[٢٨] وبه ثنا المحاملي، ثنا عَلِيُّ بْنُ شُعَيْبٍ، نا سُفْيَانُ بن عُيينة، سمع
_________
= النَّبِيُّ ﷺ أن الناس لن يستطيعوا الاستقامة حق الاستقامة. كما خرجه الإمام أحمد وابن ماجه من حديث ثوبان عن النبي ﷺ قال: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن". وفي رواية الإمام أحمد ﵀: "سددوا وقاربوا ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن". وفي الصحيحين عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: "سددوا وقاربوا" فالسداد: هو حقيقة الاستقامة، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد كالذي يرمي إلى غرض فيصيبه.
وقد أمر النبي ﷺ عليًّا أن يسأل الله ﷿ السداد والهدى، وقال له: "اذكر بالسداد تسديدك السهم، وبالهدى هدايتك الطريق".
والمقاربة أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه؛ ولكن بشرط أن يكون مصممًا على قصد السداد وإصابة الغرض، فتكون مقاربته عن غير عمد، ويدل عليه قول النبي ﷺ في حديث الحكم بن حزم الكلبي: "أيها الناس، إنكم لن تعملوا ولن تطيقوا كل ما أمرتكم؛ ولكن سددوا وأبشروا" والمعنى: اقصدوا التسديد والإصابة والاستقامة؛ فإنهم لو سددوا في العمل كله لكانوا قد فعلوا ما أمروا به كله.
فأصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد، كما فسر أبو بكر الصديق وغيره قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ بأنهم لم يلتفتوا إلى غيره، فمتى استقام القلب على معرفة الله وعلى خشيته وإجلاله ومهابته ومحبته وإرادته ورجائه ودعائه والتوكل عليه والإعراض عما سواه استقامت الجوارح كلها على طاعته؛ فإن القلب هو ملِك الأعضاء وهي جنوده، فإذا استقام الملِك استقامت جنوده رعاياه، وكذلك فسر قوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ بإخلاص القصد لله وإرادته لا شريك له.
وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان؛ فإنه ترجمان القلب والمعبِّر عنه؛ ولهذا لما أمر النبي ﷺ بالاستقامة وصاه بعد ذلك بحفظ لسانه؛ ففي مسند الإمام أحمد عن أنس عن النبي ﷺ قال: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه". وفي رواية الترمذي عن أبي سعيد مرفوعًا وموقوفًا: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تفكر اللسان فتقول: اتقِ الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن أعوججت أعوججنا". "جامع العلوم والحكم ٢٤٦-٢٤٩".
[٢٨] د "٢/ ٤٩٦" "٥" كتاب المناسك - "٦٣" باب موضع الوقوف بعرفة - من طريق ابن نفيل، عن سفيان به. رقم ١٩١٩.
ت "٣/ ٢٢١" "٧" كتاب الحج "٥٣" باب ما جاء في الوقوف بعرفات والدعاء بها - من طريق قتيبة عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار به.
قال الترمذي: وفي الباب عن علي وعائشة وجبير بن مطعم والشريد بن سويد الثقفي.
قال: حديث ابن مربع الأنصاري حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، وابن مربع اسمه يزيد بن مربع الأنصاري، وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد.
وقد روى البخاري وغيره عن عائشة ما يُفسِّر هذا الحديث: قالت: كانت قريش ومن كان على دينها وهم الحُمُس يقفون بالمزدلفة، يقولون: نحن قطين الله، وكان من سواهم يقفون بعرفة، فأنزل الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ .
خ "٢٥" كتاب الحج - "٩١" باب الوقوف بعرفة.
م "١٥" كتاب الحج رقم "١٥١".
وبيَّن الترمذي معنى الحديثين فقال: معنى هذا الحديث أن أهل مكة كانوا لا يخرجون من الحرم، وعرفة خارج من الحرم، وأهل مكة كانوا يقفون بالمزدلفة ويقولون: نحن قطين الله؛ يعني: سكان الله، ومن سوى أهل مكة كانوا يقفون بعرفات؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾، والحُمُس: هم أهل الحرم. "السنن ٣/ ٢٢٢".
1 / 66