شِهَابٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "مَن تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ١، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ ٢ فَلْيُوتِرْ" ٣.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِذِ اللَّهِ أَبِي إدريس٤.
_________
١ "فليستنثر" الانتثار: هو إخراج الماء بعد الاستنشاق مع ما في الأنف من مخاط وشبهه.
٢ "استجمر" الاستجمار: مسح محل البول أو الغائط بالجمار؛ وهي الأحجار الصغيرة. قال العلماء: يقال: الاستطابة والاستجمار والاستنجاء لتطهير محل البول والغائط، فأما الاستجمار فمختص بالمسح بالأحجار، أما الاستطابة والاستنجاء فيكونان بالماء والأحجار.
٣ "فليوتر" الإيتار: جعل العدد وترًا أي: فردًا.
٤ يمكن تناول معنى هذا الحديث وأحكامه في نقاط:
١- استدل به أحمد وأبو ثور على جوب الاستنشاق لظاهر الأمر؛ وهو قول ابن أبي ليلى وإسحاق أيضًا، حكاه الخطابي عنهما.
وربما كان من جهة هؤلاء -زيادة على ذلك- أنه لم يحك أحد ممن وصف وضوءه ﵊ على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق.
وحمله الجمهور -مالك والشافعي وأهل الكوفة- على الندب؛ لقوله صلى الله عليه سلم للأعرابي: "توضأ كما أمرك الله"، وليس في الآية التي أمر الله بالوضوء فيها ذكر الاسنشاق. والقرينة الحالية والمقالية في قصة الأعرابي ناطقة صريحًا بأن المراد من قوله: "كما أمرك الله تعالى" الأمر المذكور في آية الوضوء، وليس فيها ما يدل على وجوب الاستنشاق، ولا على المضمضة، فلا حجة لمن يقول: إن معنى "كما أمرك الله" أي: في الكتاب والسنة.
ومن حجتهم كذلك: أن العلماء اتفقوا على عدم وجوب الانتثار، مع كونه مأمورًا به، ومعطوفًا على أمره بالاستنشاق؛ لأنه أمر في بعض طرق الحديث بالتثليث فيه، وليس بواجب اتفاقًا، فدل على أن أصل الأمر الندب.
وفي دفاع صاحب المفهم القرطبي عن رأي الجمهور قال: يحتمل أن يكون أمره ﷺ أمرًا بالوضوء، كما قد جاء مفسرًا في غير رواية مسلم: "فليتوضأ وليستنثر ثلاثًا". =
1 / 58