فعلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت الأحكام تتلقى بما يوحى إليه من القرآن ويبينه بقوله وفعله بخطاب شفاهي لا يحتاج إلى نقل ولا إلى نظر وقياس ومن بعده صلوات الله وسلامه عليه تعذر الخطاب الشفاهي وانحفظ القرآن بالتواتر وأما السنة فأجمع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على وجوب العمل بما يصل إلينا منها قولا أو فعلا بالنقل الصحيح الذي يغلب على الظن صدقه وتعينت دلالة الشرع في الكتاب والسنة بهذا الاعتبار.
ثم ينزل الإجماع منزلتهما لإجماع الصحابة على النكير على مخاليفيهم ولا يكون ذلك إلا عن مستند لأن مثلهم لا يتفقون من غير دليل ثابت، مع شهادة الأدلة بعصمة الجماعة، فصار الإجماع دليلا ثابتا في الشرعيات ثم نظرنا في طرق استدلال الصحابة والسلف بالكتاب والسنة، فإذا هم يقيسون الأشباه بالأشباه منهما، ويناظرون الأمثال بالأمثال بإجماع منهم وتسليم بعضهم لبعض في ذلك، فإن كثيرا من الواقعات بعده صلوات الله وسلامه عليه لم يندرج في النصوص الثابتة فقاسوها بما ثبت وألحقوها بما نص عليه بشروط في ذلك الإلحاق تصحح تلك المساواة بين الشبيهين أو المثلين حتى يغلب على الظن أن حكم الله تعالى فيهما واحد وصار ذلك دليلا شرعيا بإجماعهم عليه وهو القياس وهو رابع الأدلة، واتفق جمهور العلماء على أن هذه هي أصول الأدلة وإن خالف بعضهم في الإجماع والقياس إلا أنه شذوذ.
وألحق بعضهم بهذه الأربعة أدلة أخرى لا حاجة بنا إلى ذكرها لضعف مداركها وشذوذ القول فيها فكان أول مباحث هذا الفن النظر في كون هذه أدلة.
فأما الكتاب: فدليله المعجزة القاطعة في متنه والتواتر في نقله، فلم يبقى فيه مجال للاحتمال.
وأما السنة: وما نقل إلينا منها، فالإجماع على وجوب العمل بما يصح منها كما قلناه معتمدا بما كان عليه العمل في حياته صلوات الله وسلامه عليه من إنفاذ الكتب والرسل إلى النواحي بالأحكام والشرائع آمرا وناهيا.
وأما الإجماع: فلاتفاقهم رضوان الله تعالى عليهم على إنكار مخالفتهم مع العصمة ... الثابتة للأمة.
مخ ۲۴