في مذهبه لمن أنكر عليه فأذعن له وخجل من مبادرته إلى الانكار عليه وهذا من جملة مقاصدي بتأليف هذا الكتاب والأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فاعملوا أيها الإخوان على الوصول إلى ذوق هذه الميزان وإياكم والمبادرة إلى إنكارها قبل أن تطالعوا جميع هذه الفصول التي سنقدمها بين يدي الكلام عليها أي قبل كتاب الطهارة بل ولو أنكرها أحدكم بعد مطالعة فصولها فربما كان معذورا لغرابتها وقلة وجود ذائق لها من أقرانكم كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى إذا علمت ذلك وأردت أن تعلم ما أومأنا إليه من دخول جميع أقوال الأئمة المجتهدين ومقلديهم إلى يوم الدين في شعاع نور الشريعة المطهرة بحيث لا ترى قولا واحدا منها خارجا عن الشريعة المطهرة فتأمل وتدبر فيما أرشدك يا أخي إليه وذلك أن تعلم وتتحقق يقينا جازما أن الشريعة المطهرة جاءت من حيث شهود الأمر والنهي في كل مسألة ذات خلاف على مرتبتين تخفيف وتشديد لا على مرتبة واحدة كما يظنه بعض المقلدين ولذلك وقع بينهم الخلاف بشهود التناقض ولا خلاف ولا تناقض في نفس الأمر كما سيأتي إيضاحه في الفصول الآتية إن شاء الله تعالى فإن مجموع الشريعة يرجع إلى أمر ونهي وكل منهما ينقسم عند العلماء على مرتبتين تخفيف وتشديد وأما الحكم الخامس الذي هو المباح فهو مستوى الطرفين وقد يرجع بالنية الصالحة إلى قسم المندوب وبالنية الفاسدة إلى قسم المكروه هذا مجموع أحكام الشريعة وإيضاح ذلك أن من الأئمة من حمل مطلق الأمر على الوجوب الجازم ومنهم من حمله على الندب ومنهم من حمل مطلق النهي على التحريم ومنهم من حمله على الكراهة ثم إن لكل من المرتبين رجالا في حال مباشرتهم للتكاليف فمن قوي منهم من حيث إيمانه وجسمه خوطب بالعزيمة والتشديد الوارد في الشريعة صريحا أو المستنبط منها في مذهب ذلك المكلف أو غيره ومن ضعف منهم من حيث مرتبة إيمانه أو ضعف جسمه خوطب بالرخصة والتخفيف الوارد كذلك في الشريعة صريحا أو المستنبط منها في مذهب ذلك المكلف أو مذهب غيره كما أشار إليه قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم خطابا عاما وقوله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم أي كذلك فلا يؤمر القوي المذكور بالنزول إلى مرتبة الرخصة والتخفيف وهو يقدر على العمل بالعزيمة والتشديد لأن ذلك كالتلاعب بالدين كما سيأتي إيضاحه في الفصول الآتية إن شاء الله تعالى وكذلك لا يكلف الضعيف المذكور بالصعود إلى مرتبة العزيمة والتشديد والعمل بذلك مع عجزه عنه لكن لو تكلف وفعل ذلك لا نمنعه إلا بوجه شرعي فالمرتبتان المذكورتان على الترتيب الوجوبي لا على التخيير كما قد يتوهمه بعضهم فإياك والغلط فليس لمن قدر على استعمال الماء حسا أو شرعا أن يتيمم بالتراب وليس لمن قدر على القيام في الفريضة أن يصلي جالسا وليس لمن قدر على الصلاة جالسا أن يصلي على الجنب وهكذا في سائر الواجبات وكذلك القول في الأفضل من السنن مع المفضول فليس من الأدب أن يفعل المفضول مع قدرته على فعل الأفضل فعلم أن المسنونات ترجع إلى مرتبتين كذلك فيقدم الأفضل على المفضول ندبا مع القدرة ويقدم الأولى شرعا على خلاف الأولى وإن
مخ ۵