكون. أيضا لو رجع كونه ثقيلا إلى ذات الجوهر لكان من ماس الجوهر، وإن لم يعتمد عليه، يدركه ثقيلا، كما يدركه متحيزا. أيضا قد اعتمد فيه على أن كونه ثقيلا، لو رجع إلى ذاته كالتحيز لكان ما هو عليه في ذاته، قد اقتضى صفتين، ويمتنع في المحدث أن يكون على صفتين مختلفتين تقتضيهما صفة الذات. والشيخ أبو علي يعول في ذلك على أن الثقل، لو رجع إلى معنى، لم يمتنع أن يكثر في الجزء الواحد، فيكون بزنة الجبل. والشيخ أبو هاشم يجوز حصول ما يكثر من ذلك في الجزء الواحد. على هذا يتم ما روي من أمر أصحاب الفيل وأن الحجر كان ينفذ في الفارس وفرسه. فأما لزوم ذلك أجمع، فنقول أن لزومه يحتاج إلى رطوبات وتبلغ تلك
الرطوبة قدرا لا يؤثر زيادته في لزوم الاعتماد زائد، وإلا كان الجزء بزنة الجبل ويجري ذلك مجرى القدر أنها تحتاج إلى اكتناز وأن الاكتناز يبلغ حدا لا يؤثر زيادته في وجوب زيادة القدر، بل زيادته يمتنع معها وجود الحياة، لأنه لا بد من تخليل في الحي. وقد قيل في ذلك: إن الرطوبة، لو صادفت عند وجودها وجود القدر الذي لو بقي في الجزء، لكان الجزء كالجبل في الزنة، للزم الكل، وليس في ذلك إلا الاستبعاد الذي لا يؤثر. وما يمكن أن ينصر به ما قاله الشيخ أبو علي أن الثقل، لو رجع به إلى معان، لم يمتنع أن يكون الحجر وهو على ما هو عليه من الحجرية، لا توجد فيه تلك المعاني. ومتى قيل: إن الرطوبة تحتاج إلى الاعتماد، فلا بد من وجه احتاج الاعتماد إليها، فكل واحد يحتاج إلى الآخر. والجواب أن لما نضمنه بالاعتماد والرطوبة حكم، وهو وجوب كونه معتمدا في جهة يحصل بالاعتماد. ولا يكون المحل رطبا إلا وحاله ما ذكرناه،
والاعتماد يحتاج إلى الرطوبة في بقائه. وقد اختلف وجه الحاجة، والحال فيها كالحال في الجواهر والكون. وقد قيل: إن الرطوبة تحتاج إلى الاعتماد في وجودها، والاعتماد يحتاج إليها، لا في أن يوجد بل بقائه، فوجه الحاجة ليست واحدة. وهذا فيه أن ما يختص المحل قد احتاج في وجوده إلى أزيد من محله والذي قاله عباد: إن الثقل يرجع إلى الأجزاء، لأنا إذا جمعنا بين ما ليس بثقيل يكون أثقل. وذلك بعيد، فإن حال كل واحد من الجسمين لا يتغير في الثقل عند الضم مع أن الثقل لو رجع إلى معنى، لكان حال المعنيين عند الضم مع أن الثقل لو رجع إلى معنى لكان حال المعنيين عند الضم مفارقا لحالهما قبل الضم أن كل الحال يتغير عند الضم، فالتعلق بذلك بعيد. وكل ما هو من الباب الذي ذكرناه، فلا يتغير الحال عند الضم، فالتعلق بذلك بعيد. وكل ما هو من الباب الذي ذكرناه، فلا تتغير الحال عند الضم إلا الطول أو ما يجري مجراه مما ينبئ عن
التأليف. فإذا ضم أسود إلى أسود، لم يكن أشد سوادا أحدهما، إن أثر في الأجزاء، امتنع أن يجمع بين أسود وأبيض، لأنه كان يجب أن يكون بياض أحدهما يؤثر في الآخر وسواد الآخر يؤثر في بياض الأبيض. وكذلك كل ما حاله ما ذكرناه إلا ما قدمنا ذكره. فإن الطول ينبئ عن التأليف الحاصل على وجه. فإذا جمع بين طويل وطويل، فالتأليف قد تزايد وقد حصل على الحد الذي معه يكون طولا. فالجملة أطول مما كانت.
الفصل السادس والأربعون في أن الطول والعرض والعمق لا يصح في الجزء الواحد
قال شيوخنا: المرجع بذلك كله إلى التأليف الذي يصير المؤلف ذاهبا في جهة، لأن المرجع بذلك لو كان إلى غير ما ذكرناه، لم يجب على طريقة واحدة تناقص الحال في الطول عند تناقص التأليف الحاصل على الحد الذي ذكرناه. فإن تزايد
الحال في الطول عند تزايد التأليف الحاصل على ذلك الحد، لأنه لا وجه يقتضي مع ذلك إمكان القول بأنه التأليف الواقع على الوجه. وقد يؤدي إلى أن لا يؤمن أنيكون الالتصاق وليس التأليف، فإن أمكن فيه مثل ما ذكرناه. وكذلك القول في الحركة والكون والعلم والاعتقاد. ولا يمكن أن يقال: إن التأليف قد تزايد بين جزءين ولا يزداد حالهما في الطول. وكيف يصح ما قلتم، لأنا لم نقل أنه مجرد التأليف، بل قلنا أن التأليف الواقع على ما ذكرناه، والحال فيه كالحال في التأليف والصلابة وغير ذلك مما ذكرناه. والقول في العرض والعمق كالقول في الطول، والعرض والعمق على حد واحد وإنما تختلف الأسماء عليه بحسب تقدير المقدر. فإذا امتنع كون الجزء مؤلفا، فلا يصح ما ذكرنا عليه، وليس يمتنع أن يقال أن المرجع بالطول إلى التجاور يقتضي أن المرجع به إلى التأليف دون ما ذكرناه، وكذلك القول في العرض والعمق،
وذلك لو صح لم يصح في الجزء، لأنه تجاور مع كونه شيئا واحدا. ومما يبين ما قلناه أن الإنسان يطول الحديد وما يجري مجراه، وإنما فعل التأليف والمجاورة بالاعتماد، ولا حظ للاعتماد في ذلك ولا شبهة فيه. فإن كان الطول هو التأليف فقط، صح ما قلناه. وإن كان هو المجاورة، فكذلك أيضا. ولا يمكن أن يقال أن المرجع بذلك إلى الكون فقط ولا يعتبر مجاورة الغير لمحل الكون في ذلك، لأن من فعل جنس الكون في الحديد لم يطول. واعلم أنه ليس يمكن أن يقال أن الطول هو الأجزاء، والتأليف والمجاورة شرط، كما تقولون، تعلق به التأليف والمجاورة، لاأجزاء في جهة شرط، لأنا قد علمنا أن من طول شيء فالأجزاء لم تتعلق به، وإنما ما يحدثه فيها. ولو ثبت ذلك، لم يؤثر فيما قلناه من امتناع كون الجزء طويلا
إلا أنا قد بينا الصحيح.
الفصل السابع والأربعون في أن الجزء يصح أن يكون مكانا لغيره ويجوز أن يسكن على غيره وما يتصل بذلك
اعلم أن الذي نعنيه بقولنا في الشيء أنه مكان لغيره، أنه قد امتنع هوي ذلك الشيء الذي قد اعتمد عليه لأمر يرجع إليه، ونحن نبين القول في ذلك. فإذا لم يمتنع أن نضع على الجزء جزءا آخر وإن لم يمتنع هوي ذلك الجسم لأمر يرجع إليه بأن يسكن حالا فحالا، فلا يمتنع أن يكون مكانا لغيره. ولا يجب أن يكون المكان أعظم من المتمكن، فيقال: إن الجزء لا يصح كونه مكانا لغيره، لأنه ليس المعتبر في ذلك كثرة الأجزاء بل المعتبر في الأجزاء ما يمنع من الهوي. فإن الأجزاء لو كثرت ولم تختص بما ذكرناه لم يكن المكان مكانا لما اعتمد عليه. وإذا اختص بما ذكرناه، كان
مكانا له وامتنع من الهوي، وهذا هو الصحيح، وهو الذي قاله الشيخ أبو عبد الله والشيخ أبو إسحاق رحمهما الله. وقد قال الشيخ أبو هاشم في أول نقض الأبواب: إن المكان لا بد من أن يكون أعظم من المتمكن. وقد بينا أن الصحيح خلافه. ولا يمكن أن يقال أن الأجزاء، إذا قلت واعتمد الثقيل عليها وأن فيها الهوي ولم يجز كونهما مكانا له، لأن المعتبر في المنع من توليد الهوي ما يوجد في الأجزاء، لا الأجزاء. والأجزاء، وإن قلت، فلا يمتنع أن يكثر فيها ما يمنع من الهوي. ولا يمكن أن يقال أن الهواء لما لم يجز أن يكون مكانا للحجر الثقيل، بل يهوي إذا اعتمد عليه وجاز كونه مكانا للجبال والدخان يصح أن يكون المعتبر كثرة الأجزاء، لأن الهواء لم يمتنع ذلك لقلة الأجزاء، بل لفقد ما يمنع اعتماد الحجر من الهوي والهواء إذا اجتمع في الزق ولاقى الأرض ووضع حجر البزر على
الزق سكن حجر البزر وامتنع هويه، فبان أن الوجه في ذلك ما قلناه. ويبين ما قلناه أن الهواء وإن كثر ولم يمنع بالوجه الذي ذكرناه، لم يقف حجر البزر ولم يكن مكانا له إذا اختص [بما] ذكرناه. وإن لم تكن الأجزاء على الوجه الذي بينا امتنع هوي الحجر، فبان أن المعتبر ما قلناه. ولا يمكن الاعتماد في ذلك على أن يد أحدنا لا يصح أن يتمكن عليها حجر البزر بل تضطرب تحته، وذلك لتفكيك الأجزاء، لأن يده إنما تضطرب، لأن اعتمادات الحجر تولد التفريق فيه، فيؤثر ذلك في تمكنه من الفعل. واعلم أن المكان لا يمتنع أن يكون أعظم من المتمكن. والأطراف الفاصلة، إذا فعل فيها السكون حالا فحالا، فكان يمتنع هوي المتمكن لما يرجع إلى الجميع، فالجميع مكان له وإن لم يكن صلابة في الفاصل مع ما لاقاه المتمكن. وإن فعل السكون فيه، فلا حظ لذلك السكون من المنع من
الهوي، فلا يمكن أن يقال أن الجميع مكان له، بل المكان ما لاقاه. ومتى لم يكن كبر المكان على هذا الوجه وكان لذهاب الأجزاء علوا، فلا يمتنع في المكان أن يكون مكانا للكل ويكون فيه ما يمنع من توليد ما فيه من الاعتماد. واعلم أن الجزء كما يصح أن يكون مكانا لغيره، فيصح أن يتمكن على غيره، لأنه لا يمتنع أن يحصل فيه الاعتمادات المولدة للهوي إذا لم يكن منع. ويحصل في جزء آخر ما يمنع من هويه، فلا يجب أن يكون المتمكن أعظم من المكان، ولا شبهة في ذلك. فأما المكان، هل يكون مكانا لما هو أعظم منه وكانت أطرافه فاصلة؟ فالصحيح في ذلك أن المكان لا يكون مكانا للأطراف الفاصلة، وذلك أن الأطراف
إما أن لا يكون بينها وبين ما لاقى المكان صلابة في هوي، فكيف يكون المكان مكانا له؟ وإن كان فيه صلابة، فلم يمتنع هويها لأمر يرجع إلى المكان، بل إلى الصلابة ولما يرجع إلى المكان. ويجب أن يكون امتناع الهوي بما يرجع إلى المكان حتى يكون المتمكن متمكنا على المكان. واعلم أن الأطراف، متى لم تكن فاصلة وكان كبر المتمكن بذهاب الأجزاء في جهة العلو، فلا يمتنع مما قلنا أنه المكان، أن يكون مكانا للجميع، لأن امتناع هوي الجميع لا يمتنع أن يكون لما يرجع إليه. والذي ذكرناه في أول الفصل في حقيقة المكان هو الصحيح دون ما قيل في ذلك أن المكان ما حاط بالشيء، ودون ما قيل أنه الذي يتمكن عليه الشيء، ودون ما قيل أنه ما اعتمد عليه الشيء، فنفي سكونه
لأمر يرجع إليه، فإن المكان هو الذي يتمكن عليه المتمكن، والمتمكن لا يتمكن على ما هو فوقه وما عن يمينه ويساره وخلفه وقدامه، وإنما يتمكن على ما تحته. والسقف ليس مكان للقنديل المعلق، فكيف يكون مكانا له ولم يتمكن عليه؟ وما يمنع من ذهاب النار في جهة العلو ليس بمكان له وإن كان قد اعتمد عليه النار وبقي سكونه [له].
الفصل الثامن والأربعون في أن الجزء لا يحتاج إلى مكان
لو كان الجزء يحتاج إلى مكان لكان إما أن يحتاج إليه في وجوده أو في أمر زائد على الوجود. فلو احتاج إليه في وجوده لوجب مثله في المكان، وفي ذلك حاجة كل واحد في وجوده إلى الآخر. ولو احتاج إليه فيما زاد على الوجود فيجب أن يؤثر المكان في ذلك
XI
[.. الجزء] لو لقياه لوجب ذلك، وفي ذلك صحة القسمة فيه. ولما امتنعت القسمة لما حجمه كحجم ما تصح فيه القسمة، لم يمتنع صحة القسمة فيما قدره قدر ذراع، وامتناع ما قدره كقدره ول[يس] ذلك من وجه آخر، وهو أنه يجب أن لا يمتنع [أن] يصير بحيث الجزءين، وفي ذلك وجود مثل ما في كل واحد من الجزءين من الكون فيه والكونين اللذين في الجزءين ضدين في الجنس. وفي ذلك صحة اجتماع الضدين فيه. والجزآن إذا صح أن يلقياه من جهتين، فلا يصح أن يصير بحيث هما في حالة واحدة حتى يكون قد اجتمع فيه مثل ما كان فيهما من الكونين.
الفصل الخمسون في أن الجزء لا يصح أن يوضع على موضع الاتصال من الجزءين
قد حكينا عن الشيخ أبي هاشم أنه أجاز ذلك [و]الصحيح خلافه، لأن ما فيه من الكون، وهو موضوع
على موضع الاتصال يجب أن يكون ضدا لما كان يكون فيه، وهو موضوع على أحد الجزءين لاستحالة اجتماع هذين الكونين لا لوجه إلا للتضاد. ويجب أن لا يكون له ضد، لأنه ليس هو كونا في جهة أخرى سوى جهة ذلك الكون، بل يجب أن يكون مثله للوجه الذي ذكرناه. وفي ذلك مع وجوب كون هذين الكونين ضدين وأن لا يكونا ضدين كون الضدين مثلين. ولو وضع جزءين على جزءين، فلو كان الجزء موضوعا على جهة الاتصال لكان ما فيه، إذا لم يكن كونا في المحاذيات الأخر سوى الجزءين، فيجب أن يكون ما فيه من الكون إما أن يكون بصفة ما في أحدهما أو بصفة ما في الآخر أو بصفة ما فيهما. فإن كان بصفة ما في أحدهما فليس كونه كذلك بأولى من أن يكون بصفة ما في الآخر مع أن الحال ما ذكرناه
XII
[..] هذا حاله يجب ذكر دليله دون [... ...] على ذكر المذهب. وليس لأحد أن [يقول: إن] [ال]ظلم أيضا لا يعلم ظلما ضرورة، [كما] دخلت الشبهة على الخوارج في قتلهم [بعض] الناس واعتقدوه حسنا لما اعتقدوا أنه ليس بظلم وأنه مستحق. ومع ذلك قد تقرر في العقول أن مع كون الظلم ظلما يقبح الفعل وإن لم يحصل ما عداه، وذلك أن الذي ادعيناه مباين لذلك. ولم يجب بذلك أن الذات قد حصل حيا، وإنما قلنا أن حالة الحي لا تعلم ضرورة، ليس أنها قد حصلت في موضع ولم تحصل، وليس كذلك الظلم، لأن صفة الظلم معلومة ضرورة. وإنما تدخل الشبهة في أنها هل تحصل في فعل أو لا؟ ومع
[...] وبصفته ضرورة لا يمتنع أن [...] العلم بأن من حق ما يختص بتلك [الصفة] أن يختص بحكم. وليس كذلك ما [ذ]كرناه من كون الحي حيا. وهذا الجواب لمن قال أن الحي يعلم أنه مع كونه حيا يصح كونه مشتهيا ونافرا وإن لم يحصل غيره من الأمور. ويعلم بذلك أن كونه على الصفتين لا يتعلق إلا بكونه حيا، والذي أجيب به في كون الحي حيا وصحة كونه مشتهيا ونافرا أن ذلك يتعلق بالشرط الذي يمتنع فيه تعالى وهو كونه حيا بحياة، فربما قيل: إن الشرط في صحة كون الحي جاهلا كونه عالما بعلم. وفي صحة كونه مشتهيا ونافرا صحة الزيادة والنقصان. وربما
XIII
[إن] وضعه على وجه الاتصال، فإن كان بصفتيهما فكون الشيء الواحد بصفة الضدين لا شبهة في استحالته. أيضا هذا الجزء لا يمكن أن يقال أنه لقي جزءا واحدا، لأن حكمه مباين لحكمه إذا ماس جزءا، لا لأنه لقي جزءين لأن حكمه مفارق لما يلقى الجزءين وهما جزآن، فلا شبهة في استحالة كونه ملاقيا لعدد أزيد من ذلك، فيجب كونه ملاقيا لغيره، وذلك الغير ليس هو واحد ولا اثنين ولا ثلاثة ولا شيء من الأعداد. وهذا لا شبهة في امتناعه ولا فصل بين من قال ذلك فيه وبين من قال مثله في كل حكم يحصل للجزء مع غيره. أيضا ما لقي الجزء الواحد إذا وضع على موضع الاتصال، فإما أن يصح فيه القسمة أو لا تصح. فإن صحت القسمة فيه فيجب أن تصح فيما لقيه من جهة واحدة، وهو الجزء الواحد. ولو
جاز خلاف ذلك لم يمتنع صحة القسمة في ج[زء]. وإن امتنع فيما يلقياه من جهة واحدة ويكون قدره كقدره. وإن كانت القسمة لا تصح فيه فيجب كونه جوهرا واحدا ما زاد حاله على ما ذكرناه. فإن قيل: قد قلتم في الدليل الذي ذكرتم من قبل هذا أنه يجب فيما لقيه أن لا يكون واحدا ولا أزيد منه. وقد قلتم: إنه كان يجب أن يكون ما لقيه إما شيئا واحدا أو يجب صحة القسمة في الجزء. قيل له: إنا نقول أن القول بصحة وضع الجزء على موضع الاتصال يؤدي إلى أن يكون ما لقيه ليس بشيء واحد ولا أكثر من ذلك. ويؤدي إلى أن يكون الجزء يصح فيه القسمة أو يكون الملاقي له شيئا واحدا. ولو قلنا له: يجب لو كان الأمر على ما قاله بعض المخالفين في الجزء أن يكون شيئا واحدا ولم يكن أكثر منه،
فيجب أن يفسد فإن هذا مما لا يمتنع، فكيف يمتنع ما قلناه؟ وقد قيل في ذلك: إن هذا القول يؤدي إلى التجزؤ لأن ما لقي منه أحد الجزءين يجب أن يكون منه الجزء الآخر. وقد قيل: إن ذلك لا يجب، كما لا يجب أن يكون ما لقي ما عن يمينه غير ما لقي ما عن يساره، وكما لا يصح أن يقال أن هذه الجهة غير تلك الجهة. والذي ينصر به ما قاله الشيخ أبو هاشم ما ذكرناه من شبه المخالفين في الجزء، وهو أن الجزءين إذا كان كل واحد موضوعا على طرف خط مركب من ثلاثة أجزاء، ودفعه قادران متكافئا القدر، فيجب تحركهما، لأنه لا منع معقول ولا وجه يعقل لامتناع وقوع مقدورهما. وفي ذلك تحرك الجزءين حتى يكون كل واحد موضوعا على موضع الاتصال. وقد بينا الجواب عن ذلك فيما تقدم وبينا الوجه الذي يحيل ذلك.
الفصل الواحد والخمسون في بيان الصفات التي يستحقها الجزء والتي تمتنع عليه
اعلم أن الذي يستحقه الجوهر التحيز وكونه جوهرا ووجوده وكونه كائنا في محاذاة، والعلم بكونه متحيزا وموجودا وكائنا في محاذاة يحصل عند الإدراك، والعلم بكونه جوهرا يحصل استدلالا. وقد دللنا على ذلك فيما تقدم. والجزء لا كلام في إثباته، والصحيح أنه يصح أن ندركه وإن انفرد، فنعلم ما ذكرناه عند الإدراك والعلم بالتحيز قد علمنا أنه يحصل بالإدراك. والعلم بالوجود تابع للعلم بالتحيز. وقد بينا الوجه في وجوب حصوله والعلم بكونه كائنا في جهة والفصل الحاصل عند الإدراك يبين كونه في جهة وكونه في جهة أخرى. ونحن نبين وجهه من بعد إن شاء الله. والطريق إلى العلم بكون الذات
[على] كل واحد من ذلك يعلم بحال الجوهر أصلا لا يصح صرفه إلى ما عداه. فإنه ليس يعلم بمجرد الذات ولا بخروج الذات من كونها على حال أو دوام حال أو كيفية حال أو حكم من الأحكام أو معنى من المعاني. ونحن نبين ذلك من بعد، إن شاء الله. وهذه الصفات التي ذكرناها هي التي لا يصح أن يكون الجزء عليها مع خروجه من كونه موصوفه مقدورا وإن كان فيها ما ليس بمتجدد إلا أنها مشاركة لما عداها في وجوب حصولها في كل حال حصلت فيه. ولا حال للجوهر سواء ما ذكرناه، لأنه لا حال له بالمدركات لأنه لا طريق إلى ذلك والعلم في ذلك يتعلق بالمعنى المدرك، فيفارق ذلك العلم بكونه كائنا في جهة. وكذلك القول في العلم بكون الجوهر معتمدا ورطبا ويابسا. ولا يمكن أن يقال أن لا يصح صرفه إلا إلى العلم باختصاصه بحال وكونه متحركا وساكنا ينبئ عما له من الحال بكونه موجودا وإن كان يشرط بذلك فائدة
واحدة، وهو تقدم العدم وكونه معادا يرجع إلى أنه وجد بعد ما وجد ثم عدم، وكونه باقيا يفيد استمرار وجوده. يبين ما ذكرناه أن المرجع بذلك لو كان إلى أمر زائد على ما ذكرناه لم يمتنع انفصال ذلك الأمر مما ذكرناه على الوجوه، لئلا يلتبس ما المرجع به إلى أمرين بما المرجع به إلى واحد. وقد علمنا امتناع ذلك فيها ولا حال له بكونه معدوما على ما قاله الشيخ أبو عبد الله، لأنه لا طريق إلى ذلك ولا يمكن ادعاء العلم الضروري باختصاصه بحال، وكيف يصح القول بأن الذات على حال حصولها وأن لا يحصل على سواء في كل حكم. والأحكام التي تستحيل في المعدوم، لو خرجت الذات عن الوجود لاستحالت. فلو قلنا أن المعدوم له بكونه معدوما حال لكان الأمر يحصل به لأن كل ما يقال أنه يحصل به له وجه قد يعلم تعلقه به، واجب حصوله
مع حصول هذه الحالة. وذلك يقتضي أن حصول هذه الحالة وأن لا يحصل على سواء في كل حكم. وليس كذلك انتفاء البياض بكل واحد من السوادين لأن كل واحد من السوادين يصح أن ينفرد عن الآخر، فينتفي به، وإن لم يحصل الآخر فله تأثير. ونحن نستقصي الكلام في ذلك فيما بعد إن شاء الله. فأما أن [الجو]هر يصح أن يوجد فيه الأعراض، فلا حال بذلك لأن المرجع به إلى أن العرض يصح وجوده بحيث وجد على ما بيناه من قبل [فا]لوصف لا يفيد حالا له. وإذا لم ينبئ وجود العرض في الجوهر على حال للجوهر فصحة وجوده بذلك أحق. وأما كونه مدركا فإنما ينبئ عن كون مدركا أدركه. ولذلك يصح كون الذات مدركة لزيد غير مدركة لعمرو، ولهذا قلنا أن من اعتقد فيما لا يدرك أنه مدرك فلم يجهل حاله له ولذلك نقول: إن من اعتقد أنه تعالى يرى فقد جهله، وإذا لم ينبئ كونه
مدركا عن حال فصحة كونه بذلك أحق. وأما الصفات التي تستحيل على الجزء فكل صفة تتعلق بالبنية أو ما يجري مجرى ما يتعلق به. ونحن نتبع القول في ذلك من بعد، إن شاء الله.
الفصل الثاني والخمسون في إدراك الجزء
القديم تعالى يدرك الجزء المنفرد، ولا شبهة في أن انفراده لا يؤثر في إدراكه تعالى له، وأحدنا يدركه مع غيره [لأنه إذا] أدرك صفيحة الجسم فإدراكه يتعلق بآحاده. وإنما الكلام في أنه لو وجد منفردا، هل ندركه أم لا؟ وحكي عن الشيخ أبي هاشم: إنا إنما لا ندركه للطافته لأنه يصير كالشعاع الذي لا ندركه . وإنما يدرك به هذه (؟) الطريقة. لو صحت لوجب أن لا تدرك الأجزاء اليسيرة، وإنما يدرك ما يكبر، فلا يختص بالجزء. والصحيح أنا ندركه لأن أحدنا على الصفة التي يدركها لكونه عليها يدركه، وهو على الصفة التي لكونه
عليها يدرك، فإنه يدرك مع غيره ولا مانع. ولا يمكن أن يقال أن لطافته تمنع من ذلك لأن ذلك إن منع فيجب أن لا يمتنع مع حصولها أن يتغير الحال على أحدنا فيدركه. وكل ما يمنع من الإدراك فهذا حاله. ولا وجه يعقل للاستمرار فيه على طريقة واحدة إلا اشتراكها في أن حظها حظ المانع من كون المدرك مدركا وليس ما له لا يرى الشعاع شعاعا للطافة، بل الوجه فيه أن بعض الشعاع لا ينفصل من بعض فيما يختص به من كونه مضيئا وما يجري مجراه، والجزء قد ينفصل من الشعاع. وقد بينا أن هذه الطريقة تقتضي ما لا يقول به رحمه الله [نحو] إدراكنا الأجزاء إذا كثرت.
الفصل الثالث والخمسون في أن الجوهر لا يصح أن يحل غيره لتحيزه
لو حل غيره لكان جهتهما واحدة، وقد بينا أن التحيز يمنع من ذلك، ولا يمكن أن يقال أنه إذا حله لم يكن متحيزا لأن التحيز يرجع إلى الذات، ولا أن يقال أن الجوهر المعدوم يحل غيره ولا تحيز له لأن المعدوم يمتنع كونه حالا. ولولا ذلك لامتنع حصول السواد والبياض في العدم، كما يمتنع وجودهما لأن الحلول مع العدم كهو مع الوجود. ولا يمكن أن يقال: لا يجب الحلول في كل حال هو فيه م[عدوم] كما يجب ذلك في كل حال هو فيه موجود [فيصح] اشتراكهما في العدم بأن لا يحلان لأن الطريقة في أن ما يحل غيره لا يصح وجوده حالا، وهو غير حالا حاصلة في العدم، فكان يجب الحلول في سائر أحوال العدم. ولو صح حلول العرض في حال عدمه لم يجب بعدم العلم والقدرة خروج أحدنا من كونه عالما وقادرا لأن الاختصاص ببعضه مع العدم كان لا يكون كالاختصاص مع الوجود؟ ولا يمكن أن يقال أن الوجود لا شرط لأنه لا مقتضي [لكونه]
شرطا مع صحة الاختصاص في العدم، لأن المقتضي لذلك أن يوجد فيحصل الاختصاص، فيكون الموجب للحكم بأن يوجبه للواحد أولى من أن يوجبه لغيره. أيضا الجوهر لو حل جوهرا، لم يكن أحدهما بأن يكون حالا في الآخر أولى من الآخر أن يكون حالا فيه، لأن حكم كل واحد حكم الآخر، وفي كون كل واحد من الشيئين حال في الآخر حاجة كل واحد في وجود البعض الآخر، وذلك مستحيل. أيضا لو صح في الجوهر أن يحل غيره لصح فينا ذلك مع جبل. ولا يمكن أن يقال: إنكم لا تقدرون على الكون بحيث هو لما بيناه فيما تقدم، ولا إنكم ممنوعون منه، لأن الجواهر إن صح فيها الحلول في الغير لم يكن عن ذلك مانع معقول. أيضا لو صح ذلك لكان لا يجب الخبر في الجواهر، لأن وجود البعض بحيث يوجد البعض كان يصح وفي وجوب الخبر دلالة على فساد هذا القول. أيضا لو حل أحدهما الآخر لم يتميز الحال من المحل [...] ولو صارا نفسا واحدا ما زاد حكمهما على ما ذكرناه. والأعراض وإن حلت الجواهر، فتختص بأحكام ليست للجواهر التي
تحلها. ولا يصح ذلك في الجوهرين، ويصح أيضا عل[ى] العرض مع بقاء الجوهر. وليس كذلك الجوهر، لأن ما معه يفنى أحدهما يقتضي فناء الآخر فيفنى مع أن الجهة واحدة، لأن مع ذلك لا شبهة في أن فناء أحدهما كان يجب أن يكون مثل فناء الآخر. أيضا يجب أن يكون ما في أحدهما من الأعراض في الآخر، لأن حكمهما معهما على سواء. وقد بينا فساد ذلك فيما تقدم. فإذا ثبت أن الجوهر يمتنع أن يحل في جوهر آخر مع صحة الحلول فكان يمتنع حلوله في القديم تعالى، والأعراض أحق مع أنه لو حل العرض، لكان يجب كون العرض حالا فيه، بل ذلك أحق، وكذلك القديم تعالى، وفي ذلك حاجة كل واحد إلى الآخر. وإذا صح ما ذكرناه وكان امتناع ذلك فيه راجعا إلى التحيز، لأنه لو لم يحصل إلا التحيز لامتنع ذلك [و]صح ما قلناه من أن ذلك إنما يمتنع لهذه الصفة.
الفصل الرابع والخمسون في تناهي العالم
[الذي] يدل على ذلك أن ما أمامنا إذا أضفنا إليه غيره كان أكثر. وإذا أخذنا منه غيره كان أنقص. والعلم بهذا ضروري ولا فصل بين من دفع هذا وبين من دفع صحة الزيادة والنقصان في شيء من الأشياء. وإذا كان ذلك كذلك علم التناهي في الأجسام، لأنه لو لم يكن لها نهاية لم يكن لنا في جهة من الجهات نهاية أو لم يكن لما في سائر الجهات نهاية. وكل ما قد ذكرناه قد اقتضى خلاف ذلك. وقد بينا أنه لا يمكن أن يقال: إن هذه الموجودات إذا ضمت إلى المعدومات فقد حصل زيادة في المعدومات. وكان مثلها أكثر. وإن لم يعلم ذلك ضرورة، إذ طريقة إثبات المعدوم الدليل، فما هو فرع على ذلك، كيف يمكن ادعاء العلم الضروري فيه؟ فلا دليل على ذلك فيه، بل الدلالة الدالة على المعدومات لا نهاية لقبيلها أظهر [من] أن تخفى. أيضا قد ثبت أن العالم محدث وذلك يقتضي تناهيه. وقد بينا القول في ذلك في مسألة الجزء، وبينا ما يزاد على هذه الدلالة.
وأظن أن أبا الهذيل رحمه الله قال في كتاب الحجة في ذلك: إن العالم له شكل وما هذا سبيله فيجب فيه التناهي. ولو جاز أن تكون جملة الأجسام لا شكل لها، لم يمتنع ذلك في كل قدر من الأجسام. ولا شبهة في أن ما له شكل لا يصح أن يكون ما لا نهاية له. وقول من قال: نحن نخالف في ذلك ونقول في أن الأرض ساكنة، فلا بد من أن يكون لها قرار، وكذلك القرار له قرار. وعلى هذا ومتى بقي القرار من غير قرار له، وجب أن يهوي دائما فكان لا يلحقها الريشة بعيد، لأن عندنا أنه تعالى يسكنها حالا فحالا، فتمتنع اعتماداتها من التوليد وأحدنا يمد يده ويسكنها، فيمنع ما فيها من الاعتماد من التوليد. وإنما أتى هؤلاء الجهال في ذلك من نفيهم الصانع، فمنهم من قال بهذا الدليل، ومنهم من قال أن الأرض تهوي، ومنهم من علل وقوفها بما سنبين من بعد سقوطه إن شاء الله. وليس يمتنع أن يكون وقوف الأرض، لأن في
[جو]ف كرتها اعتمادات عليه تعادل ما في النصف الآخر من الاعتمادات السفلية ويجري ذلك مجرى تساوي اعتمادي المتدافعين. وقولهم: لو كان للعالم طرف، لم يمتنع أن يقف الإنسان في طرفه ويدفع يده أو يحاول أن يرمي بنشابه، فلا يتحرك مع شدة الاعتمادات بعيد، لأن المتحرك يصح كونه متحركا لا في مكان. ونحن نشبع القول في ذلك من بعد، إن شاء الله.
الفصل الخامس والخمسون في أن الأرض ساكنة
الذي يدل على أن الأرض لا تهوي أنه لو كانت تهوي على ما قاله من خالفنا في ذلك، لم تلحقها الريشة، لأن الأرض لوتحركت على حد حركة الريشة لوجب، إذا تقدمتها، أن لا تلحقها. فكيف وهي مع ما تختص به من الثقل الذي معه [يقع] تأثير الهوي فيها بخلاف تأثيره [...] بهذا بطلان قولنا أنها ت[هوي] على الحد الذي يهوي الحجر، إذا أرسل. فأما أنها تتحرك في أوقات يسيرة وتسكن في أكثرها، فالطريق
إليه ال[...] وال[...] والق[ضايا] وال[..] قال عز وجل ( إن الله يمسك السموات والأرض ) لن [...] أيضا لو كنا نهوي على ما قاله لامتنع أن نتصرف على الحد الذي هو لا نتصرف، كما يهوي رجل من سطح. وكان يقتضي أن لا يكون فصل بين أن يلاقي رجلي الإنسان حجر، فيهوي على حد هويه وبين أن لا يلاقي ذلك. فكيف كان يصح من أحدنا الوثبة لو كان الأمر كذلك مع أنه يمتنع على هذا الحد الذي يهوي الحجر الملاقي لقدمه أن يثبت على سطح. وإن قرب عنهوقد علمنا أن السفينة، إذا اشتد [الهو]اء، امتنع على الراكب التصرف على ما يتصرف عليه [أنه] غير ذاهب في تلك الجهة وحركة الأرض كان يجب أن تكون أشد من ذلك. ويجب على هذا أن لا يجد أحد ثقلا بما يماس ظهره من الثقيل، كما لا يجد ذلك، لو هويا سطح والثقيل مماس لظهره، وفساد ذلك [أظهر] من أن يخفى. وما يحدون به أنه [إذا] لم يكن متمكنا على غيره، فيجب أن يهوي فقد [بينا] أنه ليس ال[...]
XIV
[... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] [...] يثبت حجر البزر إذا وضع على ذلك ولا يهوي والقديم تعالى يصح منه منع الدقيق من التفريق بلا جزء فلا وجه للمنع من كون هذا الوجه علة لوقوف الأرض.
الفصل السابع والخمسين في أنه يصح أن يكون الم[سك]ن للأرض قادرا بقدرة
اعلم أن القادر بقدرة يصح أن يفعل السكون في الجسم البائن معه حالا فحال بأن
[... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] [... ... ... ... ... ... ... ...] في [نهاية ... ... ... ... ... ...] وقول من [يق]ول أن سكون الثق[يل] في الاستحالة كقياس العلم بالميت وأي[ضا] سقوط لأنه إنما لا يسكن لأن ما في[ه من] الاعتماد يولد ويصح أن يمنع الاعتماد من التوليد بفعل مانعا ويوجبه كما يصح توجد ذلك [الفعل ي]حتاج إلى الحياة والحال [أي] عالم تحتاج إلى حالة الحي وليس السكون يحتاج إلى ال[...] لأن الحركة التي تجانس السكون [أيضا] كان يجب أن تحتاج إلى عمد[..]
XV
[ليس] الاعتماد [يستحق] الاعتماد أن يولد الكون، فإذا حصل المانع من توليد الحركة كان الكون الذي يتولد حالا فحالا سكونا. ويصح منه أيضا أن يفعل السكون حالا فحالا، إذا مد يده في الجو. ولذلك يمتنع توليد ما فيه من الاعتماد لسقوط يده. ولو لم يسكن حالا فحالا، لسقط يده، لأن الباقي من السكون لا يمنع من الضد. فإذا كان قادرا في كل حال على فعل السكون ولا مانع وما يجري مجراه عن ارتفاع مقدوره فيجب أن يصح أن يوجد ما يقدر عليه وتقدم كون الجسم ساكنا من قبل لا يمكن أن يقال أنه وجه يمنع من فعل مثله في الثاني، وأنه يحيل الفعل المستقبل، وكيف يصح كون الشيء منعا من غيره وليس هو بضد له ولا جار مجرى الضد ؟ ولو كان السكون ضدا للسكون أو جار مجرى الضد، فحالة وجوده غير حالة وجوده. ولا يمكن أن يقال لأجله أنه يستحيل المقدور. وإذا صح
ما ذكرناه لم يمتنع في سكون الأرض أن يكون من فعل بعض الملائكة ولا يمكن أن يستدل به على الله تعالى بسائر ما يصح أن يفعله غيره. فالصحيح من هذا الباب ما يقوله الشيخ أبو هاشم رحمه الله دون ما قاله الشيخ أبو علي.
الفصل الثامن والخمسون في أن حركات الكواكب لا بد من تعلقها بفاعل غيرها وأنها لا يصح أن تكون حية فاعلة لذلك وما يتصل بذلك
اعلم أن الكواكب ليست بحية، فيقال أنها فاعلة لذلك ومختارة. والمعول في ذلك على السمع، وهو الإجماع على أن حالها كحال الأجسام التي قد علم أنها ليست بحية. وقد اعتمد في ذلك على أن الشمس لو جاورها حيوان لمات بحرارتها، وكيف يصح مع حرارتها كونه حيا؟ والمخالفون في ذلك يقولون: إن الشمس لا حرارة لها وأن ما يثبته من الحرارة هو حرارة ما بينا وبين
الفلك من النار، يدفعه ما ينفصل من الشمس إلينا، وهذا فاسد لأن [النار] لو كان على ما قالوا، كان ذلك النار لا يلبث في الجو لأن ما فيه من الاعتماد يوجب صعوده ولا يختلف بل يتدافع، والحال فيه على ما بيناه من هوي الحجر. ومتى أثبتوا عن صعوده مانعا فيجب أن يمنع ذلك المانع من وصول ما يقولون أنه ينفصل من الشمس إلينا، ليكن الاعتماد على هذه الطريقة في أنها ليست بحية لا يصح لأن بعض هذه الحيوانات لو أديم كونه في الثلج مديدة لمات وفي الثلج ديدان، يدوم كونها فيه. ولا يمتنع أن يقال أن الشمس حية والله تعالى يمنع النار من تفريقها لها. ومن الحيوانات ما لو طرح في النار لم يمت وهو السمندل. وقد اعتمد في ذلك على أن الكواكب لو كانت حية لكان يظهر لها بنية كالرأس لأن الحي بحياة لا بد من ذلك فيه. وهذا أيضا لا يصح أن يعتمد عليه لأن الرأس كان لا يمتنع أن يكون في الجانب
الذي لا يرى منها والسلحفة لايظهر لها رأسا بين على الحو[...] من رأس غيرها من الحيوانات. وقد اعتمد فيه التصرف على ما علمناه من حالها والملائكة قد استمر حالها فيه على أنها لو كانت حية، لم يستمر حالها في العبادة. وقد اعتمد في ذلك على أنها لو كانت حية لم تثبت مع عظم أجرامها بحيث هي فيه ويفارق حالها حال الملائكة لأن الملائكة رقيقة وليس حالها كذلك ولأن الملائكة لها أجنحة، ولو كان للكواكب مثل ذلك لتبيناها. وليس يمتنع أن يقال: يجب من هذا نفي كونها حية، والمعتمد في نفي كونها حية السمع. وإذا لم تكن حية لم يصح أن يكون فاعلة لحركاتها وأن حركاتها فعلا لغيرها. ولم يصح أن يستدل بذلك على الله تعالى، ولا شبهة في أن حركاتها لا يمتنع أن تكون بفعل غيره تعالى، والذي فيه شبهة سكون الأرض، وقد بينا القول في ذلك.
الفصل التا[سع] والخمسون في أن الشيء الواحد لا يصح أن يصير أشياء ولا الأشياء تصير شيئا واحدا
الشيء الواحد لو صار أشياء لكان في حال كونه أشياء لها صفات ذاتية، وذلك يقتضي استحقاقه لها في كل حال، فقد بينا أن الذات الواحدة لا تقتضي صفات، وكذلك الأشياء لو صارت شيئا واحدا لكان لما كان أشياء لها صفات ذاتية، وذلك يقتضي كونه عليها وهو شيء واحد، وقد بينا أن ذلك لا يصح. أيضا لو صار الشيء الواحد أشياء لكان ما يقتضي ذلك لا يجوز أن يكون ذاته أو صفته الذاتية لأن ذلك يقتضي أن يكون أبدا أشياء ولا يصح أن يكون ذلك راجعا إلى علة أو فاعل لأن في ذلك كون العلة أو جعل الجاعل مؤثرا في حصول صفة الذات التي تحصل متى كان أشياء، وكذلك لو صار الشيآن شيئا واحدا لكان لا
يصح كونه كذلك لذاته، لأن [...] وجوب كونه في الأشياء شيئا واحدا، وكذلك [لا] يصح أن يكون كذلك لصفة ذاته ولا مدخل للفاعل أو لعلة في تغير حكم صفة الذات. أيضا لو صح أن يصير الشيء الواحد أشياء، لم يمتنع ذلك في الجواهر ولا مقتضي لصحة ذلك في بعض الأشياء لو صح إلا ويقتضي صحة ذلك في الجواهر، ومن قال بهذا فإنما يقول بهذا في الجواهر. لو صح في الجوهر أن يصير جواهر لكان ما كان فيه من الكون ليس بأن يكون موجودا في بعض أولى من أن يكون موجودا في البعض الآخر، وفي ذلك كون الجواهر في جهة واحدة، وكذلك الجوهران لو صارا جوهرا واحدا لكان ما فيهما من الكون يجب كونه موجودا في الواحد، وفي ذلك وجود الضدين فيه. أيضا لو صار الشيء الواحد
أشياء، لكان [الفصل] بين ضم أعيان الشيء إليه وبين أن لا [يضم] إليه في كثرة الأشياء، وكذلك لو صارت الأشياء شيئا واحدا، فلا فصل بين أن ينقص منها وبين أن لا ينقص منها، والمعلوم خلاف ذلك. أيضا إذا كان الموجود ذاتين ولم يكن الموجود من قبل إلا ذاتا واحدة فلا بد من العدم في أحدهما من قبل، لولا ذلك لالتبس القديم بالمحدث ولما وجب كون المقدور معدوما ليصح أن يوجده القادر، وكذلك إذا كان الموجود شيئين، ثم صار شيئا واحدا. وقد تقصى القول في ذلك في المغني، وفيما ذكرناه كفاية في هذا الموضع، فإذا صح ذلك وجب القول بأن النمو الحاصل في الأجسام زيادات تنضم إليها وأنها ليست هي التي كانت فقط.
الفصل الستون في الخلاء والملاء
لو كان الأمر على خلا[ف ما] قلناه في ذلك، لم يصح منا التصرف ومن [...] أن يتحرك وتحرك أعضائنا مع أنه لا محاذاة لا جسم فيه أو ليس تختلف الحال في ذلك بين أن تكون الأجسام صلبة وبين أن لا تكون كذلك إذا لم يكن المنع الصلابة، فإنه لا فصل بين أن يملأ البيت من الدقيق حتى تختم أجزاؤه وفي وسطه إنسان وبين بيت ملئ من حديد مصمت في أن ما قد عقلناه من أحوالنا من صحة التصرف، كان لا يمكن لذلك الإنسان وإن افترق حال ما امتلأ به البيت في الصلابة والرخاوة. أيضا لو كان الأمر على ما قاله القوم من أنا إذا حركنا أيدينا فلا بد من كون جواهر في مكانها ويمتنع خلاف ذلك ومع كون الجواهر في جهة اليد لا بد من حركة، لكان كل واحد من الأمرين متعلقا بالآخر، وفي هذا
[... ... ...]ىىة وإنما قلنا: إنه [... ... ... ... أ]حد بالآخر لأن حال [أحدهما لا] ينفصل من حال الآخر بوجه يمكن أن يقال لذلك: إن أحدهما بأن يكون في العلة أولى من أن يكون الآخر في حكم العلة له، ولهذا ألزمناالجبرية في القدرة والفعل لو وجدا معا على طريقة واحدة وامتنع وجود كل واحد إلا مع الآخر أن يكون أحدهما بأن يوجب الآخر أولى من الآخر أن يوجبه. وفصلنا بين ذلك وبين السبب والمسبب الموجودين معا والعلة والمعلول أن حال الأمرين ينفصل من الآخر لوجه معقول يقتضي اختصاص أحدهما بما قلنا أنه مختص به دون الآخر. أيضا القارورة الضيقة الرأس كقارورة ماء الورد قد يمص منها الهواء ويدخل رأسها الماء، فيرتفع الماء
إليها بعد ما كان [... ... ... ...] وذلك قبل المص، ولو كان ال[... ... ... ...] حد واحد ولم تختلف الحال على [... ... ...] والقارورة قد يحمي الهواء الذي فيها في الصيف، فإذا أدخل البيت الحار من الحماس وصعوبة إدخال الماء فيها يفترق الحال فيها بعد المص وقبله، فلا يمكن أن يقال في ذلك ما قاله المخالف فيه وهو أن القارورة إذا مصصناها فتحصل فيها هواء حار، وقبل المص كان فيها هواء بارد، والبارد بطيء الحركة والحار سريع الحركة، وربما كان ما في القارورة من الهواء الحار، إذا حصل في البيت الحار من الحماس أشد حرارة من الهواء الحار الذي يقال أنه يحصل فيها. والماء، إذا صببناه في القارورة قبل المص ونسمع أصواتا، وذلك كمصاكة الهواء للماء، فلو كان في القارورة بعد المص
[... ... ... ...]ات عند حصول الماء [... ... ... ...] قبل المص لأن العلة [...] تكون قائمة وهو مصاكة الهواء للماء، والحرارة والبرودة لا يؤثران في المصاكة ولا أن معها يحصل في الأصوات. وقد اعتمد في ذلك على أن أحدنا يطبق بين راحتيه ثم يفرق ما بين وسط الراحتين من قبل أن يفرق سائر الراحتين، ولا وجه يمكن أن يقال أن الهواء يحصل فيما بين الراحتين فيها. وقد اعتمد على أن أحدنا يبالغ ويجتهد في تحصيل الهواء في الزق حتى يمتلئ ويشد رأسه وتمكنه مع ذلك أن يغرز فيه مسلة، وذلك يقتضي كون أماكن فارغة في الزق يحصل فيها الهواء عند غرز المسلة. وقد اعتمد في ذلك على أن حفار الآبار الغميقة
قد يحصلون في مواضع [... ... ... ...] الواحد منهم إن لم يقع [... ... ... ...] بتحصيل الهواء لقميص أو ما [... ... ...] والمعتمد ما قدمناه. فإنه يمكن أن [يقال]: إذا فرقنا بين وسط الراحتين فلا بد من فرجة يسيرة، وقد يمكن أن يقال: إن الهواء يخرج من الزق عند الغرو ولا يعلم خلاف ذلك، ويمكن أن المواضع التي يصل إليها حفار الآبار فيها هواء حار، ليس هو بصفة الروح فيتوصلون إلى أن يحصل هناك هواء بارد بصفة الروح. فأما ما يتعلق به المخالف من نتوء لحم الأخدعين عند مص الحاجم. فإن علة النتوء أن الهواء إذ مص فلا يخلفه غيره فيصير اللحم في مكانه، فلو جاز خروج الهواء منه وأن لا يخلفه غيره لم يجب النتوء ولا يصح لأن علة النتوء جذب الهواء المتشبث به والثعبان ربما جرب الفارس والفرس على هذا الحد، والأجزاء المنفصلة من حجر المغناطيس
XVI
الفصل الثالث وستين في أن الجواهر لم يحصل لها الوجود إلا عن عدم
قد ثبت أن كون الجوهر في محاذاة موجب عن معنى لأن كونه في المحاذيات يحصل بحسب أحوال الفاعل ولا يجوز أن يكون متعلقا به لا بواسطة، فإن ذلك يقتضي كون أحدنا قادرا على إيجاد الجواهر، كما أن من قدر على جعل الكلام خبرا قدر على إيجاده، فيجب أن يكون إنما يصح أن يحصل ذلك بالفاعل بواسطة. فإن كانت الواسطة صفة أخرى أدى تعلقها بالفاعل إلى أن يصح منا إيجاد الجواهر فلا بد من أن تكون الواسطة معنى. وقد تكرر في كتب
الشيوخ رضي الله عنهم غير هذه الطريقة، وهو أظهر من أن يخفى. وإذا كان كون الجوهر في محاذاة موجبا عن معنى ولا يصح وجود الجوهر إلا متحيزا لما ذكرناه فيما تقدم ومع التحيز لا بد من كونه في جهة والمتحيز يصح كونه في المحاذيات. فطريقة إثبات المعاني حاصلة مع وجود الجوهر في كل حال، وقد ثبت أن الجوهر لا يخلو من معنى مما قد يكون في المحاذيات، وكل معنى من ذلك محدث لصحة بطلانه عند طروء الضد على محله، والقديم لا يصح عليه العدم لأن وجوده يرجع إلى الذات ولا يتعلق بشرط، إذ لا يعقل شرطا يعلق به. فإذا صح ذلك وجب حدوث الجوهر لأنه لم يوجد إلا مع محدث، فحكمه حكمه. ولا يمكن أن
يقال أن المحدثات لا أول لها لأنه لو كان فيها قديما لم تؤد الحال في التقدم على الحال فيها مع أن القبيل محدث. ولو كان لا أول لذلك لكان ذلك مستحيلا. وقد تكرر الكلام في ذلك في مواضع، فلذلك اقتصرنا على ذكر هذا القدر. أيضا يصح أن يعرف الله تعالى بالألوان وسائر ما لا نقدر عليه بالقدر، وأن نعلم أنه قديم وأنه قادر لنفسه، فنعلم أن الأجسام ليست بقديمة وإلا وجب كونها قادرة لأنفسها أو لما يرجع إلى ذواتها لأنها كانت تكون مشاركة له تعالى في القدم الراجع إلى الذات. ودليل التمانع وغيره يدل على أنه لا يصح إثبات قادرين للذات أو قادرين لما يرجع إلى ذاتيهما. ويجب على
هذا القول كون الجواهر كلها قادرة وأن يرجع كون القادر قادرا إلى الأجزاء. وفساد ذلك أظهر من أن يخفى. وقد ذكر الشيخ أبو هاشم رح[مه] الله في ذلك أن هذا الجوهر لو كان قديما لكان فيما لم يزل في جهة وكان يكون كونه كذلك راجعا إلى الذات. وكان لا أقل من أن يستحيل خروجه عنه مع الوجود ولا جوهر إلا ويصح نقله، وعلى هذه الطريقة لا يجب إثبات الأعراض حتى يعرف ذلك. وفي ذلك نظر، وما قدمناه من الوجهين في نهاية الوضوح، وقد ذكر غير ذلك من الوجوه فيه إلا أنها لا تقوى.
الفصل الرابع وستين في بيان الوجه الذي له عدم الجوهر قبل وجوده
اعلم أن عدمه قبل الوجود قد يجب وقد لا
يجب، فالجواهر معدومة لم تزل لأن في وجودها فيما لم تزل انقلاب جنسها ووجودها على حد لا يكون القديم متقدما لها بما لا نهاية له من الأوقات لو كان أوقاتا فيه وفيه نفي حدوثها لأنه لا يصح أن يكون محدثا ولم يتقدمه القديم بما لا أول له من الأوقات لو كان أوقاتا وفي ذلك انقلاب جنسها. فأما وجودها قبل الوقت الذي وجدت فيه بأوقات محصورة فيصح بما تقدم في ذلك لأن القادر عليها لم يوجدها ووجودها، إذا كان موقوفا على القادر، فإذا لم يوجدها فليس إلا العدم. وبهذا يفارق الوجود بعد الوجود في الجواهر وما يجرى مجراها لأن وجودها بعد الوجود لا يقف على القادر حتى إذا لم يوجدها عدم، فلا بد من ضد
وما يجري مجرى الضد في ذلك. وهذا هو الفصل بين ما يقال أن الجوهر إذا كان بعد وجود اللون فيه لا يخلو من اللون لصحة بقاء الألوان ونفي حاجتها إلى أمر زائد على محلها، فإذا عدم اللون الذي في الجوهر فيجب أن يعدم بضد، والضد أيضا يصح عليه البقاء، فحاله كحالة ما لا يخلو من الألوان، فقولوا أيضا أن عدم اللون قبل وجوده عن المحل يحتاج إلى ضد، وذلك أن اللون وجوده قبل أن وجد يتعلق باختيار فاعله، فيكفي في أن لا يوجد أن لا يختار الفاعل إيجاده، وليس كذلك حاله بعد الوجود.
الفصل الخامس وستين في جواز عدم الجوهر بعد وجوده
اعلم أنه لا طريق إلى ذلك عقلا، والطريق إليه السمع، وليس يمكن أن يقال أن في العقل
إليه طريق لأن ما يقتضي ذلك لو كان له مقتضى إما أمرا يرجع إلى القادر أو أمرا يرجع إلى المقدور، وما يمكن أن يقال أنه يقتضيه مما يرجع إلى القادر أن القادر يجب أن يقدر على جنس ضد الشيء حتى ينفصل حكمه من حكم المضطر. وإذا كان تعالى قد قدر على إيجاد الجواهر فيجب أن يكون لها ضد يقدر عليه. وما يرجع إلى المقدور ما يمكن أن يقال أنه يقتضيه أن في نفي صحة العدم وجوب كونه مثلا له تعالى لأنه تعالى ينفصل من غيره بوجوب الوجود وأن لا يصح عدمه. واعلم أن القادر على الشيء إنما يجب أن يصح منه أن يفعله وأن لا يفعله، وبذلك ينفصل من المضطر الذي لا يصح منه الانفكاك عما اضطر إليه، فأما صحة فعل ضد
فلا يقتضي ذلك والتأليف والاعتماد القادر عليهما تنفصل حاله من حال المضطر وإن لم يكن لهما ضد. وليس في أن لا يصح العدم في الجوهر بعد وجوده كونه مثلا له تعالى لأنه كان يصح أن لا يوجد في الأول فلا يكون موجودا في سائر الأوقات، والقديم تعالى يستحيل كونه غير موجود في كل حال. وهذا هو المعتمد دون ما يقال أنه وإن وجب وجوده فلا يماثله تعالى لأن ما به ينفصل تعالى من غيره فيما يرجع إلى ذاته كونه موجودا لم يزل لأن ما يقتضي ما هو عليه في ذاته هو وجوب الوجود، فإنا نقول أن الوجود لما كان قد حصل ولا يجب، ويجب ويحصل، فلا بد من اختصاص حيث يجب، وهذا حاصل في وجوب الوجود وقتا واحدا. فلو وجد شيء غيره تعالى في وقت واحد لكان قد شاركه تعالى فيما ينبئ عما هو عليه في
ذاته. وبهذا يسقط قول من يقول: إن القديم لو عدم لكان لا يخرج عن أن يكون قد وجد لم يزل، وهذا هو الذي يرجع إلى الذات. ولا يمكن أن يقال: إن ما يرجع إلى ذاته كان يكون قد خرج عنه. فإذا بطل أن يكون إلى ذلك طريق من جهة العقل ثبت أن الطريق إليه السمع، وأحد الطرق فيه قوله تعالى ( كل من عليها فان )، والفناء ظاهرة الانتفاء، وهذا هو المعقول منه إذا أطلق. فإذا صح أن العقلاء يفنون صح ذلك في غيرهم لأن الفناء لا يختص بجوهر دون جوهر على ما نبينه من بعد. وتعلق من يخالف في ذلك بأنه يطلق الفناء في غير هذا الوجه بقول أمية: «ياإبني أمية إنني عنكما غان وما الغنى غير أني مرعش فان»، بعيد لأنا لا ننكر إطلاق ذلك
على غير هذا الوجه، لكن المعقول منه إذا أطلق وظاهر الكلام فيما قلناه. وإن كان حال هذه اللفظة مع غير هذا الوجه كحالها معه وجب إذا لم يتبين أنه أزيد أحدهما دون الآخر أن لا يتخصص أحد الوجهين بكونه مرادا دون الآخر. ولو لم يكن إلا ما قال بعده ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) لصح أن المراد الوجه الذي نقوله. وأحد الأدلة فيه قوله تعالى ( هو الأول والآخر ) وكونه أولا يقتضي كونه موجودا ولا موجود سواه، وكونه آخرا يقتضي أن يكون هو الموجود ولا موجود سواه والجنة والنار لا يفنيان، فلا من كونه تعالى آخرا قبل دخول الخلق الجنة والنار. وأحد ما اعتمد فيه قوله تعالى ( كل شيء هالك إلا وجهه )، والهلاك يستعمل في البطلان، فلا شيء يقتضي كونه مجازا فيه، فإن كان حال هذه العبارة مع غيره كحالها
معه، فيجب أن لا يكون المراد أحدهما فقط لأن لا يبان أن المراد أحدهما دون الآخر.
الفصل السادس وستين في بيان الوجه الذي له يعدم الجوهر بعد الوجود
إذا عدم فلم تنتهي الحال إلى وقت يستحيل وجوده، فيقال: إن تلك الحال تجري مجرى الوقت الثاني لما لم يصح عليه البقاء لما نبينه من بعد. ولا يمكن أن يقال أنه يعدم بأن تعدم أكوانه، فإن الجوهر يحتاج إلى الكون وإن لم يحتاج إليه في وجوده إلا أن وجوده لا ينفصل من الوجه الذي له يحتاج إلى ذلك لأنه لا معنى يضاد جميع الأكوان، ولو كان معنى هذه حاله لكان يحل الجوهر حتى
يبقى مع الأكوان وذلك يمنع من كون الجوهر منتفيا بهذا الوجه. ولا يمكن أن يقال أن الكون يبطل ببطلان الجوهر، والجوهر يبطل ببطلان الكون، وكل واحد متعلق بالآخر، وذلك لا يصح، ونحن نبين من بعد أنه لا يمكن أن يقال أن الجوهر باق ببقاء، فيبطل إذا لم يوجد البقاء لأن البقاء لا يصح عليه البقاء، فيجب البقاء في الثاني، ويبينأنه لا يمكن أن يقال أنه يحتاج في بقائه إلى معنى لا يبقى، فينتفي بعدم ذلك المعنى وإن لم يكن البقاء جاريا مجرى العلة ويجري ذلك المعنى مجرى الرطوبة أن الاعتماد يحتاج في بقائه إلى الرطوبة ولو لم تبق لم يبق الاعتماد ويبين أنه لا يتجدد وجوده حالا فحالا، فيقال: إن وجوده في كل حال يتعلق بموجد، وإذا لم يوجد وجب العدم. ويبين أن القادر لا يقدر
XVII
[...] كون الصفة من الجملة والوجود يرجع إلى الآحاد ولا يمكن أن [...] ان الوجود [...] على هذه الصفات فيه مع (؟) فتلك الصفة [...] ولو [...] لم ترجع إلى الجملة لأن الوجود إن لم يكو صفة زائدة على صفات ال[...] فليس تلك الصفة بأن تكون صفة الوجود أولى من سائر هذه الصفات ولا فصل بين هذه [مع؟] ما ذكرناه وبين من قال أن الوجود زا[ئد ...] على ما [...] هو زائد عل التحيز [...] يقول أن الوجود فيه [...] لتلك الصفة في استحقاقها لأن استحقاقه لوجوده (؟) [...] كاستحقاقه
ويسقط أيضا [...]ه لا يجب انك تكون [...] مثل تلك الصفة حتى يكون وجودا هذا [...] للوجود ليس بزائد على ما يتبين به السواد إلا على ما يختص به البعض مع أي صفة [...] فصلا عن كون [...] وقد بينا أن الوجه الذي له يتبين الجوهر في المحاذيات تبين (؟) ذلك أيضا [...]ام من صفة الوجود [...] [...] قد حصل في العدم من الصفة وان المعدوم ليس بمتحيز وإذا كان الوجود شرطا في التحيز فل[...] الوجود كون الجوهر في جهة [...] في الجها[ت ....] لتحيز فكيف يصح أن تقف التحيز [...] كون شرطا في التحيز فقد صح أن الوجود زائد على الصفات [...] يعلم كون الذات عليهما عند الإدراك
[...] الجوهر [...] [...] أحد واستمرار وجبت (؟) [...] [...]دا وإن كان يعلم ضرو[رة ....] [...] قاصدا فقد [...] [...] تبدلت وأن يكون المعتبر (؟) كونه [...] قبيلا (؟) من الحياة (؟) يصح وجود ذلك القبيل [...] تلك الأجزاء ومن الشيوخ من قال بذلك ولا يم[كن ...] أن يقال أن تلك المعرفة معرفة ببقاء [الجوهر (؟)] والبقاء لا يعلم ضرورة وإنما يستحيل بما قلناه على بقاء الجواهر فإن القاصد ليس غير الأجزاء المركبة لأن القاصد ليس هو [...] جواهر أمر ولا أعراض ويستحيل أن هو [..] الا [...] ولو تبدلت الأجزاء كلها لم يكن هو الذي قصد وكيف يصح أن يعلم أنه الذي كان [...] قاصدا (؟) لو تبدلت الأجزاء كلها والعلم بأنه [...] الذي كان [...] يتناول الحي ولا يتناول تفاصيل الأجزاء ومما [...]
[...] لا يمكن [...] [...] عدم وجه إلا وجود [...] [...] ان الضد لا يقتضي عد[م ...] [يستحيل وجوده (؟)] وإنما يعدم لاستحال [...] [...] لو استحال من غير [...] عدم وكان حال الجوهر كحال ما لا يصح بق[اؤه] في (؟) وجود عدمه في الثاني ولو وجد الشيء الذي يضاده ولم يخل وجوده لم يجب العدم ولم يعدم وكان كسائر المعاني التي لا يخل وجوده بالضد تأثيره في امتناع الوجود لعدم ذلك إلا أنه لا يخرج الضد عن أن يكون له تأثير بواسطة كما نقول في القدرة أن بها يفعل وإن كان الفعل يرجع إلى كون القادر قادرا لما اقتضت ما [... ا]لفعل وهو كون القادر قادرا
الفصل السابع وستون
XVIII
ما قلناه أن الأجزاء لو كانت والأعراض غير ما كانت، لأن العرض الموجود في أحد المحلين ليس هو الموجود في الآخر والصفات مع ذلك أيضا يجب أن تكون هي التي كانت حاصلة لما له ولهما أنه لا يصح أن يكون العرض الذي حل محل الآخر، لأن الصفة الواحدة لو صح أن يستحقها كل واحد من الموصوفين فلا شيء يقتضي صحة ذلك في بعض الصفات إلا وهو حاصل في البعض وكان لا يمتنع أن يكون وجود أحد الذاتين هو وجود الأخرى وأن يكون من تناول قدرته وجود أحدهما فقد قدر على الآخر، وفي ذلك صحة وجود المقدور الواحد من قادرين من هذا الوجه. ويجب أيضا صحة ذلك من وجه آخر، وهو الصفة التي لأحدهما بكونه قادرا يجب أن لا يمتنع أن تكون الصفة التي للآخر بكونه قادرا، فإذا كانت الأجزاء لو تبدلت كلها، فلا
أمر هو الذي كان. فكيف يصح أن يعلم في أمر أنه الذي كان وإذا صح ما ذكرناه وجب كون الجواهر باقية، وإلا لم يصح أن نعلم أن زيدا أنه الذي كان بالأمس ضرورة، فيعلم مثله في كثير من الأجسام، فكيف يمكن أن يقال أنه لا باقي؟ أيضا الموجود ثانيا غير الموجود أولا لما كان أحدنا فاعلا لأن الفعل بالقدرة لا يصح ابتداء إلا في محلها، ومحل القدرة يعدم في الثاني على هذا القول. وإذا امتنع أن يبتدئ، منع أن يولد، وفي ذلك نفي كونه فاعلا. أيضا لو صح كون أحدنا فاعلا على هذا القول لما حسن أن نذم أحدا من الموجودين ولا نمدح أحدا لأن الذم والمدح اللذين يجبان على الأفعال هو ما يفعل
في الثاني من حال الفعل. فالذي يذم ثانيا أو يمدح غير من فعله استحق ذلك أولى. أيضا يجد أحدنا صفته صفة المتحير في الكون في الأماكن ويعرف انفصال حاله من حال المضطر. فلو كان تعالى هو الذي خلقه في الحال لكان قد خلق ألوانه. فإذا قصد إلى خلق الكون فيه في بعض المحاذيات، فكونه في محاذاة أخرى يمتنع لأن فيه ممانعته تعالى فكان يجب كونه غير متحيز وأن لا ينفصل حاله من حال المضطر.
الفصل الثامن وستين في أن صفة الوجود لا تتجدد حالا فحالا وإن كان الموجود ثانيا هو الموجود أولا
قد علمنا أن التأليف يدوم وجوده وإلا لم تستمر الحال في كون المؤلف مؤلفا على ما قد استمر الحال عليه، إذا
بعد البناء أو عجز، لأن غيره لا يجب أن يوجد التأليف حالا فحالا، بل لا يمتنع أن يفعل. ومتى علمنا باستمرار حال الحديد الذي يؤلف أو ما يجري مجراه وإن في الثاني لا تفترق الأجزاء على طريقة واحدة دلالة على بطلان هذا القول في التأليف. وإن لم يستمر الوجود بالجوهر وكان يتجدد حالا فحالا لكان لا شيء يقتضي ذلك فيه إلا وهو حاصل في التأليف وما يجري هذا المجرى. أيضا لو كان الموجد يوجد الجوهر حالا فحالا لم يمتنع أن يوجد في الحال الثاني بالصين وإن كان في الوقت الثاني ببغداد لأن وجوده إذا تعلق به جرى مجرى تعلقه به في الأول وهو في الأول إن شاء أوجده بالصين. فلو كان كذلك لم تنفصل حاله من حاله لو كان قاطعا لتلك الأماكن
أو كان قد طفر لأن الحال لو كان على ما ذكرناه لم يكن إلا أنه مع الوجود في حالين هو في أحدهما ببغداد وفي الآخر بالصين، وهذا حاله وقد أوجده الموجد بالصين بعد ما كان ببغداد بلا فصل. وقد علمنا استحالة قطعه الأماكن في حاله واستحالة الطفر، فصح أن الجوهر لا يتجدد وجوده حالا فحالا.أيضا لو كان تعالى يوجد الجوهر حالا فحالا لكان موجد الأكوان لأن ذلك لا ينفصل من وجوده وحالهما أبلغ من حال السبب والمسبب الذي يصح أن ينفصلا بأن يحصل منع والسبب والمسبب متعلقين بفاعل واحد. وإذا وجب أن يكون تعالى قد صيره كائنا في كل جهة يحصل هو فيها، فيجب أن يكون فاعلا للكون لأن ذلك أبلغ من المسبب والسبب والفاعل للمسبب هو فاعل السبب. ولو كان تعالى
يقصد إلى إيجاد الكون في جهة أحدنا لكان الداعي يدعوه إلى أن يوجد القدر الذي معه لا يصح أننمنعه ولا يمكن أن يقال: مع قصده إلى إيجاد هذا القدر، لو حاولنا خلافه لوقع. وفي ذلك كونه تعالى ممنوعا فلا تتغير الحال بأن يكون المعلوم أنا نحاول ذلك أو لا نحاول. ولو كان يوجد في أحدنا الكون على الحد الذي ذكرناه في المحاذيات لما كان حال أحدنا حال المتحيز ولما استحق المدح والذم لأنه لم يوجد الكون في محاذاة أخرى، إذا كان ذلك قبيحا أو على الصفة التي من حق ما اختص بها أن يستحق به المدح مع زوال الموانع.
الفصل التاسع وستين في أن التزايد في الوجود لا يصح
التزايد لو صح في الوجود لصح من أحدنا أن يوجد مقدور غيره بأن يحصل له صفة أخرى في الوجود. ومع صحة التزايد في الوجود يجب لأنه كان لا يكون عن ذلك وجه مانع. ولو صح ذلك لصح أن يجعل كلامه خبرا أو أمرا لأن وجوده في أنه متعلق به كتعلقه بذلك الغير. فكان يجب أن يكون لفقده فيه تأثير لأنه كان يكون مقدورا له كما أن لقصد الغير تأثيرا. وفي تعذر ذلك دلالة على بطلان هذا القول. أيضا لو صح ذلك لصح من أحدنا في الثقيل الذي حمله أن يوجد ما أوجده من ثقله بأن يحصل لذلك الفعل في حال بقائه صفة أخرى في الوجود، فكان لا يمتنع إذا حاول ذلك أن يلحقه من المشقة مثل ما لحقه في الأول لأنه
كان يكون موجدا ذلك الثقيل في الحالين. وكذلك القول في تفريق الصلب الذي يلحقه به مشقة. أيضا الفاعل وإن لم يكن علة فهو في حكم العلة لأن الوجود إليه يرجع. فكما لا يصح في العلة الواحدة أن توجب إلا صفة واحدة، فكذلك لا يصح من الجاعل أن يجعل لمقدوره صفتين. وليس يمكن أن يقال أن هاتين الصفتين يتعلقان بكونه قادرا على أحدهما ليس هو كونه قادرا على الأخرى، فحالهما كحال العلتين، وذلك أن كون القادر قادرا إنما يؤثر في صحة وجوده. فأما وجود الفعل فهو متعلق بالفاعل. أيضا لا يصح القول بأن الذات على صفة
لا طريق إلى العلم بحصولها لأن ذلك يؤدي إلى أن لا نأمن في كل مثلين أن يكونا مختلفين بأن يختص أحدهما بصفة دون الآخر، هذا حالها. ولا يمكن أن يقال أن ذلك يمتنع لأن الصفة كانت لا تكون معقولة، لأنه يمكن أن يقال أن الصفة تكون معقولة بحكمها وقد صح كون الجوهر وغيره على صفة في العدم لما كان مخالفا لغيره على ما بيناه فيما تقدم والمعنى الذي هو الفناء قد دخل في كونه معقولا بانتفاء الجواهر. فلو صح القول بأن الذات على صفة لا طريق إلى اختصاصها لا يمكن أن يقال: إن ما يقوله أنهما متماثلان مختلفان. ويستبد أحدهما بما ليس للآخر والصفة معقولة
مخالفا لما قلتم بأن الجوهر على صفة لما كان مخالفا لغيره.
الفصل السبعون في أن كونه باقيا لا يرجع به إلا إلى استمرار وجوده
لو أنبأ كونه باقيا عن أمر زائد على ما ذكرناه لم يمتنع أن نعلم استمرار الوجود ولا يعلم ذلك الأمر أو يعلم ذلك الأمر ولا يعلم استمرار الوجود لأن الفصل للعلم إن لم يجب في الأمرين، لم ينفصل ما المرجع به إلى أمرين مما المرجع به إلى أمر واحد. والتحيز وإن امتنع أن يعلم ولا يعلم الوجود ولا يمتنع أن يعلم الوجود دونه وكل صفة للجوهر بكونه في جهة، ويصح أن يعلم التحيز
وإن لم تعلم تلك الصفة والعلم بالتحيز وإن لم ينفرد عن واحد من هذه الصفات ولا العلم بذلك ينفرد عن التحيز فقد انفصلا في العلم على حد ينفصلان به مما المرجع به إلى واحد لأن المرجع بذلك لو كان إلى واحد لم يصح أن يعلم صفة التحيز من دون كل واحد من ذلك بعينه، لأنه إذا علم أن التحيز ليس هو كونه في جهة ولا كونه في جهة أخرى، وعلى هذا ما ذكرناه من الانفصال في العلم، فكيف يصح أن يكون المرجع بالتحيز إلى واحد ما، وكل واحد ليس هو التحيز، والتحيز يصح أن يعلم كون الذات عليه وإن لم يعلم احتماله للأعراض لأن من نفي الأعراض لا يعلم ذلك وهم وإن علموا المدركات فلا يعلمون
حلولها في الجوهر واحتماله لها.
طريقة أخرى
لو كان كونه باقيا ينبئ عن أمر زائد على ما قلناه، لم يمتنع انفراد أحد الأمرين عن الآخر في موصوف ما أو أن ينفرد أحدهما بحكم ليس للآخر لأنه متى لم يكن كذلك كان المرجع به إلى أمر، بل تزيد الحال على ما ذكرناه. وقد بينا أن الوجود ينفرد عن التحيز وإن لم ينفرد التحيز عنه مع أن التحيز يقتضي ما لا يقتضيه من الأحكام وكون الجوهر كائنا في جهة الفصل هو للتحيز، فإن للتحيز أحكاما ليست له. واحتمال الأعراض له تعلق بالغير وليس ذلك التحيز وكون الجوهر في المحاذيات. أيضا لو
كان كونه باقيا أمرا زائدا على ما ذكرناه لوجب مثله في كونه فانيا لأن ذلك واجب في الصفات المتضادة وكان يجب ألا يفنى إلا ما هو موجود، كما لا يبقى إلا ما هو موجود. أيضا لو أن النبي عليه الس[لام] قال في الجسم الذي علمنا وجوده: إنه على ما كان عليه علمناه باقيا، ولو كان كونه باقيا ينبئ عن أمر زائد على ما عرفناه لم يعلم كونه عليه، إذا علمنا أنه على ما كان عليه. أيضا لا يصح إثبات الذات على صفة لا يعلم كونه عليها ضرورة ولا يصح طريق إليها استدلالا لما ذكرناه فيما تقدم ولا يعلم كون الذات على هذه الصفة ضرورة ولا طريق إلى كونه عليها. ولا يمكن أن يقال أن الطريق إليه الذات يكون موجودا غير باق
وموجودا باقيا، لأنه يمكن مع ذلك أن يقال: إن كونه باقيا ينبئ عن استمرار الوجود ولا ينبئ عن صفة زائدة ولايمكن أن يقال: إن ذلك إن أنبأ عن صفة زائدة، كان الوصف به غير، لأن التوصل إلى الأحوال وما يجري مجراها بالعبارات لا يصح مع أن فائدته عندنا إنما وصف به موجود لم يتجدد وجوده في حال الإخبار عنه بأنه باق. وقولنا: محدث، يفيد وإنلم يبنئ عن صفة زائدة عن الوجود لما أنبأ وجوده عن عدم، فكذلك ما قلناه.
الفصل الحادي والسبعون في أنه لا يصح القول بأن الباقي باق لمعنى
قد بيناأن كونه باقيا لا يرجع به إلا إلى استمرار الوجود وأنه لا ينبئ عن تجدد صفة أو حكم، فلا طريق إلى إثبات معنى هو بقاء لأن الطريق إلى ما
لا يعلم ضرورة حكمه أو فعله، والفعل لا يصح من الأعراض. فإذا لم يكن صفة أو حكما يتوصل به إليه فلا طريق إليه. وما هذا حاله يجب نفيه لأن في إثباته ولا طريق إليه تجويزا لجهالات. ولو لم يعلم أن الباقي لا صفة له أو حكم زائد على ما ذكرناه، فيمكن أن يقال: إنه لا يخلو إما أن يكون قد تجددت له صفة أو حكم أو لم يتجدد، فلا طريق إلى إثبات المعنى. وإن تجدد فمع الوجود في الباقي يجب، فالوجوب يغني عن معنى، وبهذه الطريقة نفينا أن يكون المدرك مدرك بإدراك. أيضا قد ثبت أن في الأعراض ما يبقى، ولو كان الجوهر باقيا ببقاء لوجب مثله فيه لأن الطريقة كانت تكون حاصلة إذ هي باقية بعد ما لم تكن باقية بالجوهر. وهذا هو الذي يمكن أن يقال أنه المقتضي ذلك. فلو كان الغرض باقيا لمعنى لوجب حلول المعنى فيه
لأن الاختصاص إلم يحله أو يوجد في محله ولو كان كذلك لكان اختصاصه بالمحل أبلغ من اختصاصه بالحال، إذ قد حله فكان بأن يوجب له أحق. ولو كان البقاء باقيا بذلك المعنى لوجب إذا عدم ذلك المعنى عند ما يبطل ذلك العرض أن يبطل الجوهر. ولو كان البقاء يحل العرض لوجب تحيزه. فلما لم يصح كون العرض باقيا لمعنى بطل أن يكون الجوهر باقيا لمعنى. أيضا لو كان باقيا لمعنى لم يمتنع أن يوجد البقاء في الأول لأن احتمال الجوهر للعرض تابعا للتحيز، والتحيز حصوله في الأول كحصوله في الثاني. والبقاء لو كان معنى لكان يحتاج إلى غير محله لأنه كان يكون مما يختص المحل. ولا يمكن أن يقال أن البقاء كان يكون محتاجا إليه سوى ما ذكرناه والبقاء لو احتاج إلى معنى، فذلك
المعنى كان لا يمتنع حصوله في الأول. فإن يصح أن يوجد البقاء في الأول وفي ذلك كون الجوهر باقيا في الأول، إذ لا حكم لذلك المعنى، يجب عن جنسه إلا كون الباقي باقيا، لو كان الباقي باقيا لمعنى. ولا يمكن أن يقال: إن حكمه الراجع إلى جنسه الوجود لأن تعلق الوجود بمعنى يؤدي إلى ما لا نهاية له على ما نبينه من بعد، ففارق بهذا العلم والحركة. فإن الجنس عندما يصح الوجود عليه في الأول والحكم الموجب عن الجنس كون المعتقد معتقدا وكون الكائن كائنا. ولو كان ما يجب عن جنس البقاء كون الباقي باقيا، لكان باقيا في الأول، إن وجد المعنى في الأول. أيضا الباقي لو كان معنى فمع وجود قبيله يجب وجود الجوهر في الثاني وفيما والاه من الأوقات. وإن لم يوجد ذلك القبيل، لم يوجد ولا وجه يعقل لما ذكرناه إلا كون المعنى علة في الوجود. ولو كان علة لذلك لكانت العلة إن كانت باقية، فيجب أن يكون لها بقاء، لأن ما يقتضي ذلك في الجسم كان يكون
قائما فيها، وفي ذلك حلول البقاء فيها وذلك يمتنع. ولو كانت غير باقية وكانت تتجدد حالا فحالا وجب تجدد وجود الجسم حالا فحالا وقد بينا بطلان ذلك. ولا يمكن أن يقال: إن مع وجود الجوهر يكون الجوهر موجودا على طريقة واحدة. ولولاه لما وجد وليس الكون علة في وجوده، وذلك أن لذلك وجها وهو التضمين. ولا يمكن أن يقال في البقاء أن الجوهر مضمنا به لأن ذلك يقتضي امتناع وجوده إلا معه. ولو كان وجود الجوهر مضمنا بالبقاء، لكان البقاء إذا لم يبق، فيجب عدم الجوهر كعدمه.
الفصل الثاني والسبعون في أن الجوهر لا يحتاج في بقائه إلى معنى كالاعتماد
يدل على ذلك أنه لو احتاج في بقائه إلى معنى لكان لا يمتنع أن ينتفي بانتفاء
ذلك المعنى، وإلا لم يكن إلى الحاجة طريق. ولو كان ينتفي بانتفاء ذلك المعنى لكان ذلك المعنى إما أن ينتفي بانتفاء ذلك المعنى، إما أن ينتفي بأن لا يصح عليه البقاء، ولو كان الجوهر محتاجا إلى ما لا يصح بقاؤه لوجب عدمه في الثاني، أو أن ينتفي بانتفاء عين الجوهر. وعلى هذا وفي ذلك وجود ما لا يتناهى أو أن ينبغي بضد، والضد يجب أن يحل محله حتى ينتفي، وذلك يمنع من كون الجوهر منتفيا به فقد صح أن الجوهر لا يحتاج في بقائه إلى معنى. وأحد ما اعتمد في ذلك أنه لا يصح كون الشيء محتاجا إلى غيره بعد ما لم يكن محتاجا إليه إلا وقد حصل تغير وقد تجدد أمر، فالجوهر إذا بقي فلم يتجدد أمر من الأمور يرجع إلى غيره تجدد، فيقال: يحتاج الآن إلى الوجود ولم يكن محتاجا إليها لما كان الثقل يجب هويه مع السلامة متى لزمه الاعتماد. وليس الهوي فيه عارضا كما يعرض في النار والهوي وقبل لزوم
الاعتماد. وليس هذا حاله، أعني في وجوب هويه مع السلامة. والذي ينصرف القول بأن الشيء إذا احتاج إلى غيره بعد ما لم يحتج إليه، فلا بد من تجدد أمر ليس إلا أنه لولا أمر لم تكن الحاجة في أحد الحالين أكثر من الحاجة في الآخر. ويمكن أن يقال في ذلك: جوزوا أمر يقتضي ذلك لا تعرفونه، كما قلتم في حاجة الحياة إلى الروح دون غيره. وعلى هذا تأول شيوخنا رحمهم الله قوله تعالى ( يسألونك عن الروح ) أنهم سألوه عن علة حاجة ما يختص به أحدهما مما يحتاج إلى الروح.
الفصل الثالث والسبعون في أن الجوهر لا ينتهي إلى حال يجب عدمه
ما تعدى في وجوده وقتا واحدا فلا ينحصر أوقات صحة وجوده، لأنه لا مقتضى للحصر. وهذه هي الطريقة في أن ما تعدى الواحد في التعلق لا ينحصر متى لم يكن للحصر
مقتضى معقول، فلما تعدى الجوهر في صحة وجوده الوقت، وجب أن لا ينحصر في أوقات صحة وجوده. ولو انتهى الجوهر إلى وقت، يجب عدمه، لكان أوقات صحة وجوده محصورة، ولا يمكن أن يقال: إن أوقات صحة وجوده لا تنحصر. وإن وجب عدمه في بعض الأحوال،فإنه كان يصح أن يقدم على الوقت الذي يوجد فيه وعلى هذا، لأنه لا يصح تقدمه إلى ما لا أول. وقد اعتمد فيه على أن ما هو عليه في ذاته، إذا كان قد اقتضى صحة وجوده ودوام وجوده، فيجب مع ما هو عليه في ذاته صحة دوام وجوده، كما أن التحيز إذا صحح التحرك على الذات، فيجب مع التحيز صحة التحرك في كل حال وصحة دوام الوجود لا يمكن أن يقال أنه يرجع إلى الذات، لأنه كان يجب أن يكون المشترك فيه متماثل، وذلك مما لا ينبئ عن ما يجري مجرى النفي كالمخالفة،
وإذا كان الغرض بقولنا: يرجع إلى الذات، ما نقوله: إن ما هو عليه في ذاته لا يصح أن يقتضي صفة ويستحيل حصولها. وإذا كانت تلك الصفة تتعلق بالوجود فيجب صحة الوجود، فذلك إنما يقتضي أن تكون الذات يصحعليه الوجود وقتا واحدا، فتحصل تلك الصفة. ولا يمكن أن يقال: إن ما هو عليه في ذاته، إذا اقتضى صحة حصول الصفة، فليس صحة حصولها في أخرى، فيجب صحة الوجود في كل حال حتى تحصل تلك الصفة، فذلك يبطل بما لا يصح بقاؤه. وقد اعتمد فيه على غير ذلك مما يعترضه ما لا يصح بقاؤه، وليس بواضح في نفسه. فإنه لو اتضح في نفسه لوجب القول بما لا يصح البقاء بمثله.
الفصل الرابع والسبعون في بيان الوقت الذي يصح منه تعالى إيجاد الجوهر وما الوقت الذي لا يصح
اعلم أن إيجاد الشيء لا يصح على الوجه الذي لا يصح وجوده عليه. وقد بينا أنه يستحيل وجود الحوادث على حد لا يكون تعالى متقدما لها بما لا أول له من الأوقات، لو كان أوقاتا، وكيف يصح ذلك وفيه أن القديم لم يتقدم المحدث إلا بأوقات محصورة فيجب حدوثه، وقول من قال: إذا امتنع ذلك على الحد الذي ذكرناه وصح في الأوقات المحصورة، فلا بد من فاصلة وأن تنتهي إلى وقت، نقول: لم يصح إيجاده له من قبل بعيد لأن الفاصلة في ذلك إنما يجب أن تكون على الجملة. فإن إيجاب فاصلة على ما قالوه يؤدي إلى نفي فاصلة. وقد بينا أنه يستحيل وجود ما لا نهاية له. ويصح وجود كل قدر متناه، ولا يصح إثبات فاصلة إلا على الجملة. فأما تقدم وجود الجوهر قبل أن وجدنا أوقات محصورة
فكان يصح، ويصح منه تعالى إيجاده وتقديمه إليها. وكذلك ما عداه فيما يصح عليه البقاء من مقدوراته تعالى. ولا يتعلق بما لا يصح عليه البقاء. وإنما قلنا بذلك لأن القادر قادر عليه ولا وجه معقول يحيل وقوعه. فإنما يمتنع تقديم المقدور، إما لأن صحة حدوثه تختص بوقت لأمر يرجع إلى القدرة، أو لأن صحة وجوده تختص بوقت أو لتعلق ذلك المقدور بما هذا حاله. وإنما لا يصح أن يقدم ما لا يصح بقاؤه للوجه الثاني، وإنما لا يصح أن يتقدم ما يتعلق وجوده بما لا يختص صحة وجوده بوقت، كما نقوله عن الاعتمادات في الجهات الأربعة، وهي الاعتمادات التي لا يصح بقاؤها. فإن في صحة إعادته صحة إعادة ما
لا يصح بقاؤه وهو الانتقال. والصحيح أن المسبب لا يصح وقوعه إلا عن السبب على ما قاله الشيخ أبو هاشم رحمه الله في الأبواب. وإن كان قد قال رحمه الله خلاف ذلك في الجامع.
الفصل الخامس والسبعون في صحة الإعادة على الجوهر وما يتصل بذلك
قد بينا أن الجواهر يصح عليها التقديم، وذلك يقتضي فيها صحة التأخير وأنه لا يختص وجوده وحدوثه بوقت. فإذا صح أن الموجد إيجاده في الوقت التي نقول: إنه بعيد، فتقدم وجوده من قبل لا تأثير له في امتناع وجوده، إذ لا يغير حال القادر وحال المقدور وما لا يصح بقاؤه فالإعادة عليه لا تصح لأن صحة حدوثه تختص بوقت أو تتعلق بالوقت
أو تتعلق بالقدرة التي لا يصح أن يفعل بها من الجنس الواحد في المحل الواحد في الوقت الواحد إلا جزءا واحدا، وذلك أنه يصح بتلكالقدرة في الوقت جزءا واحدا يفعل بها. فلو أعيد بتلك القدرة غير ذلك لكان قد صح بها أزيد من واحد. وما لا يصح الإعادة في سببه فإنما لا يصح ذلك لتعلقه بما يختص صحة وجوده بوقت. أيضا أحدنا قبل علمه بصحة الإعادة يصح أن يعلم كون القديم تعالى عالما بجميع المعلومات وغنيا، فيعلم أنه يفعل الواجبات وتجويزه لأن يكون الثواب واجبا لا يفعله كتجويزه أن لا يفعل سائر الواجبات في أنه يبطل، إذا نظر في الدلالة وعلم المدلول. فإذا صح أن المعتبر في كون زيد زيدا الأجزاء، فلا بد من إعادة الأجزاء، وإلم تجب الإعادة إلا فيما
ذكرناه مما معه يصح كونه حيا. فأما الأطراف والسمن وما يجري مجراهما، فلا يجب فيه الإعادة، وإذا صح أنه تعالى يعيد، بطل القول بأن الإعادة لا تصح في الجواهر.
الفصل السادس والسبعون يتصل بذلك
فأما أن الجواهر إذا أعيدت، فلا تكون معادة إلا لمعنى. فإذا ثبت بما نبينه من بعد أن المحدث لا يصح أن يكون محدثا لعلة صح مثله في المعاد لأن كون المعاد معادا إنما ينبئ عن وجوده بعد وجود تقدم وبواسطة عدم، فلا صفة ولا حكم زائد على الحدوث. فليس ما قلناه: إنه لا يعلم معادا ولا يعلم ما ذكرناه ولا يعلم معادا. ولو كان المعاد معادالمعنى
لم يمتنع وجود ذلك المعنى في المبتدأ حتى يكون معادا، وفي الأعراض ما قد ثبت صحة إعادته مع استحالة تعلق المعاني بها وحلولها فيه، ولا يمكن أن يقال: إن الأعراض معادة لا لمعنى والجواهر معادة لمعنى كما قلتم في كون العالم عالما أنه قد يستحق لمعنى ولا لمعنى لأن الصفتين المثلين لا يصح كونهما مستحقين على حد واحد، وأحدهما لمعنى والآخر لا لمعنى. ولو ذلك لم يمتنع مثله في كون الكائن كائنا في الجهات وإنما لا يصح الافتراق في جهة الاستحقاق، إذا لم تكن الصفتان مثلين، إذا افترقا في جهة الاستحقاق يكون العالم عالما قد يجب وقد لا يجب، فالصفتان تفترقان في جهة الاستحقاق. ولا يمكن أن يقال أنه لما صح وجوده وهو غير معاد ووجوده وهو
معاد فلا بد من معنى لأن الذي تجدد للمعاد في الحال ليس إلا الوجود. وما عدا ذلك مما يفيده الوصف بأنه معاد وهو تقدم وجود وتوسط العدم متقدم فلا يتجدد أمرا زائدا على الوجود في الحال، فيقال: لما تجدد ذلك ولم يكن متجددا مع الحالين، فلا بد من معنى، وإلا بطل طريق إثبات المعنى.
الفصل السابع والسبعون في أن الجوهر لا يصح أن يكون موجبا عن علة
لو كان محدثا لمعنى لوجب في الحدوث مثله، لأن ما يقتضي ذلك في الجوهر لو كان له مقتضى حاصلا في الحدوث وليس المعتبر في ذلك إجراء الوصف على الشيء بأنه محدث، فيقال: إنه لا يقول في الحدوث أنه محدث وإنما المعتبر هو المعنى. ومثل ما قد حصل للجوهر من الوجود عن عدم كان قد حصل لذلك المعنى.
فإنه لو كان معدوما لم يختص الجوهر ولم يكن بأن يوجب الحدوث في الوقت الذي حدث فيه أولى من أن يوجبه من قبل، لأن العدم لا ابتداء له، ولو كان قديما لكان الجوهر قديما. أيضا لو اقتضى حدوث الجوهر معنى لوجب مثله في السواد وغيره. ولو كان السواد حادثا لمعنى لحله المعنى، لأن غاية ما يمكن أن يقال أنه يحصل لو لم يحل محله. ولو كان كذلك لكان علة الحدوث تحله لأن اختصاصه به أبلغ. وفي ذلك بطلان المحل ببطلان ما يحله لأنه كان ما له حدث قد بطل، وفي ذلك استحالة وجود البياض في المحل الذي كان فيه السواد. ولو كان المحل لا يبطل ولم يكن ذلك المعنى علة لحدوث المحل وكان يختص بكونه علة لحدوث السواد، لم يمتنع مع وجود الكون في المحل أن يخلو من الألوان بأن يعدم
من المحل المعنى الذي لوجوده كان السواد موجودا. ولا يجب أن يخلفه لون آخر لأن القادر عليه يصح أن يفعل وأن لا يفعل ويكون مثل ذلك في الأكوان. أيضا الجنسين لا بد من انفصالهما من الجنس الواحد والحدوث والمحدث الذي هو المعلول على هذا القول جنسين، فيجب لو كان صحة وجوب الحدوث مع عدم جنس المعلول، إذ صحة وجود جنس المعلول مع عدم الحدوث وجنس الحدوث لو وجد ولا معلول، فقد حصلت العلة ولا معلول وجنس المعلول لو حدث ولا علة فوجه الحاجة إلى الحدوث حاصل ولا علة. أيضا قد اعتمد في ذلك على أن في تعلق المحدث بحدوث نفي تعلقه بالفاعل، لأن ما تعلق بعلة فلا تؤثر فيه أحوال الفاعل وهو تابع للعلة، فإنما يحصل الفاعل شرط. فإذا حصل الشرط فالصفة تحصل
عن ذات العلة، لا عن الشرط، والسبب لا يوجب المسبب، والمسبب تابع لحال القادر، وإنما ذلك كالآلة. ولو كان موجبا لما صح فيه المنع والسبب مفارق لمعلول العلة في التعلق بالفاعل. أيضا معنيين، إذا كان حدوثهما معا وكان عدمهما معا ولا انفصال لأحدهما من الآخر بوجه معقول سوى ما ذكرناه، فإن أحدهما لو كان علة الآخر وجب كون الآخر علة له، والمحدث لو كان محدثا بحدوث لكان لا يصح وجود المعنى إلا مع وجود ذلك المحدث ولا وجود ذلك المحدث إلا مع وجود المعنى لأن في الأول حصول العلة ولا معلول وفي الثاني حصول المعلول على حد يقتضي العلة بلا علة. وقد علمنا استحالة كون كل واحد من
المعنيين علة للآخر.
الفصل الثامن والسبعون في أن الجوهر لا يصح وجوده عن سبب
لو وجد عن سبب لكان ذلك المعنى لا جهة له لأنه كان يجب أن يكون من جنس الاعتماد، والاعتماد لو ولد الجوهر لصح أن نفعل الجوهر، لأنا نقدر على الاعتماد وذلك لا يصح. فإذا كان يجب أن يكون المعنى لا جهة له وجب كونه موجودا بحيث الجوهر حتى يولد، وإلا لم يكن بأن يولد جوهرا في جهة أولى من أن يولد جوهرا في جهة أخرى، وفي ذلك وجود ما لا نهاية له. ولو كان موجودا بحيث يوجد الجوهر، فإن وجد الجوهر معه في الحال فقد حله، فالحال يستحيل وجوده لا في محل، والسبب يجب وجوده مع عدم المسبب، وإلا بطل
كونه سببا له ولم ينفصل من المسبب ما يقتضي كون أحدهما سببا والآخر مسببا. وإن لم يوجد الجوهر معه فليس هو حال، فكان لا يختص بتلك الجهة، إذا لم يكن من قبيل الجواهر. وقد بينا أنه لا يصح كون الجوهر مولد للجوهر، فإذا كان ذلك المعنى، لو ولد الجوهر، لم يكن من قبيل الجوهر، فكان يجب أن لا يختص بجهة دون جهة لم يكن بأن يولد جوهر فيجهة أولى من أن يولد جوهرا في آخر. وقد قيل في هذا الوجه الآخر: إنه كان يجب لو كان يولد الجوهر في الثاني بحيث هو أن يكون منتفيا، متى لم يصير حالا، إذا وجد الجوهر في بقائه بحيث هو وذلك لا يصح، وأنه لا يمكن أن يقال: إن المعنى يفنى في الثاني فيوجد الجوهر مع عدمه وأن يجري المعنى مع الجوهر مجرى النظر مع العلم، فإن النظر يوجد في الأول
ويعدم في الثاني يتولد العلم، وذلك أن في حال التولد وفي حال وجود المتولد كان لا يكون اختصاص، فكان لا يكون بأن يحصل التوليد في جهة أولى من أن يحصل التوليد في أخرى، والنظر وإن عدم في حال وجود ما يتولد عنه فقد حصل اختصاص، إذ قد جمعهما محل واحد، فهو كان العلم كالسواد إذا وجد في محل قد كان فيه البياض أنه مناف للبياض لأن محلا واحدا قد جمعهما، والأول كالسواد لو كان موجودا لا في محل ثم وجد البياض أنه كان ينفيه. ويمكن أن يقال: إن الجهة الواحدة تجري مجرى المحل الواحد، فيوجد الجوهر بحيث وجد المعنى، لو صح وجود المعنى في جهة وإن لم يكن من قبيل الجواهر، والسواد والبياض أيضا حصول أحدهما بحيث حدث الآخر، لو صح ذلك يجري مجرى أن يجمعهما محل واحد. ولذلك كان لا
يكون كذلك ونحن نرجع في مضادة السواد للبياض الحال في محله إلى أنه لو لم ينفيه لكان واحد منهما يدرك بحيث يدرك الآخر، وذلك يقتضي حصول أحدهما بحيث يحصل الآخر. وإلم يكن محل لحصوله بحيث هناك محل، والمعتمد في ذلك ما قدمناه. أيضا معنى من المعاني لو ولد جوهرا لكان يولد الكون، وإلا كان الجوهر قد وجد ولا كون، ولو ولد المعنى الكون لكان قد شارك الاعتماد في توليده له، فكان يجب أن يشاركه الاعتماد في توليد الجوهر، وذلك لا يصح. ولا يمكن أن يقال: إن الفاعل للجوهر إذا دعاه الداعي إلى إيجاد الجوهر، فيفعل ما لا يتم وجوده إلا معه وهو الكون، لأنه كان يستحيل أن لا يفعل ذلك ويفعل السبب. ولا يمكن أن يقال: إن وجود الكون شرط في
توليد الجوهر لأن المولد يجب أن يكون له تأثير في الشرط، لذلك كان انتفاء الصحة شرط في توليد الألم دون غيره لما كان التفريق يؤثر في انتفاء الصحة دون غيره. وكذلك القول في المصاكة التي هي شرط في توليد الاعتماد، وكذلك القول في مماسة محل الاعتماد لمحل الكون، والذي لا يتم فيه هذا الوجه النظر، فإن العلم بالدلالة على الوجه الذي تدل لا يؤثر النظر فيه. وقد ذكر في المغني على ما أظن أنه يمكن أن يقال: إن النظر يولد الاعتقاد، فإن كان الناظر عالما بالدليل على الوجه الذي يدل، كان الاعتقاد علما، وإلا فلم يحصل على هذا الوجه العلم بالدلالة على الوجه الذي تدل شرطا في التأثير. أيضا الجوهر لو ولده معنى لصح أن يولده ما لم يعقل وما يعقل إما القديم تعالى أو الجوهر أو
الأعراض المعقولة. والقديم تعالى لا يصح أن يولد شيئا، لأن ذلك نفي تقدمه للمحدثات بما لا أول له من الأوقات، لو كان أوقاتا، وفيه أيضا نفي تعلق المعنى المتولد بالمحدث لأنه كان لا يكون متعلقا بالفاعل بنفسه ولا بواسطة. والجوهر لو ولد جوهرا وجب وجود ما لا نهاية له، لأن الجوهر الثاني كان يجب أن يولد جوهرا آخر. وعلى هذا كان يكون توليد الكل في الحال، لأنه لا مقتضي للتراخي، فيفارق ما نقول: إن الاعتماد يولد الاعتماد في الثاني ويولد إلى أن يحصل منع مع أنه كان يجب أن لا يكون الجوهر المتولد عنه بأن يتولد في جهة أولى من أن يولد في أخرى، لأنه إذا لم يولد بحيث السبب ولا يصح ذلك فيه ولا جهة للمسبب ولا
مخصص. والأعراض التي تحل الجوهر لو ولد أحدها الجوهر لكان يولد في محله، وذلك يؤدي إلى أن يكون قد ولد ما لا يصح وجوده إلا معه. ولا يمكن أن يقال: إن الاعتماد يولد الجوهر، فيولد جوهرا في جهة ولا يجب كونه مولدا لمحله، لأن الاعتماد لو ولد الجوهر لصح أن يفعل الجواهر، إذ يقدر على أجناس الاعتمادات وما يوجد لا في محل من الأعراض وهو الإرادة والكراهة والفناء لو ولدت الجوهر لكانت إنما تولده لتعلقه به، فكان يجب في إرادتنا مثل ذلك وما يحل المحل قد بينا أنه لا يصح أن يولد الجوهر والسبب من حقه أن يولد المسبب لما هو عليه ولا يختص بعض الجنس بأن يولد دون بعض. وكيف يصح فيما يجانس الإرادة الموجودة لا في محل أن يمتنع
فيه التوليد، ولا يمكن أن يقال أنه قد حصل فيما منع، إذ هو حاله في المحل، لأن المنع يجب صحة ارتفاعه والألم ينفصل ما هو منع مما ليس بمنع ولمثل ذلك لا يصح في الكراهة أن تكون مولدة للجوهر. والفناء لو ولد للجوهر لكان قد ولد ما يضاده وموضوع الضد أن يمنع من الضد. فكيف يصح أن يولده مع أن الفناء والإرادة والكراهة لا يصح كونها في جهات، فيتولد الجوهر بحيث هي.
الفصل التاسع والسبعون في أن الجوهر لا يصح كونه مقدورا بقدرة
لو صح فعل الجوهر بقدرة لصح فعله بقدرنا لأن القدر وإن اختلفت فلا تختلف مقدوراتها، وإن ما في اليمين بخلاف ما في اليسار لتغاير متعلقهما. لو كان جنس يصح أن يفعل بأحدهما يصح أن يفعل بالأخرى وجب ما قلنا
فيها لكونها مما يصح وقوع الفعل بها وكونها قدرا لأن العلم والإرادة يشاركاه في الوجود والحدوث وسائر الصفات والأحكام المعقولة التي يمكن أن يقال: إن هذا الحكم يتبعها ويفارقها في هذه القضية لما كان مفارقا لها فيما ذكرناه، وذلك يقتضي أن كل قدرة هذا حكمها. ولو صح أن يفعل ببعض القدر الجواهر لصح ذلك بقدرنا وكان لا يمتنع وقوع الجواهر منا. ولا يمكن أن يقال: إن ذلك تعذر عليكم لفقد العلم، فإن فقد العلم إنما يؤثر في ترتيب الفعل لا في وقوعه، إذ لو أثر العلم في وجود الفعل لكان من قبيل القدر مع أنا نعلم الجسم وصفاته وأحكامه، ولا أن يقال: إنه تعذر عليكم لفقد آلة، لأن فقد الآلات إنما يؤثر في وقوع الفعل على وجه إذ يصح جنس ما يوجد بآلة، لا كآلة، ولا يقال: تعذر لأن ما في المحل من الاعتمادات يكثر ولا يصح أن نفعل بالبعض
دون البعض وفي فعلنا الكل اجتماع أجزاء في جهة، لأنه كان يجب أن لا يمتنع أن توجد جواهر في جهة الاعتماد وفي ذلك السمت. وليس يجب أن لا يفعل بالاعتماد إلا في أقرب المحاذيات التي تحلها. فإنا نحرك الرمح باعتماد أيدينا ولأنه كان يجب أن تستمر الحال في تعذر الجسم، بل كان لا يمتنع أن يصح منا أن نجعل اعتماد ما في محل القدر، في خلاف جهتها، يعادل كل ما فيها إلا واحد إما الثقل أو غيره من الاعتمادات المجتلبة وإن وقع الجوهر ببعض جوارحنا على هذا الحد. وقد أجيب في ذلك بأن كثرة ما يصحح الفعل لا يصح أن يكون له تأثير في منعه وقلته له تأثير في تجدد وقوعه ويجري ذلك مجرى قول من يقول: لكثرة القدر تأثير في امتناع حمل الجسم ولقلتها تأثير في صحة حمله. وهذا كله على مذهب
الشيخ أبي هاشم. فأما على طريقة الشيخ أبو عبد الله رضي الله عنهما فيصح أن نفعل ببعض القدر الحالة في الجارحة دون بعض. ولا يمكن أن يقال: هو ذا يفعل الأجسام وتثبت في الجو، لأنه كان لو أدخلنا أيدينا بعض الظروف وشددنا رأسه على عصرنا أن يمتلئ من الأجسام، إذا كثرت اعتماداتنا وأن يكون ما يحصل فيه أزيد مما يحصل فيه بالنفخ مع أنه لو صح أن نفعل الأجسام، لصح أن نفعل فيها ما معه يكون التأليف صلابة فيوجدها مع التأليف، وذلك كان لا يثبت. وقد تقصى الكلام في هذه الطريقة في المغني. أيضا لو صح أن نفعل الجسم بقدرنا، لكنا نفعل فيه السكون في الحال، لأن من أوجد الجوهر فقد صيره على الصفة الموجبة عن الكون، فيجب
كونه فاعلا لما به يصير كذلك، وقد تقدم شرح ذلك. فالكون لا يصح أن يفعله في الجوهر في ابتداء حال وجوده، لأن المماسة التي هي شرط توليد الاعتماد في الغير يحتاج إليها في حال السبب حتى يحصل معنى الاعتماد على المحل، فيحتاج إليها لأمر يرجع إلى السبب. وذلك يقتضي حصولها معه. وفي حال وجود الاعتماد الجسم معدوم، لأن الاعتماد يولد في الثاني. فكيف يصح أن يماس المعدوم حتى يولد الكون؟ ولا يمكن أن يقال: إن هذا جهة منع والجوهر مقدورا لكم، لأن ما تأثيره تأثير الموانع يجب صحة ارتفاعه. أيضا لو صح أن نفعل الجوهر، لكنا نولده، لأن الجوهر لا يصح وجودهما في جهة واحدة. فلا يصح القول بأنا نفعله في محل القدرة ولا مبتدأ إلا ويوجد بحيث
القدرة ولو صح أن نفعل الجوهر متولدا، لكنا نولده بالاعتماد، لأن ذلك هو الذي تعدى به الفعل عن محل القدرة، فكان لا يكون الاعتماد بأن يولد الجوهر في جهة في ذلك السمت أولى من أن يولده في أخرى. ولا يمكن أن يقال: إنه يولده في أقرب المحاذيات إلى محل القدرة، لأنا نولد باعتماد اليد في طرف الرمح. ولولا أن الأمر كذلك لتراخى التوليد فيه. أيضا لو صح أن نفعل الجوهر لكان أحدنا لو حاول إيجاد جوهر في جهة وقصده وقصد تعالى إيجاد جوهر فيجهة، وجب أن يمتنع عليه تعالى إيجاد ما قصده وأن يكون قد لحقه المنع من جهتنا، كما قد لحقنا المنع من جهته. ولا يمكن أن يقال: إنه تعالى يصح ذلك منه بأن يوجد أزيد مما يقدر عليه من الأكوان، لأن الكون
كان يجب أن يكون هو المنع أو هو الزائد على ما نقدر عليه من الأكوان. والجوهر ليس له هذا الحظ، والكون ليس بضد الجوهر ولا يجري مجرى الضد. وكيف يصح ذلك فيه مع أن الجوهر على الصفة التي لكونه عليها يحتمله؟ ولا يكون منعا يصح أن يكون منعا من الكون، لأن الكونين في جهة واحدة من جنس واحد، كالشيء، إذا لم يمنع من مخالفه، فكيف يمنع من مثله؟ أيضا لا بد من أن يكون لنا طريق إلى الفصل بين الأجناس التي نقدر عليها وبين ما لا يصح أن نقدر عليه عقلا، ليصح منا القصد إلى فعل ما نقدر عليه والانصراف عنه بالكراهة وليصح أن نؤمر به وننهى عنه على حد يحسن الأمر والنهي. ولا نعلم ضرورة صحة الجسم منا ولا طريق إليه استدلالا. وقد اعتمد في ذلك على أنا لو قدرنا على الجسم
لقدرنا على الفناء، ولصح أن نفني أنفسنا وسائر الأجسام، لأن القادر على الشيء قادر على جنس ضده. وهذا يبعد الاعتماد عليه، لأن الفناء إنما يعلم مفصلا. إذا علم صحة السمع ومع تجويز كون الأجسام مقدورة للعباد، لا يصح صحة السمع. وكيف يعلم ذلك مع تجويز وقوع المعجز من الأجسام والطريق في أنه لا يصح منا التعدد، وهو الجسم. وقد اعتمد فيه على غير ذلك، والمعتمد ما قدمناه
الفصل الثمانين في أن وجود الجوهر لا يجب وأنه يحصل باختيار فاعله
لو وجب وجود الجوهر لكان وجوبه راجعا إلى الذات، لأنه كان لا ينفصل مما قد ثبت رجوعه إلى الذات. ولو قدر رجوعه إلى الذات لم يكن حاله إلا كحاله. فلو رجع إلى الذات لوجب وجوده لم يزل، لأنه لا
يمكن أن نقول: إن وجوده يتعلق بشرط، لأنه لا شرط يعقل يمكن تعليق ذلك به ويفارق التحيز لأنه يتعلق بالوجود، والوجود لا يصح كونه شرطا بالوجود. أيضا يصح أن يعرف القديم تعالى بالأعراض التي تتعذر علينا وأن نعلم وجوب وجوده وأن ذلك راجع إلى ذاته، فيعلم أن الأجسام لو وجب وجودها، لكانت مثلا له تعالى وكانت تستحق ما استحقه تعالى لذاته. واعلم أنه متى علم بالطريقة الأولى أن وجود الجوهر لا يجب وإن حدث مع جواز أن لا يحدث، فلا بد فيحدوثه من فاعل. ولا يصح أن يتعلق حدوثه بعلة، لأن العلة كانت لا تكون بأن تكون علة لحدوثه أولى منه بأن يكون علة لحدوث العلة. وقد ثبت أن
XIX
تصرفنا يحتاج إلينا ويتعلق بنا لحصوله بحسب أحوالنا على حد لو تعلق بنا ما زاد حاله على ذلك. وفي ذلك تعلقه بنا، وحدوثه هو الحاصل بحسب أحوال الفاعل على الحد الذي ذكرناه. قال: طريقه حاصلة فيه. ولا يمكن أن يقال أن حدوثه لا يتعلق بنا وقد أسقط ما ذكرناه كل ما يسأل في هذا الباب، لأن تصرف الأجير لا يحصل بحسب أحوال من استأجره على حد لو تعلق به ما زاد حاله على ذلك، إذ لا يمتنع أن لا يختار الأجير فعل ما أراده وتصرف الملجأ. وإن وجب فلا يقع بحسب حال من الملجئ على حد لو تعلق به ما زاد حاله على ذلك، لأنه لو تعلق بالملجئ لكان المعتبر أحواله دون أحوال الملجأ. وكذا ما هو من جهة الملجئ يحصل ولا يقع الفعل
من الملجأ، إن لم يحصل أحواله كعلمه أو ما يجري مجراه. وإذا صح أن حدوث تصرفنا يتعلق بنا وصح أنه يتعلق بنا لحدوثه، لأنه إنما يحتاج إلينا، ليحدث. فحدوثه هو المقتضي للفاعل ولأحواله ولأنه لو كان قديما أو مستمر العدم لم يحصل ما ذكرناه وإن لم تحصل سائر الأمور المعقولة ومع الحدوث يجب ما ذكرناه وإن لم تحصل سائر الأمور المعقولة صح أن الأجسام لما شاركها في الحدوث، فمتعلق باختيار فاعلها. وصح مع ذلك نفي وجوب حدوثها، لأن ما يجب لا يتعلق باختيار فاعله. ولا يمكن أن يقال: إن علة حاجة تصرفنا إلى فاعل حدوثه مع جواز أن لا يحدث ولم يثبت لكم في الجوهر مثله، لأنه لا يحتاج إلى الفاعل في جواز أن لا يحدث، إذ المستمر العدم هذا حاله، فإنما يحتاج إليه في أن يحدث،
فحدوثه هو المقتضي ولا مدخل لجواز أن لا يحدث في ذلك . فأما في إثبات الأعراض، فشرط جواز أن لا يحصل الصفة في الدلالة. وما ذكرناه في الجوهر هو على طريق التعليل، فأين أحدهما من الآخر؟ وتجدد ذلك مع جواز أن لا يتجدد. إنما يقتضي أمر ما لا وجها مخصوصا والقول بأن ذلك يقتضي التعلق بالفاعل ويدل عليه. أيضا بعيد، وكيف يمكن أن يقال: إنه إنما يعلم التعلق بالفاعل في تصرفنا، إذا علم جواز أن لا يحدث مع أن العلم بجواز أن لا يحدث، إنما يحصل وقد علم التعلق. وطريقة التعليل ثابتة لذلك وبين ما قلنا أن ما له مدخلا في اقتضاء الفاعل يجب كونه متجددا، وذلك لا مدخل لاستمرار
الوجود في ذلك. وكان لتجرده مدخلا فيه. وقد علمنا جواز أن لا يحدث ليس بمستغرب، فلا يصح أن يكون له مدخل في ذلك حتى يعتبر مع الحدوث. ولو صح أن العلة في تعلق الحوادث التي تقع منا بالفاعل وبأحواله الحدوث مع جواز أن لا يحدث. وقد دللنا بما قدمنا في أول الباب أن الأجسام حدثت مع جواز أن لا تحدث. ولو جوزنا وجوب حدوث الأجسام، فنعلم في كثير من الحوادث التي تتعذر علينا أنها لم يجب حدوثها، فظن من يظن أن تجويز ذلك يؤثر في معرفة الصانع جل وعز في نهاية البعد.
الفصل الثاني وثمانين فيما يجب إعادته من الجواهر وما لا يجب وما يتصل بذلك
كل من له حق لا يوفده تعالى عليه ولا يوفده إلا في الآخرة فلا بد من إعادته ليوفده تعالى عليه لكن من الحقوق ما ليس يمتنع توفيده في الدنيا وقبل الآخرة لانقطاعه في من لهما هذه حاله لا نقول وجب إعادته على كل وجه يفارق ذلك الثواب الذي لا انقطاع له وقد ثبت وجوب العوض والثواب وإن متى لم يفعل كان الألم المفعول والمشقة التي ألزم المكلف في أنه كان يستحق به الذم كما قد عرف في الشاهد وعلم كونه ظلما هو الآلام المحضة التي ليست بمستحقة وإلزام الشاق بلا نفع أو ما حكمه حكمه وقد علمنا حكمته تعالى وأنه لا يفعل القبيح إذ هو عالم بقبحه وبغنائه عنه ولا داعي له إليه وقد علم أن أحدنا مع أن حاله ما
ذكرناه لا يصح أن لا يختار القبيح لعلمه بقبحه وبغنائه لأنه لو تغير حاله في ذلك يصح أن يؤثر مع سائر أحواله سوى ما ذكرناه على سواء في الحالين. ويعلم أنه تعالى يفعل الواجب لعلمه بوجوبه وبأنه غني عن أن لا يفعله، وهذا كله في نهاية الوضوح. وقد ثبت أنه لا يصح كونه تعالى فاعلا لهذا الواجب الذي هو الثواب إلا مع الإعادة، فإن قد ثبت أن مع تبدل الأجزاء كلها لا يكون الحي ذلك الحي الذي فعل ما استحق به ذلك. فأما العوض فقد بينا في غير موضع أنه لا يمتنع أن يفعل قبل الآخرة لانقطاعه، وإن كان متى لم يفعل فلا بد من إعادته، وما يجب إعادته هو أقل ما معه يصح في ذلك الحي كونه حيا من الأجزاء، وهذه الأجزاء لا يصح
أن تكون مرة زيدا و مرة عمرا. فأما السمن والأطراف فلا مدخل لها في ذلك كما لا مدخل لها في الذم وقد يفعل القبيح أو الواجب وهو مهزول ثم يسمن ولا تتغير حاله فيما يستحق على ذلك ولا وجه لوجوب إعادته ما هذا حاله. فأما الحياة فإن جاز ما به يحيا هذا الحي أغنى بألا يسد مسدها غيرها في ذلك فيجب إعادتها، وقد حكى الشيخ أبو عبد الله عن الشيخ أبي هاشم رضي الله عنهما وجوب إعادة الحياة وإن لم يكن أغنانا بل يصح أن يحيا بغير ذلك لم يجب إعادتها، فأما اعتبار التأليف في ذلك على ما بنى عليه الشيخ أبو هاشمكتابه في الإنسان فهو مع ما أنه لا تعلق له بالجملة كاعتبار الحركة، والذي يقرب أن يقال أنه يعاد
هو الحياة، فقد بينا كيفية القول فيمن له حق. فأما من الحق عليه فقد ثبت أنه ليس بواجب عليه تعالى أن يعاقب وقد ثبت أن العقاب يسقط بإسقاطه كالدين لأن الدين إنما يسقط بإسقاط من له الدين لأنه حق له وليس في إسقاطه إلا سقوطه بتوابعه، وأنه لو لم يكن حقا له لم يسقط بإسقاطه ولو كان في إسقاطه سقوط حق ليس بتابع له لم يسقط، فلهذا يسقط العقاب بأن يسقط الذم، ومع ما ذكرناه يسقط الدين فإنما يسقط بإسقاط صاحبه لهذه العلة والعقاب مشارك له في ذلك. ولا يمكن أن يقال أنه تعالى لو أسقطه لاستحق الذم وإن كان لو أسقطه لسقط لأنه لا وجه لوجوب استيفائه وإسقاطه في حكم الإحسان
ناپیژندل شوی مخ