Critiquing the Foundations of the Rationalists
نقض أصول العقلانيين
خپرندوی
دار علوم السنة
ژانرونه
إذن بعد موت المعتزلة لم تقم فرقة واحدة تدعو إلى إعلاء العقل على حساب غيره وإنما لم تخل الأمة من أفراد يرفعون أصواتهم بين الحين والآخر مطالبين بتلك الفكرة لأسباب متنوعة. ويحضرني منهم فيلسوف المعرة – كما يُسَمّى- الشاعر أبا العلاء المعري. وهو من ملاحدة الشعراء في كثرة اعتراضه على الشرع بل على الديانات كلها. وتمجيده للعقل والإيمان الإلهي المجرد يقول عنه طه حسين «لا يؤمن إلا للعقل وحده فخالف بهذا أهل السنة لأنهم يقدسون الشرع على العقل وإن آمنوا به وخالف مذهب المعتزلة لأنهم على تقديسهم للعقل يتخذون الشرع لنظرهم أصلًا ودليلًا يعتزون به ويلجئون إليه» (١) . ويقول الدكتور عمر فروخ «يعتقد المعري أن من اتسع عقله لم يضل هذا إذا كان له عقل! أما إذا لم يكن له عقل فهو يعمل أعماله بالتقاليد أو يساق إليها كالعجماوات. ولم يكتف المعري بأن يحكم العقل في الأمور التي جرت العادة بتحكيمه فيها بل أراد أن يكون العقل والفكر في أكثر الأغراض التي تناولها المعري في لزومياته حتى في العبادات وهو في كل ذلك يزدري شيئين ازدراءً شديدًا التقليد والأخبار المروية. ولذلك تراه يتلقى كل خبر مروي أو كل عادة شائعة بميزان العقل» (٢) .
قلت: وهذا مصدق لما نبهتك عليه سابقًا من أن انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة كان صارفًا لبعض الجهلة في الحديث – كالمعري مثلًا – إلى إعظام دور العقل. فهو يقول ناصحًا للأمة:
خذوا في سبيل العقل تهدوا بهديه ... ولا يرجون غير المهيمن راج
ولا تطفئوا نور المليك فإنه ... ممتع كل من حجا بسراج (٣)
ويقف متحيرًا أمام بعض الأحاديث الضعيفة التي تخالف العقل فيقول:
جاءت أحاديث إن صحت فإن لها ... شأنًا ولكن فيها ضعف إسناد
_________
(١) تجديد ذكرى أبي العلاء (٢٣٩) .
(٢) تاريخ الفكر العربي (٤٤٨) .
(٣) لزوم ما لا يلزم (١/٣٦٦) .
2 / 35