Conflict and Balance in the Life of a Muslim
التنازع والتوازن في حياة المسلم
خپرندوی
مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر
د خپرونکي ځای
جدة - المملكة العربية السعودية
ژانرونه
نعم هو قريب منهم بدعوته وغريب عنهم حال هذرهم ولغوهم.
قال الإمام ابن القيم (١) رحمه الله تعالى:
«فأما ما تؤثره كثرة الخلطة فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يَسْود، ويوجب له تشتتًا وتفرقًا، وهمًّا وغمًّا وضعفًا، وحملًا لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء وإضاعة مصالحه والاشتغال عنها بهم وبأمورهم، وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم، فماذا يبقى من لله والدار الآخرة؟
هذا وكم جلبت خلطة الناس من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطلت من منحة، وأحلّت من رزية، وأوقعت في بلية؟ وهل آفة الناس إلا الناس، وهل كان على أبي طالب - عند الوفاء - أضر من قرناء السوء؟ لم يزالوابه حتى حالوا بينه وبين كلمة واحدة توجب له سعادة الأبد ...
والضابط النافع في أمر الخلطة: أن يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعة والأعياد والحج وتعلم العلم والجهاد والنصيحة، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات ...
فإن أعجزته المقادير عن ذلك فليسلّ قلبه من بينهم كسلّ الشعرة من العجين، وليكن فيهم حاضرًا غائبًا، قريبًا بعيدًا، نائمًا يقظًا، ينظر إليهم ولا يبصرهم، ويسمع كلامهم ولا يعيه؛ لأنه قد أخذ قلبه من بينهم ورقى به إلى الملأ الأعلى يسبح حول العرش مع الأرواح العلوية الزكية، وما أصعب هذا وأشقه على النفوس، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، فبين العبد وبينه (٢) أن يصدق الله ﵎، ويديم اللّجَأ إليه، ويلقي نفسه على بابه طريحًا ذليلًا، ولا يعين على هذا إلا محبة صادقة، والذكر الدائم بالقلب واللسان، ولا يُنال هذا إلا بعدة صالحة، ومادة قوة من الله ﷿، وعزيمة صادقة، وفراغ من التعلق بغير الله تعالى» (٣).
ولله در الشافعيّ حيث يرشد تلميذه يونس بن عبد الأعلى (٤) فيقول:
«يا يونس، الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، والانبساط إليهم مجلبة لقُرناء السُوء، فكن بين المنقبض والمنبسط» (٥).
وهذا وَهْب بن مُنَبِّه (٦) ﵀ قد جاءه رجل فقال:
«قد حدثت نفسي أن لا أخالط النّاس، قال: لا تفعل، إنه لابدّ لك من النّاس ولا بد لهم منك، ولهم إليك حوائج ولك نحوها، ولكن كن فيهم أصمّ سميعًا، أعمى بصيرًا، سكوتًا نطوقًا» (٧).
ثالثًا: الإقلال من مخالطة المدعوِّين إلا لغرض صحيح:
وهذا لأن الداعية قد يلتبس عليه الأمر فيخالط
_________
(١) الإمام المشهور محمد بن أبي بكر بن أيوب الزُرَعي الدمشقي، شمس الدين الحنبليّ، ولد سنة ٦٩١ وتوفي سنة ٧٥١، وكان واسع العلم، عارفًا بالخلاف ومذاهب السلف. انظر «الدرر الكامنة»: ٤/ ٢١ - ٢٣.
(٢) أي بينه وبين أن يحصل على تلك الحالة مخالطته للناس.
(٣) «تهذيب مدارج السالكين»: ٢٤٥ - ٢٤٦، بتصرف يسير.
(٤) «نزهة الفضلاء»: ٢/ ٧٤١.
(٥) «نزهة الفضلاء»: ٢/ ٧٤١.
(٦) الإمام العلامة، الأخباريّ القصصي، أبو عبد الله اليماني الذماري الصنعانيّ. ولد سنة ٣٤. وكان غزير العلم بالإسرائيليات. كان عابدًا حليمًا زاهدًا وله كلام حسن. توفي سنة ١١٤ رحمه الله تعالى. انظر «سير أعلام النبلاء»: ٤/ ٥٤٤ - ٥٥٧.
(٧) انظر «نزهة الفضلاء»: ١/ ٤٤٢.
1 / 54