وخرجوا، وبخروجهم ذلك، فقد ساروا حتى أشرفوا على معسكر المسلمين في سهل مرّ الظهران، فرأوا نيرانًا عظمية، وقبابًا كثيرة تشير إلى كثافة النازلين هناك، وهنا قال أبو سفيان:
ما رأيت كالليلة نيرانًا قط.
فقال بديل: هذا والله خزاعة حمشتها الحرب (١).
فقال أبو سفيان: خزاعة أقلّ وأذلّ (٢) أن تكون هذه نيرانها وعسكرها، وفي تلك الأثناء، وصل العباس نحو مكان يقرب منهم: فسمع ما كان يدور من كلام، وتعرف على صوت أبي سفيان، فناداه، فردّ أبو سفيان: لبّيك، فداك أبي وأمي، فما وراءك؟! قال العباس: هذا رسول الله ﷺ ورائي قد دلف إليكم بما لا قبل لكم به، بعشرة آلاف مقاتل من المسلمين (٣).
(١) قوله: حمشتها الحرب: معناه أحرقتها. ومن قال: حمستها بالسين المهملة فمعناه: اشتدت عليها، وهو مأخوذ من الحماسة وهي الشدة والشجاعة. نقلًا من حاشية السيرة النبوية، ٤/ ٦٣.
(٢) عن هشام عن أبيه قال: لمّا سار رسول الله ﷺ عام الفتح فبلغ ذلك قريشًا، خرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله ﷺ فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مرَّ الظهران، فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة. فقال: أبو سفيان: ما هذه؟ لكأنها نيران عرفة. فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو. فقال أبو سفيان: عمرو أقل من ذلك .. الخ. أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب أين ركز النبي ﷺ الراية يوم الفتح؟، برقم ٤٢٨٠.
(٣) انظر الفصول في سيرة الرسول ﷺ (ص١٧٦ - ١٧٧)، وزاد المعاد (٣/ ٤٠١ - ٤٠٢)، والسيرة النبوية، ٤/ ٦٣، وانظر أيضًا: زاهية الدجاني، فتح مكة نصر مبين، ص٥٨، ٥٩.