فإن الله تعالى خلق الإنسان، وجعله خليفته في الأرض، فكان له دور السيادة والقيادة لهذه المخلوقات التي خلقت معه تشاركه ظهر المعمورة من سكن وطعام وشراب، فكان هو المكرم والمشرف من بينها وليس ذاك إلا لكونه هو صاحب الصدارة فيما أعطاه الله من فهم وإدراك وتقدير قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} [سورة الإسراء: 70] فالإنسان إذن ينشد دائما معرفة ذاته، ويسعى ليبصر حقيقة وجوده، ليشكل من هذه المعرفة منظارا يتوجه به إلى العالم من حوله، ليلتقط به المشاهد والمناظر، فمن هذا المنظار الذي امتلكته من هذه المعرفة وتلك الحقيقة، حصل لي بسببه ومن خلاله رؤية بعض المشاهد الهامة في هذه الحياة، فكان المشهد الرئيسي مشهد العلم والمعرفة الذي يندرج تحته الكثير من الفصول، وكان لي موقف أساسي عند فصل واحد منها، وقفت عنده وقفة طالب علم يلتمس من هذا المشهد الحق والصواب، وهو فصل دراسة الفقه الذي من الله به علينا {وما كان عطاء ربك محظورا} [سورة الإسراء: 20] ولكي يكون للطالب قدم راسخة في الفقه كان لا بد أن يكون عنده إلمام بعلم القواعد الفقهية وشروحها.
ولذلك فإن بستان العلوم الشرعية كثيرة أزهاره، عظيمة أنواره، ولعل أسمى ما في الوجود العلم والبحث في تلك العلوم. فالله عز وجل يرفع الذين أتوا العلم درجات، وإن من أجل العلوم الشرعية الفقه وأصوله، فلا عجب أن تكثر الدراسات حول هذين العلمين حتى لا تحصى، وأن تفيض القرائح والأقلام بالمؤلفات التي تتناولهما، فقد ألف العديد الجم من المصنفات، والتي سرى فيها أصحابها مناهج متنوعة من حيث التعمق، فمنها ما هو مسهب وشامل تقريبا، ومنها ما هو مختزل مقتصر على بعض المسائل، ومنها ما بين بين. هذا وقد كان من تلك المصنفات مخطوط: عمدة الناظر على الأشباه والنظائر: للسيد محمد أبي السعود الحسيني الحنفي 1172 ه رحمه الله، التي سأقوم بتحقيق جزء منها لنيل درجة الماجستير في الفقه، فاخترت القاعدة الثالثة منها تكملة لبعض زملائي في إكمال التحقيق لهذا المخطوط.
مخ ۴