قضى فريد معظم نهار السبت المقدس قلق البال، مشتت الأفكار، فإذا جلس إلى الطعام جلس كئيبا شاحبا، وإذا تمشى في الحديقة الصغرى تمشى صامتا مفكرا! ذلك لأن الساعة التي يرغب فيها قد حانت ولم يبلغ لبانته. وفي المساء قالت له السيدة فارس وهي تسكب الحساء: يجب أن تسرع في تناول الطعام يا فريد وتتبع نجيبا وأديبا وعزيزا إلى جونية، حيث يودون أن يعترفوا بخطاياهم.
قالت ذلك في حين كان أولادها يأكلون إلى جنب والدهم الصامت!
فنهض فريد بعد هنيهة ونظر إلى فارس نظرة طويلة، وقال في نفسه: لقد حبطت مساعي وتلاشت أحلامي الجميلة! ولكنه تشجع وقال في نفسه: لا يجب أن أخنق في صدري ما يختلج فيه، فلأجاهر به عاليا! ثم التفت إلى فارس بعيون طافحة بالعبرات، وقال له: إذن فلم يبق سواك والسيد بطرس راغبين عن تتميم واجبكما في هذا الفصح، يا والدي العزيز؟
فدهشت السيدة فارس من جرأة فريد ومن دموعه السخينة، فنظرت إلى زوجها بحزن وكآبة. أما فارس فانتصب على قدميه في وسط الغرفة، وقال بصوت يختنق: من قال لك إنني أرغب عن تتميم واجبات فصحي؟ لا، بل إنني مصمم نيتي، وسأعترف كسائر رفاقي ... فتعالوا جميعكم وعانقوني.
فانطرحت زوجته بين ذراعيه وقد ملكتها هزة فرح وغبطة ليست من هذه الحياة، فكان فريد ينظر إليهما معانقا كل منهما الآخر، وقد أيقن أن الله حباه تلك النعمة العظيمة التي أدبت التعزية في قلب متبنيه، فترك شفتيه تتمتمان بهذه الكلمات: شكرا لك يا الله! شكرا لك!
عند هذا خيل إلى فريد أنه يلامس بيده قوة الصلاة المضطرمة الثابتة، تلك القوة التي لن تقهر والتي بيدها مفاتيح السماء.
همست الزوجة السعيدة في مسمع زوجها هذه الكلمات: آه يا فارس! إن حلم حياتي قد تحقق! فسنكون من الآن فصاعدا روحين في جسد وقلبين في صدر!
فبكى فارس كولد صغير. أما الأولاد الأحداث فكانوا ينظرون إلى هذا المشهد الملآن عاطفة بدون أن يفهموا معناه، ولكنهم شعروا بأنه ساعة فرح وعذوبة، فاقتربوا من والديهم كتلة واحدة، وبسطوا أذرعهم الصغيرة وشفاههم الوردية كأنهم يستمنحون القبل.
فقال فريد ثانية: شكرا لك يا الله!
لم يعرف عبارة غير هذه يحمد بها الله؛ لأن الفرح والسرور كانا يتدفقان من عينيه كينبوع لا يعرف النضوب.
ناپیژندل شوی مخ