Conditions of 'There is No God but Allah'
شروط لا إله إلا الله
خپرندوی
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
د ایډیشن شمېره
السنة السادسة والعشرون - العددان ١٠١
د چاپ کال
١٠٢ - ١٤١٤/١٤١٥هـ
ژانرونه
شُرُوط
"لَا إِله إِلا الله "
إعداد
الدكتور/ عواد الْمُعْتق
الْمُقدمَة
الْحَمد لله وَحده وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على من لَا نَبِي بعده.
أما بعد: فَإِنَّهُ لَا يخفى على من لَهُ أدنى علم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله ﷺ مَا للشَّهَادَة من أهمية، إِذْ هِيَ دَعْوَة الرُّسُل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام.
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ١، وَهِي مِفْتَاح الْإِسْلَام، وَبِاللَّهِ ثمَّ بهَا يعْصم الدَّم وَالْمَال، وبتحقيقها تحصل النجَاة من النَّار.
وَحَيْثُ إِن الْبَعْض قد يفهم أَن مُجَرّد النُّطْق بهَا، أَو النُّطْق وَالْإِقْرَار بِدُونِ عمل بمقتضاها كافٍ فِي الْحُصُول على حَقِيقَة الْإِيمَان. أَو يقصر فِي بعض شُرُوطهَا ظَانّا أَن ذَلِك لَا يُؤثر فِي تحقيقها.
لذا أَحْبَبْت أَن أكتب لمحة موجزة حول هَذِه الشُّرُوط تتلخص فِيمَا يَلِي:
تمهيد: ويتضمن مَا يَلِي:
أَولا: معنى لَا إِلَه إِلَّا الله، وتحقيقها.
ثَانِيًا: مَتى ينْتَفع الْإِنْسَان بقولِهَا.
ثَالِثا: أَرْكَانهَا.
ثمَّ شُرُوطهَا: وَفِيه:
تمهيد: فِي تَعْرِيف الشَّرْط.
الشَّرْط الأول: الْعلم.
الشَّرْط الثَّانِي: الْيَقِين.
الشَّرْط الثَّالِث: الْإِخْلَاص.
الشَّرْط الرَّابِع: الصدْق.
_________
١ - آيَة ٢٥ الْأَنْبِيَاء.
1 / 411
الشَّرْط الْخَامِس: الْمحبَّة.
الشَّرْط السَّادِس: الانقياد.
الشَّرْط السَّابِع: الْقبُول.
ثمَّ ختمت الْبَحْث بِذكر بعض النتائج. وأخيرًا أسأله تَعَالَى أَن يتَقَبَّل صَوَابه ويتجاوز عَن خطئه إِنَّه سميع مُجيب، وَصلى الله على نَبينَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم.
تمهيد يحسن قبل أَن نبين شُرُوط هَذِه الْكَلِمَة - أَن نشِير إِلَى مَعْنَاهَا، وتحقيقها وَمَتى ينْتَفع الْإِنْسَان بقولِهَا، وأركانها. ثمَّ شُرُوطهَا. أَولا: مَعْنَاهَا وتحقيقها: أما مَعْنَاهَا: فَإِن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله: هُوَ: لَا معبود بِحَق إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ. فتضمنت هَذِه الْكَلِمَة الْعَظِيمَة أَن مَا سوى الله من سَائِر المعبودات لَيْسَ بإله حق بل إِنَّه بَاطِل. وَأَن الْإِلَه الْحق إِنَّمَا هُوَ الله وَحده لَا شريك لَهُ - كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ١ مَعَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٢. وَنَحْوهمَا من الْآيَات وَمَا صَحَّ من الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا بَيَان حَقِيقَة هَذِه الْكَلِمَة من حَيْثُ مدلولها ومقتضاها. وَمِمَّا يشْهد لهَذَا الْمَعْنى: أَن النَّبِي ﷺ لما قَالَ لكفار قُرَيْش "قُولُوا _________ ١ - آيَة ٢٥ الْأَنْبِيَاء. ٢ - آيَة ٣٦ سُورَة النَّحْل.
تمهيد يحسن قبل أَن نبين شُرُوط هَذِه الْكَلِمَة - أَن نشِير إِلَى مَعْنَاهَا، وتحقيقها وَمَتى ينْتَفع الْإِنْسَان بقولِهَا، وأركانها. ثمَّ شُرُوطهَا. أَولا: مَعْنَاهَا وتحقيقها: أما مَعْنَاهَا: فَإِن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله: هُوَ: لَا معبود بِحَق إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ. فتضمنت هَذِه الْكَلِمَة الْعَظِيمَة أَن مَا سوى الله من سَائِر المعبودات لَيْسَ بإله حق بل إِنَّه بَاطِل. وَأَن الْإِلَه الْحق إِنَّمَا هُوَ الله وَحده لَا شريك لَهُ - كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ١ مَعَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٢. وَنَحْوهمَا من الْآيَات وَمَا صَحَّ من الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا بَيَان حَقِيقَة هَذِه الْكَلِمَة من حَيْثُ مدلولها ومقتضاها. وَمِمَّا يشْهد لهَذَا الْمَعْنى: أَن النَّبِي ﷺ لما قَالَ لكفار قُرَيْش "قُولُوا _________ ١ - آيَة ٢٥ الْأَنْبِيَاء. ٢ - آيَة ٣٦ سُورَة النَّحْل.
1 / 412
لَا إِلَه إِلَّا الله " قَالُوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ١ ففهموا من هَذِه الْكَلِمَة أَنَّهَا تبطل عبَادَة الْأَصْنَام كلهَا وتحصر الْعِبَادَة لله وَحده. وَمثل ذَلِك قوم هود لما دعاهم هود ﵇ إِلَى قَول لَا الله إِلَّا الله قَالُوا: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ ٢ وَهَذَا هُوَ معنى لَا إِلَه إِلَّا الله.
فَتبين بِهَذَا أَن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله ومقتضاها: إِفْرَاد الله بِالْعبَادَة وَترك عبَادَة مَا سواهُ، وَأَن معنى الْإِلَه هُوَ المألوه: أَي المعبود فَإِذا قَالَ العَبْد لَا إِلَه إِلَّا الله: فقد أعلن وجوب إِفْرَاد الله بِالْعبَادَة وَبطلَان عبَادَة مَا سواهُ من الْأَصْنَام والقبور والأولياء وَغَيرهم.
وَبِهَذَا يبطل: مَا يَعْتَقِدهُ عباد الْقُبُور الْيَوْم وأشباههم من أَن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله: هُوَ الْإِقْرَار بِوُجُود الله، أَو أَنه هُوَ الْخَالِق الْقَادِر على الاختراع وَأَشْبَاه ذَلِك. أَو أَن مَعْنَاهَا: لَا حاكميه إِلَّا لله، ويظنون أَن من اعْتقد ذَلِك وَفسّر بِهِ لَا إِلَه إِلَّا الله، فقد حقق التَّوْحِيد الْمُطلق، وَلَو فعل مَا فعل من عبَادَة غير الله كالاعتقاد بالأموات، والتقرب إِلَيْهِم بالذبائح وَالنُّذُور وَالطّواف بقبورهم والتبرك بتربهم.
وَمَا شعر هَؤُلَاءِ أَن كفار الْعَرَب يشاركونهم فِي هَذَا الِاعْتِقَاد ويقرون بِأَن الله هُوَ الْخَالِق الْقَادِر على الاختراع. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ ٣ وَأَنَّهُمْ مَا عبدُوا غَيره إِلَّا لزعمهم أَنهم يقربونهم إِلَى الله زلفى. كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُم: ﴿... مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى ...﴾ ٤. لَا أَنهم يخلقون وَيُرْزَقُونَ.
_________
١ - آيَة ٥ سُورَة ص.
٢ - آيَة ٧٠ سُورَة الْأَعْرَاف.
٣ - آيَة ٩ سُورَة الزخرف.
٤ - آيَة ٣ سُورَة الزمر.
1 / 413
وَلَو كَانَ معنى لَا إِلَه إِلَّا الله مَا زَعمه هَؤُلَاءِ لم يكن بَين الرَّسُول ﷺ وَبَين الْمُشْركين نزاع بل كَانُوا يبادرون إِلَى إجَابَته ﷺ إِذْ يَقُول لَهُم - بزعم هَؤُلَاءِ - قُولُوا لَا الله إِلَّا الله - بِمَعْنى: لَا قَادر على الاختراع إِلَّا الله. لَكِن الْقَوْم - وهم أهل اللِّسَان الْعَرَبِيّ - فَهموا أَنهم إِذا قَالُوا لَا إِلَه إِلَّا الله: فقد أقرُّوا بِبُطْلَان عبَادَة الْأَصْنَام. وَلِهَذَا نفروا مِنْهَا وَقَالُوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ١ فعرفوا أَن لَا الله إِلَّا الله تَقْتَضِي ترك عبَادَة مَا سوى الله وإفراده ﷾ بِالْعبَادَة، وَأَنَّهُمْ لَو قالوها واستمروا على عبَادَة مَا سوى الله لتناقضوا مَعَ أنفسهم. وَعباد الْقُبُور الْيَوْم لَا يأنفون من هَذَا التَّنَاقُض، فهم يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ ينقضونها بِعبَادة الْأَمْوَات والتقرب إِلَى الأضرحة بأنواع من الْعِبَادَات ٢.
وَبِهَذَا يَتَّضِح أَن مَعْنَاهَا الصَّحِيح: - هُوَ مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْبِدَايَة - من نفي الألوهية الحقة عَمَّا سوى الله وإثباتها لله وَحده لَا شريك لَهُ.
وَأما تحقيقها: فَهُوَ أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَحده بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان وَسَائِر الْجَوَارِح مَعَ نفي اسْتِحْقَاق أَي مَخْلُوق لأي نوع من أَنْوَاع الْعِبَادَة الَّتِي لَا تصح إِلَّا لله. قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تيميه " ... وَبِالْجُمْلَةِ فمعنا أصلان عظيمان: أَحدهمَا: أَن لَا نعْبد إِلَّا الله. وَالثَّانِي: أَن لَا نعبده إِلَّا بِمَا شرع، لَا نعبده بِعبَادة مبتدعة. وَهَذَا الأصلان هما: تَحْقِيق شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله " ٣.
ثَانِيًا: مَتى ينْتَفع الْإِنْسَان بقولِهَا:
ينْتَفع الْإِنْسَان بقول لَا الله إِلَّا الله - إِذا حقق أَرْكَانهَا وشروطها - كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه. وَمَات على ذَلِك لم يرتكب ناقضًا من نواقضها.
_________
١ - آيَة ٥ سُورَة ص.
٢ - انْظُر: التدمرية ص ١٢٠، وكشف الشُّبُهَات ص ٩. وتيسير الْعَزِيز الحميد ص ٥٣ - ٥٤، ٣٦ - ٥٧. وَحَقِيقَة لَا إِلَه إِلَّا الله ص ٦٣ - ٦٤ (يتَصَرَّف) .
٣ - الْفَتَاوَى ج ١ ص ٣٣٣ وَانْظُر الْفَتَاوَى ج١ ص ٨ ٦١.
1 / 414
وَبِذَلِك يَزُول الْوَهم الَّذِي تعلق بِهِ بعض النَّاس - وَهُوَ أَن مُجَرّد التَّلَفُّظ بِهَذِهِ الْكَلِمَة يَكْفِي - أخذا بِظَاهِر بعض النُّصُوص كَقَوْلِه ﷺ فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث عتْبَان "إِن الله حرم على النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يَبْتَغِي بذلك وَجه الله " ١ وَحَدِيث أنس قَالَ "إِن النَّبِي ﷺ ومعاذ رديفه على الرحل - قَالَ: يَا معَاذ بن جبل: قَالَ: لبيْك يَا رَسُول الله وَسَعْديك - (ثَلَاثًا) - قَالَ: "مَا من أحد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صِدقًا من قلبه إِلَّا حرمه الله على النَّار... " الحَدِيث ٢. وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنهم كَانُوا مَعَ النَّبِي فِي غَزْوَة تَبُوك... الحَدِيث، وَفِيه: فَقَالَ رَسُول الله ﷺ "أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله لَا يلقى الله بهما عبد غير شَاك فيحجب عَنهُ الْجنَّة" ٣، وأمثالها.
إِذْ المُرَاد بِهَذِهِ النُّصُوص وأمثالها من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله - محققًا أَرْكَانهَا وشروطها وَمَات على ذَلِك.
إِذْ الرُّكْن أساس، وَالشّرط: لَا يَصح الْمَشْرُوط لَهُ إِلَّا بِهِ، والأعمال بالخواتيم فَلَو قَالَهَا - محققًا أَرْكَانهَا وشروطها لَكِن ارْتكب بعد ذَلِك ناقضًا من نواقضها وَمَات لم تَنْفَعهُ. فلابد أَن يَمُوت عَلَيْهَا لم يرتكب ناقضًا من نواقضها - بِدَلِيل حَدِيث أبي ذَر ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ "مَا من عبد قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ مَاتَ على ذَلِك إِلَّا دخل الْجنَّة ... " الحَدِيث٤ ٥
_________
١ - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الرقَاق بَاب الْعَمَل الَّذِي يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله جـ١ ص ٢٤١. وَمُسلم فِي كتاب الْمَسَاجِد ومواضع الصَّلَاة بَاب الرُّخْصَة فِي التَّخَلُّف عَن الْجَمَاعَة لعذر ج٥ ص ١٦٠.
٢ - رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أنس بن مَالك فِي كتاب الْعلم بَاب: من خص بِالْعلمِ قوما دون قوم كَرَاهِيَة أَن لَا يفرقُوا ج١ ص ٢٢٦.
٣ - رَوَاهُ مُسلم فِي كتاب الْإِيمَان بَاب الدَّلِيل على أَن من مَاتَ على التَّوْحِيد دخل الْجنَّة قطعا ج١ ص ٢٢٦.
٤ - رَوَاهُ مُسلم فِي كتاب الْإِيمَان بَاب من مَاتَ لم يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة ج٢ ص ٩٤.
٥ - انْظُر: تيسير الْعَزِيز الحميد ص٦٥ - ٦٧ - ٦٩. وَفتح الْمجِيد ص٨٤ (الْحَاشِيَة) .
1 / 415
ثَالِثا: أَرْكَان لَا إِلَه إِلَّا الله.
تَعْرِيف الرُّكْن لُغَة وَاصْطِلَاحا.
الرُّكْن لُغَة: من كل شَيْء: جَانِبه الْأَقْوَى الَّذِي يسْتَند إِلَيْهِ، وَالْأَمر الْعَظِيم. وللرجل: مَا فِيهِ عزّة ومنعَة من عشيرة أَو سُلْطَان وكل مَا يتقوى بِهِ. وَفِي الْقَوْم: الشريف بَينهم. جمعه أَرْكَان وأركن. وأركان الْإِنْسَان جوارحه والأركان من كل شَيْء: جوانبه الَّتِي يسْتَند إِلَيْهَا. وَالْعِبَادَة: كَالصَّلَاةِ - مَا تبطل بالإخلال بِهِ عمدا أَو سَهوا ١
الرُّكْن فِي الِاصْطِلَاح: مَا يقوم بِهِ ذَلِك الشَّيْء من التقوّم، إِذْ قوام الشَّيْء بركنه لَا من الْقيام وَإِلَّا يلْزم أَن يكون الْفَاعِل ركنا للْفِعْل، والجسم ركنا للعرض، والموصوف للصفة ٢ وَقيل: ركن الشَّيْء: مَا يتم بِهِ وَهُوَ دَاخل فِيهِ بِخِلَاف شَرطه وَهُوَ خَارج عَنهُ ٣. وَقيل ركن الشَّيْء: مَا توقف الشَّيْء على وجوده وَكَانَ جُزْءا من حَقِيقَته كَقِرَاءَة الْقُرْآن فِي الصَّلَاة فَإِنَّهَا ركن لَهَا لتوقف وجودهَا فِي نظر الشَّارِع على تحققها. وَهِي جُزْء من حَقِيقَة الصَّلَاة. وَهَكَذَا كل مَا كَانَ ركنا لشَيْء فَإِن ذَلِك الشَّيْء لَا يكون لَهُ وجود فِي نظر الشَّارِع إِلَّا إِذا تحقق ذَلِك الرُّكْن٤.
والتعارف - كَمَا نرى - مُتَقَارِبَة إِلَّا أَن الْأَخير أدقها وأكملها لذا نختاره.
وَعَلِيهِ، فأركان الشَّيْء: أجزاؤه الَّتِي لَا يتَحَقَّق بِدُونِهَا.
وَإِذا: فأركان لَا إِلَه إِلَّا الله: هِيَ أجزاؤها الَّتِي لَا تتَحَقَّق بِدُونِهَا وَهِي اثْنَان: نفي، وَإِثْبَات.
النَّفْي: وحدّه: لَا إِلَه. وَالْمرَاد بِهِ: نفي الإلهية الحقة عَمَّا سوى الله من
_________
١ - انْظُر: مُعْجم متن اللُّغَة مَادَّة ركن ج٢ ص ٦٤٢ - ٦٤٣، والصحاح للجوهري مَادَّة ركن ج ٥ص٢٦ ٢١ ولسان الْعَرَب مَادَّة ركن ج١ ص١٢١٩، ومختار الصِّحَاح مَادَّة ركن ص ٢٥٥.
٢ - التعريفات ص ١١٧.
٣ - نفس الْمصدر السَّابِق.
٤ - انْظُر: أصُول الْفِقْه الإسلامي ص ٣١٤ - ٣١٥.
1 / 416
سَائِر الْمَخْلُوقَات. وَالْإِثْبَات: وحدّ٥: إِلَّا الله. وَالْمرَاد بِهِ: إِثْبَات الإلهية الحقة لله وَحده لَا شريك لَهُ فِي عِبَادَته كَمَا أَنه لَا شريك لَهُ فِي ملكه فَهُوَ ﷾ الْإِلَه الْحق وَمَا سواهُ من الْآلهَة الَّتِي اتخذها الْمُشْركُونَ كلهَا بَاطِلَة. قَالَ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ...﴾ الْآيَة١ ٢.
_________
١ - آيَة ٦٢ الْحَج
٢ - انْظُر الكواشف الْحلَّة ص ٢١، الْفَتَاوَى ج١٤ ص١٧١ - ١٧٢.
مدْخل ... شُرُوط لَا الله إِلَّا الله: تَقْدِيم: فِي تَعْرِيف الشَّرْط، الشَّرْط لُغَة: - بِسُكُون الرَّاء - هُوَ إِلْزَام الشَّيْء والتزامه فِي البيع وَنَحْوه. جمعه شُرُوط. تَقول: شَرط لَهُ أمرا: الْتَزمهُ وَعَلِيهِ أمرا: ألزمهُ إِيَّاه١. وَفِي الِاصْطِلَاح: مَا يتَوَقَّف ثُبُوت الحكم عَلَيْهِ ٢. وَقيل: مَا لَا يُوجد الْمَشْرُوط مَعَ عَدمه وَلَا يلْزم أَن يُوجد عِنْد وجوده٣. وَقيل: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَة شُرُوطه ٤ وَقيل: مَا توقف الشَّيْء على وجوده وَلم يكن جُزْءا من حَقِيقَته. كَالْوضُوءِ فِي الصَّلَاة. فَإِنَّهُ شَرط لصِحَّة الصَّلَاة. فَإِذا لم يُوجد لم تصح الصَّلَاة، وَلَيْسَ الْوضُوء جُزْءا من حَقِيقَة الصَّلَاة. وَهَكَذَا كل مَا جعله الشَّارِع شرطا لشَيْء. فَإِن هَذَا الشَّيْء لَا يتَحَقَّق وَلَا يعْتد بِهِ - فِي نظر الشَّارِع إِلَّا إِذا تحقق ذَلِك الشَّرْط - وَإِن لم يكن جُزْءا من حَقِيقَته ٥وَهَذَا التَّعْرِيف: هُوَ الأولى، لِأَنَّهُ يتَضَمَّن مَا _________ ١ - انْظُر: مُعْجم مَتن اللُّغَة مَادَّة شَرط ج٣ ص ٣٠٤، والمعجم الْوَسِيط مَادَّة شَرط ج١ص ٤٧٨. ٢ - التعريفات ص ١٣١. ٣ - رَوْضَة الناضر ص ١٣٥. ٤ - إتحاف الْمُسلمين بِمَا تيَسّر من أَحْكَام الدّين ج١ ص ١٢٢. ٥ - أصُول الْفِقْه الإسلامي ص ٣١٥.
مدْخل ... شُرُوط لَا الله إِلَّا الله: تَقْدِيم: فِي تَعْرِيف الشَّرْط، الشَّرْط لُغَة: - بِسُكُون الرَّاء - هُوَ إِلْزَام الشَّيْء والتزامه فِي البيع وَنَحْوه. جمعه شُرُوط. تَقول: شَرط لَهُ أمرا: الْتَزمهُ وَعَلِيهِ أمرا: ألزمهُ إِيَّاه١. وَفِي الِاصْطِلَاح: مَا يتَوَقَّف ثُبُوت الحكم عَلَيْهِ ٢. وَقيل: مَا لَا يُوجد الْمَشْرُوط مَعَ عَدمه وَلَا يلْزم أَن يُوجد عِنْد وجوده٣. وَقيل: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَة شُرُوطه ٤ وَقيل: مَا توقف الشَّيْء على وجوده وَلم يكن جُزْءا من حَقِيقَته. كَالْوضُوءِ فِي الصَّلَاة. فَإِنَّهُ شَرط لصِحَّة الصَّلَاة. فَإِذا لم يُوجد لم تصح الصَّلَاة، وَلَيْسَ الْوضُوء جُزْءا من حَقِيقَة الصَّلَاة. وَهَكَذَا كل مَا جعله الشَّارِع شرطا لشَيْء. فَإِن هَذَا الشَّيْء لَا يتَحَقَّق وَلَا يعْتد بِهِ - فِي نظر الشَّارِع إِلَّا إِذا تحقق ذَلِك الشَّرْط - وَإِن لم يكن جُزْءا من حَقِيقَته ٥وَهَذَا التَّعْرِيف: هُوَ الأولى، لِأَنَّهُ يتَضَمَّن مَا _________ ١ - انْظُر: مُعْجم مَتن اللُّغَة مَادَّة شَرط ج٣ ص ٣٠٤، والمعجم الْوَسِيط مَادَّة شَرط ج١ص ٤٧٨. ٢ - التعريفات ص ١٣١. ٣ - رَوْضَة الناضر ص ١٣٥. ٤ - إتحاف الْمُسلمين بِمَا تيَسّر من أَحْكَام الدّين ج١ ص ١٢٢. ٥ - أصُول الْفِقْه الإسلامي ص ٣١٥.
1 / 417
أشارت إِلَيْهِ التعاريف السَّابِقَة وَعَلِيهِ: فشروط الشَّيْء هِيَ الَّتِي لَا يَصح إِلَّا بتوافرها.
وَإِذا فشروط لَا الله إِلَّا الله. هِيَ: الَّتِي لَا تصح لَا الله إِلَّا الله إلاّ بتوافرها. وَهِي سَبْعَة نظمها أحد الْعلمَاء فِي قَوْله.
علم يَقِين وإخلاص وصدقك مَعَ ... محبَّة وانقياد وَالْقَبُول لَهَا ١
كَمَا جمعهَا الشَّيْخ حَافظ فِي قَوْله:
وبشروط سَبْعَة قد قيدت ... وَفِي نُصُوص الْوَحْي حَقًا وَردت
فَإِنَّهُ لم ينْتَفع قَائِلهَا ... بالنطق إِلَّا حَيْثُ يستكملها
وَالْعلم وَالْيَقِين وَالْقَبُول ... والانقياد فادر مَا أَقُول
والصدق وَالْإِخْلَاص والمحبة ... وفقك الله لما أحبه ٢
والآن نشرع فِي بَيَان كل شَرط مِنْهَا بِشَيْء من الْإِيضَاح.
_________
١ - لم أَقف على قَائِله.
٢ - معارج الْقبُول ج ٢ ص ٤١٨ - ٤١٩.
الشَّرْط الأول: الْعلم الْعلم لُغَة: نقيض الْجَهْل. تَقول علمه علما - أَي - عرفه حق الْمعرفَة وَفِي التَّنْزِيل: ﴿... مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ...﴾ الْآيَة٣. وَعلم الرجل: خَبره، وَأحب أَن يُعلمهُ: أَن يُخبرهُ. وَعلم بالشَّيْء: شعر بِهِ ودرى. يُقَال: مَا علمت بِخَبَر قدومك، أَي: مَا شَعرت. وَفِي التَّنْزِيل: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي ...﴾ ٤ الْآيَة. وَعلم الْأَمر وتعلمه: أتقنه. _________ ١ - آيَة ٦٠ الْأَنْفَال. ٢ - آيَة ٢٦ - ٢٧ يس.
الشَّرْط الأول: الْعلم الْعلم لُغَة: نقيض الْجَهْل. تَقول علمه علما - أَي - عرفه حق الْمعرفَة وَفِي التَّنْزِيل: ﴿... مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ...﴾ الْآيَة٣. وَعلم الرجل: خَبره، وَأحب أَن يُعلمهُ: أَن يُخبرهُ. وَعلم بالشَّيْء: شعر بِهِ ودرى. يُقَال: مَا علمت بِخَبَر قدومك، أَي: مَا شَعرت. وَفِي التَّنْزِيل: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي ...﴾ ٤ الْآيَة. وَعلم الْأَمر وتعلمه: أتقنه. _________ ١ - آيَة ٦٠ الْأَنْفَال. ٢ - آيَة ٢٦ - ٢٧ يس.
1 / 418
وَعلمت الْعلم نَافِعًا: أيقنت وصدقت. وفى التَّنْزِيل: ﴿... فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ...﴾ الْآيَة١ ٢
وَفِي الِاصْطِلَاح: عرف بتعاريف كَثِيرَة، اخْتَرْت مِنْهَا هَذَا التَّعْرِيف.
وَهُوَ: معرفَة الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ.٣ وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ أَبُو يعلى فِي كِتَابه الْعدة٤ - بعد أَن عرض بعض التعاريف وناقشها مُبينًا عدم صِحَّتهَا وَأَن هَذَا التَّعْرِيف هُوَ الصَّحِيح. وَذَلِكَ أَن هَذَا الْحَد - كَمَا قَالَ القَاضِي أَبُو بكر: "يحصره على مَعْنَاهُ وَلَا يدْخل فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَلَا يخرج مِنْهُ شَيْئا هُوَ مِنْهُ. وَالْحَد إِذا أحَاط بالمحدود على هَذَا السَّبِيل وَجب أَن يكون حدا ثَابتا صَحِيحا ... وَقد ثَبت أَن كل علم تعلق بِمَعْلُوم فَإِنَّهُ معرفَة لَهُ وكل معرفَة لمعلوم فَإِنَّهَا علم بِهِ، فَوَجَبَ تَوْثِيق الْحَد الَّذِي حددنا بِهِ الْعلم"٥. وَعَلِيهِ فالعلم بِلَا إِلَه إِلَّا الله: مَعْرفَتهَا بحقيقتها. وَهُوَ: أَن تعلم بمعناها نفيا وإثباتًا علما منافيًا للْجَهْل.
وَمَعْنَاهَا: الْبَرَاءَة من كل مَا يعبد من دون الله، وإخلاص الْعِبَادَة لله وَحده بِاللِّسَانِ وَالْقلب وَسَائِر الْجَوَارِح.٦
وَقد دلّ الْكتاب وَالسّنة على ذَلِك. فَمن الْكتاب:
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ...﴾ الْآيَة.٧
وَهَذِه الْآيَة - كَمَا نرى - صَرِيحَة فِي اشْتِرَاط الْعلم بِلَا إِلَه إِلَّا الله.
قَالَ الْوَزير أَبُو المظفر فِي الإفصاح: "قَوْله "شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله "
_________
١ - آيَة ١٠ الممتحنة.
٢ - انْظُر لِسَان الْعَرَب مَادَّة علم جـ٢ص٨٧٠ - ٨٧١ المعجم الْوَسِيط مَادَّة علم جـ٢ص٦٢٤ ومعجم متن اللُّغَة مَادَّة علم جـ٤ص١٩٤.
٣ - هَذَا التَّعْرِيف للْقَاضِي أبي بكر انْظُر التَّمْهِيد ص٣٤.
٤ - جـ١ص٧٦.
٥ - التَّمْهِيد للباقلاني ص٣٤.
٦ - انْظُر الْفَتَاوَى جـ١٣ص٢٠٠.
٧ - آيَة ١٩ سُورَة مُحَمَّد.
1 / 419
يَقْتَضِي أَن يكون الشَّاهِد عَالما بِأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا الله. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ﴾ .١
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ٢.
وَالشَّاهِد - قَوْله: ﴿إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ .
إِذا المُرَاد بِشَهَادَة الْحق: قَول لَا إِلَه إِلَّا الله ٣ فَيكون الْمَعْنى: إِلَّا من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وهم يعلمُونَ معنى مَا نطقوا بِهِ.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ...﴾ الْآيَة٤.
وَمن السّنة: قَوْله ﷺ "من مَاتَ وَهُوَ يعلم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة".٥
وَقَوله ﷺ فِيمَا رَوَاهُ عبَادَة بن الصَّامِت. قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ "من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ، وَالْجنَّة حق، وَالنَّار حق، أدخلهُ الله الْجنَّة على مَا كَانَ من الْعَمَل ".٦
وَالشَّاهِد: قَوْله "من شهد" كَيفَ يشْهد وَهُوَ لَا يعلم، إِذْ مُجَرّد النُّطْق بالشَّيْء لَا يُسمى شَهَادَة بِهِ.٧
_________
١ - فتح الْمجِيد ص ٣٦ - ٣٧.
٢ - آيَة ٨٦ سُورَة الزخرف.
٣ - انْظُر: تَفْسِير الْبَغَوِيّ ج ٧ ص ٢٢٤، وَتَفْسِير المراغي ج٢٥ ص ١١٦ وَفتح الْقَدِير ج٤ص٥٦٧.
٤ - آيَة ٥٢ إِبْرَاهِيم.
٥ - رَوَاهُ مُسلم فِي كتاب الْإِيمَان بَاب الدَّلِيل على أَن من مَاتَ على التَّوْحِيد دخل الْجنَّة قطعا ج١ ص ٢١٨. وَأحمد فِي مُسْنده ج ٣ ص١١.
٦ - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَنْبِيَاء بَاب قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقّ..﴾ الْآيَة ج٦ص ٤٧٤. وَمُسلم فِي كتاب الْإِيمَان بَاب الدَّلِيل على أَن من مَاتَ على التَّوْحِيد دخل الْجنَّة قطعا ج١ ص ٢٢٣.
٧ - انْظُر: تيسير الْعَزِيز الحميد ص ٥٣.
1 / 420
وَقَوله ﷺ فِيمَا رَوَاهُ أنس أَن النَّبِي ﷺ قَالَ: "إِذا قَالَ العَبْد أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ الله يَا ملائكتي علم عَبدِي أَنه لَيْسَ لَهُ رب غَيْرِي - أشهدكم أَنِّي قد غفرت لَهُ " ١.
وَقَوله ﷺ: "من علم أَن الله ربه وَأَنِّي نبيه موقنا من قلبه حرمه الله على النَّار" ٢.
هَذِه بعض الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة الَّتِي توضح شَرْطِيَّة الْعلم بِلَا إِلَه إِلَّا الله ولاشك أَن الْعلم لَا يكون علما إِلَّا إِذا كَانَ نَافِعًا وَلَا يكون نَافِعًا إِلَّا مَعَ الْعَمَل. فَمن لم ينْتَفع بِهَذِهِ الشَّهَادَة بِالْعَمَلِ بِمَا تَقْتَضِيه لم يتَحَقَّق لَدَيْهِ شَرط الْعلم.
قَالَ البقاعي: " "لَا إِلَه إِلَّا الله " أَي انْتَفَى انْتِفَاء عَظِيما أَن يكون معبودًا بِحَق غير الْملك الْأَعْظَم، فَإِن هَذَا الْعلم هُوَ أعظم الذكرى المنجية من أهوال السَّاعَة، وَإِنَّمَا يكون علما إِذا كَانَ نَافِعًا وَإِنَّمَا يكون نَافِعًا إِذا كَانَ مَعَ الإِذعان وَالْعَمَل بِمَا تَقْتَضِيه وَإِلَّا فَهُوَ جهل صرف"٣.
وَالْمرَاد من هَذِه الْكَلِمَة - كَمَا ذكرت آنِفا - مَعْنَاهَا وتحقيقها بِالْعَمَلِ بمقتضاها لَا مُجَرّد لَفظهَا فَإِن الْمُنَافِقين كَانُوا يَقُولُونَهَا وهم تَحت الْكفَّار فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار.
وَالْكفَّار - مَعَ جهلهم بِمَا جَاءَ فِي الْكتاب وَالسّنة - يعلمُونَ أَن مُرَاد النَّبِي ﷺ بِهَذِهِ الْكَلِمَة هُوَ إِفْرَاد الله بالتعلق وَالْكفْر بِمَا يعبد من دون الله والبراءة مِنْهُ، فَإِنَّهُ لما قَالَ لَهُم: "قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله" قَالُوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ!﴾ ٤.
_________
١ - رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر عَن أنس. انْظُر: كنز الْعمَّال ج ١ـ ص ٤٨ حَدِيث ١٣٦.
٢ - رَوَاهُ الْبَزَّار وَابْن خُزَيْمَة والخطيب عَن عمرَان بن حُصَيْن. انْظُر: كشف الأستار عَن زَوَائِد الْبَزَّار الجالون١ ص١٥. وَالْجَامِع الْكَبِير للسيوطي ج١ص٨٠٢، وكنز الْعمَّال ج١ ص ٦٨ برقم ٢٥٧.
٣ - فتح الْمجِيد ص ٣٨، وتيسير الْعَزِيز الحميد ص ٥٦.
٤ - آيَة ٥ سُورَة ص.
1 / 421
فَإِذا عرفت أَن جهال الْكفَّار يعْرفُونَ ذَلِك، فالعجب مِمَّن يَدعِي الْإِسْلَام وَهولا يعرف من تَفْسِير هَذِه الْكَلِمَة مَا عرفه جهال الْكَفَرَة بل يظنّ أَن ذَلِك: هُوَ التَّلَفُّظ بحروفها من غير اعْتِقَاد الْقلب لشَيْء من الْمعَانِي، والحاذق مِنْهُم يظنّ أَن مَعْنَاهَا: لَا يخلق وَلَا يرْزق إِلَّا الله. فَلَا خير فِي إِنْسَان جهال الْكفَّار أعلم مِنْهُ بِلَا اله إِلَّا الله. وبسبب هَذَا الْجَهْل ضل من ضل مِنْهُم حِين قلبوا حَقِيقَة الْمَعْنى فأثبتوا الإلهية المنفية لمن نفيت عَنهُ من المخلوقين أَرْبَاب الْقُبُور والمشاهد وَالْأَشْجَار والأحجار وَالْجِنّ وَغير ذَلِك. فَلهَذَا تجدهم يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله وهم يدعونَ مَعَ الله غَيره، وَمَا ذَاك إِلَّا بِسَبَب الْجَهْل بِمَعْنى لَا إِلَه إِلَّا الله ١.
وَالْحَد الْأَدْنَى للْعلم بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله الْعلم بمعناها بِصُورَة إجمالية وَيَأْتِي بعد هَذَا الْحَد دَرَجَات يتَفَاوَت النَّاس فِيهَا فِي الْعلم بِهَذِهِ الشَّهَادَة أَعْلَاهَا البصيرة الَّتِي تكون بِنِسْبَة الْمَعْلُوم فِيهَا إِلَى الْقلب كنسبة المرئي إِلَى الْبَصَر٢. وبقدر الْعلم وَالْجهل يحصل التَّفَاضُل فِي الإِيمان بهَا، إِذْ أَن الْعلم يسْتَلْزم الْعَمَل فَكلما زَاد الْعلم زَاد الْعَمَل، وَبِذَلِك يزْدَاد الْإِيمَان وَمن ثمَّ يحصل التَّفَاضُل فِيهِ.
رُوِيَ عَن أنس عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ "يخرج من النَّار من قَالَ لَا اله إِلَّا الله وَفِي قلبه وزن شعيرَة من خير، وَيخرج من النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَفِي قلبه وزن بُرّة من خير، وَيخرج من النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَفِي قلبه وزن ذرة من خير".٣
وَفِي رِوَايَة عَن أنس عَن النَّبِي ﷺ "من إِيمَان " مَكَان "من خير" ٤.
المُرَاد بقوله "من خير" من إِيمَان. بِدَلِيل الرِّوَايَة الْأُخْرَى.
_________
١ - انْظُر: كشف الشُّبُهَات ص ٩، وَفتح الْمجِيد ص ٣٥ (الْمَتْن والحاشية) .
٢ - انْظُر: فتح الْمجِيد ص ٨١.
٣ - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الْإِيمَان بَاب زِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه ج١ ص١٠٣.
٤ - الْمصدر نَفسه.
1 / 422
والْحَدِيث ظَاهر الدّلَالَة بمنطوقه على تفاضل أهل الْإِيمَان فِيهِ وبمفهومه على زِيَادَته ونقصانه ١.
وَهَذَا التَّفَاضُل فِي الْإِيمَان من أثر الْعلم وَالْجهل، فَكلما ازْدَادَ الْإِنْسَان علما كَانَ إيمَانه أفضل. وَيُؤَيّد ذَلِك قَوْله تَعَالَى: ﴿.. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ ٠٠ الْآيَة ٢.
قَالَ ابْن كثير: "أَي إِنَّمَا يخشاه حق خَشيته الْعلمَاء العارفون بِهِ ... لِأَنَّهُ كلما كَانَت الْمعرفَة بِهِ أتم وَالْعلم بِهِ أكمل كَانَت الخشية لَهُ أعظم وَأكْثر" ٣وَعَلِيهِ فإيمان الْعلمَاء أفضل من إِيمَان غَيرهم.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ ٤.
أَشَارَ ﷾ فِي هَذِه الْآيَة - إِلَى أَن الْعَالم ٥ لَا يَسْتَوِي مَعَ غير الْعَالم بل بَينهمَا تفاضل، وَمن أوجه التَّفَاضُل: التَّفَاضُل فِي الْإِيمَان.
وَعَلِيهِ: فَكلما ازْدَادَ الْإِنْسَان علما بِلَا إِلَه إِلَّا الله كَانَ إيمَانه بهَا أفضل. وَبِذَلِك يَتَّضِح أَن الْعلم بِلَا إِلَه إِلَّا الله (بمعناها ومقتضاها المستلزم للْعَمَل) أحد شُرُوط لَا إِلَه إِلَّا الله الَّتِي لَا تصح إِلَّا بهَا. وَأَن الْعلم بهَا يتَفَاوَت وبقدر الْعلم وَالْجهل يحصل التَّفَاضُل فِي الْإِيمَان بهَا. وَالله أعلم.
_________
١ - انْظُر: معارج الْقبُول ج٣ ص ٥ ١٠٠ - ١٠٠٦.
٢ - آيَة ٢٨ فاطر.
٣ - تَفْسِير ابْن كثيرجـ٣ ص ٥٥٣.
٤ - آيَة ٩ الزمر.
٥ - المُرَاد الْعَالم الْعَامِل بِعِلْمِهِ، إِذْ أَن الْعلم لَا يُسمى علما إِلَّا إِذا كَانَ نَافِعًا وَلَا يكون نَافِعًا إِلَّا مَعَ الْعَمَل.
الشَّرْط الثَّانِي: الْقَيْن ... الشَّرْط الثَّانِي: الْيَقِين. الْيَقِين: لُغَة: هُوَ زَوَال الشَّك، وَتَحْقِيق الْأَمر، وَالْعلم بِهِ. وَهُوَ: نقيض الشَّك - كَمَا أَن الْعلم نقيض الْجَهْل.
الشَّرْط الثَّانِي: الْقَيْن ... الشَّرْط الثَّانِي: الْيَقِين. الْيَقِين: لُغَة: هُوَ زَوَال الشَّك، وَتَحْقِيق الْأَمر، وَالْعلم بِهِ. وَهُوَ: نقيض الشَّك - كَمَا أَن الْعلم نقيض الْجَهْل.
1 / 423
وَالْمَوْت: كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ ١.
وَرُبمَا عبروا بِالظَّنِّ عَن الْيَقِين وباليقين عَن الظَّن - قَالَ: أَبُو سِدْرَة الْأَسدي وَيُقَال الهُجَيْمِي:
تحسب هواس وأيقن أنني ... بهَا مقتد من وَاحِد لَا أغامره
يَقُول: تشمم الْأسد نَاقَتي يظنّ أنني أفتدي بهَا مِنْهُ واستحمي نَفسِي فأتركها لَهُ وَلَا أقتحم المهالك بمقاتلته.
وَحقّ الْيَقِين - كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى -: ﴿وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ﴾ ٢ هُوَ خالصه وأصحه ٣.
وَفِي الِاصْطِلَاح: اعْتِقَاد الشَّيْء بِأَنَّهُ كَذَا مَعَ اعْتِقَاد أَنه لَا يُمكن إِلَّا كَذَا مطابقًا للْوَاقِع غير مُمكن الزَّوَال ٤.
وَالْمرَاد هُنَا: أَن يكون قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله مُسْتَيْقنًا قلبه بمدلول هَذِه الْكَلِمَة يَقِينا جَازِمًا منافيًا للشَّكّ.
فَمن قَالَهَا وهوشاك فِي شَيْء مِمَّا دلّت عَلَيْهِ من مَعْنَاهَا لم يتَحَقَّق لَدَيْهِ هَذَا الشَّرْط ٥
والأدلة على ذَلِك كَثِيرَة من الْكتاب وَالسّنة.
فَمن الْكتاب: قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ ٦ فالآية تدل على أَن من شُرُوط صدق إِيمَان الْمُؤمنِينَ بِاللَّه وَرَسُوله الَّذِي هُوَ معنى
_________
١ - آيَة ٩٩ سُورَة الْحَشْر.
٢ - آيَة ٣١ سُورَة الحاقة.
٣ - انْظُر: لِسَان الْعَرَب مَادَّة يقن جـ٣ ص ١٠١٥، ومعجم متن اللُّغَة مَادَّة يقن جـ٥ ص ٨٣٨ والصحاح للجوهري مَادَّة يقن جـ٦ص ٢٢١٩.
٤ - انْظُر: التعريفات للجرجاني ص ٢٨٠.
٥ - انْظُر: بَيَان مسَائِل الْكفْر وَالْإِيمَان ص ١٦٣ - ١٦٤، والكواشف الجلية ص ٢١ وَفتح الْمجِيد ص ٣٥.
٦ - آيَة ٤٩ سُورَة الحجرات.
1 / 424
الشَّهَادَة كَونهم متيقنين بهَا لم يرتابوا - أَي لم يشكوا - فَمن ارتاب فَلَيْسَ بِمُؤْمِن بل هُوَ من الْمُنَافِقين الَّذين قَالَ الله تَعَالَى فيهم: ﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ ١.
وَمن السّنة مَا ورد فِي الصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُوله الله ﷺ: "أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله لَا يلقى الله بهما عبد غير شَاك فيهمَا إِلَّا دخل الْجنَّة" ٢
وَقَوله ﷺ لأبي هُرَيْرَة: " اذْهَبْ بنعلي هَاتين فَمن لقِيت وَرَاء هَذَا الْحَائِط يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مُسْتَيْقنًا بهَا قلبه فبشره بِالْجنَّةِ " ٣.
وَقَوله ﷺ فِيمَا رَوَاهُ معَاذ أَنه ﷺ قَالَ: "مَا من نفس تَمُوت وَهِي تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله يرجع ذَلِك إِلَى قلب موقن إِلَّا غفر الله لَهَا" ٤.
وَقَوله ﷺ فِيمَا رَوَاهُ جَابر أَنه قَالَ: " اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاس أَنه من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله موقنا أَو مخلصًا فَلهُ الْجنَّة " ٥.
وَعَن عُثْمَان بن عَفَّان عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ لَهُ: "إِنِّي لأعْلم كلمة لَا يَقُولهَا عبد حَقًا من قلبه فَيَمُوت على ذَلِك إِلَّا حرمه الله على النَّار: لَا إِلَه إِلَّا الله " ٦.
فَهَذِهِ الْأَحَادِيث - كَمَا نرى - تدل صَرَاحَة على اشْتِرَاط الْيَقِين بِالشَّهَادَةِ بل
_________
١ - آيَة ٤٣ سُورَة التَّوْبَة.
٢ - رَوَاهُ مُسلم فِي كتاب الْإِيمَان بَاب الدَّلِيل على أَن من مَاتَ على التَّوْحِيد دخل الْجنَّة قطعًاج١ ص ٢٢٤ وَأحمد فِي مُسْنده ج٣ ص ١١ وَانْظُر. كنز الْعمَّال حديت ١١٦.
٣ - رَوَاهُ مُسلم فِي كتاب الْإِيمَان بَاب أَن من مَاتَ على التَّوْحِيد دخل الْجنَّة قطعا ج١ ص ٢٣٧.
٤ - رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده ج٥ ص ٢٢٩ وَابْن حبَان وَصَحِيحه برقم ٢٠٣ ج ١ ص٣٦٩ عَن معَاذ.
٥ - رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه برقم١٥١ ص٣١٢ وَذكر السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِع الْكَبِير جـ١ص٩٦ وَزَاد نسبته لِابْنِ خُزَيْمَة وَذكره عَلَاء الدّين فِي كنز الْعمَّال برقم ١٤٤ وَقَالَ حَدِيث صَحِيح.
٦ - رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيح بِسَنَد صَحِيح برقم ٢٠٤ ج١ص٣٧٠ (الْمَتْن والحاشية) وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده جـ١ ص ٦٣، واالبزار: كشف الأستار ج١ ص١٣.
1 / 425
سَمَّاهُ بعض الْأَئِمَّة أصل الْإِيمَان كَمَا قَالَ ابْن حجر فِي شَرحه لقَوْل ابْن مَسْعُود: (الْيَقِين الْإِيمَان كُله) ١.
إِن مُرَاد ابْن مَسْعُود أَن الْيَقِين هُوَ أصل الْإِيمَان، فَإِذا أَيقَن الْقلب - كَمَا يَنْبَغِي - انبعثت الْجَوَارِح كلهَا للقاء الله بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَات. حَتَّى قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: "لَو أَن الْيَقِين وَقع فِي الْقلب - كَمَا يَنْبَغِي - لطار اشتياقًا إِلَى الْجنَّة وهربًا من النَّار" ٢.
إِذا عرفنَا مَا ذكر اتَّضَح أهمية الْيَقِين بِالشَّهَادَةِ وَأَنه فضلا عَن كَونه شرطا لتحققها وفارقًا بَين الْمُؤمن وَالْمُنَافِق وشرطًا للمغفرة وَدخُول الْجنَّة.
أَنه أصل الْإِيمَان - كَمَا قَالَ ابْن حجر.
أما القَوْل بِأَن التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِدُونِ استيقان الْقلب كافٍ فِي الإِيمان فَهُوَ مَذْهَب غلاة المرجئة - والآيات وَالْأَحَادِيث الآنف ذكرهَا كلهَا تدل على فَسَاده بل هُوَ مَذْهَب مَعْلُوم الْفساد من الشَّرِيعَة لمن وقف عَلَيْهَا، وَلِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ تسويق النِّفَاق وَالْحكم لِلْمُنَافِقِ بِالْإِيمَان الصَّحِيح وَهُوَ بَاطِل قطعا ٣. وَالله أعلم.
_________
١ - هَذَا طرف من أثر وَصله الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح. وبقيته (وَالصَّبْر نصف الْإِيمَان) وَقد تعلق بِهَذَا الْأَثر من قَالَ: إِن الْإِيمَان مُجَرّد التَّصْدِيق. وَأجِيب بِأَن مُرَاد ابْن مَسْعُود أَن الْيَقِين أصل الْإِيمَان. انْظُر: فتح الْبَارِي ج١ ص ٤٨.
٢ - فتح الْبَارِي ج١ص ٤٨.
٣ - انْظُر. الْمُفْهم شرح صَحِيح مُسلم ج١ ص ١٦٠.
والمعلم بفوائد مُسلم للْإِمَام أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ الْمَازرِيّ ج١ ص ١٩٤.
الشَّرْط الثَّالِث: الْإِخْلَاص الْإِخْلَاص: لُغَة: مصدر أخْلص يخلص. وَهُوَ يرد لمعانٍ. مِنْهَا: تنقية الشَّيْء وتهذيبه. تَقول: أخلصت السّمن: أَي جعلته خَالِصا. وأخلص لله دينه: أمحضه وَترك الرِّيَاء فِيهِ. فَهُوَ عبد مخلص. وأخلص الشَّيْء: اخْتَارَهُ.
الشَّرْط الثَّالِث: الْإِخْلَاص الْإِخْلَاص: لُغَة: مصدر أخْلص يخلص. وَهُوَ يرد لمعانٍ. مِنْهَا: تنقية الشَّيْء وتهذيبه. تَقول: أخلصت السّمن: أَي جعلته خَالِصا. وأخلص لله دينه: أمحضه وَترك الرِّيَاء فِيهِ. فَهُوَ عبد مخلص. وأخلص الشَّيْء: اخْتَارَهُ.
1 / 426
وَقُرِئَ: ﴿إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ ١ بِكَسْر اللَّام وَفتحهَا - قَالَ ثَعْلَب: يَعْنِي بالمخلِصين: الَّذين أَخْلصُوا الْعِبَادَة لله تَعَالَى، وبالمخلَصين: الَّذين أخلصهم الله ﷿.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا ...﴾ الْآيَة٢وَقُرِئَ: مخلِصًا. والمخلَص: الَّذِي جعله الله مُخْتَارًا خَالِصا من الدنس. والمخلِص: الَّذِي وحد الله تَعَالَى خَاصّا. وَلذَلِك قيل لسورة قل هُوَ الله أحد سُورَة الْإِخْلَاص. قَالَ ابْن الْأَثِير: سميت بذلك لِأَنَّهَا خَالِصَة فِي صفة الله تَعَالَى وتقدس. أَو لِأَن اللافظ بهَا قد أخْلص التَّوْحِيد لله ﷿. وَسميت كَذَلِك - لَا إِلَه إِلَّا الله - كلمة الْإِخْلَاص لِأَن اللافظ بهَا قد أخْلص التَّوْحِيد لله ﷿.٣
وَحَقِيقَة الْإِخْلَاص: هُوَ تصفية الْعَمَل لله بالتبري من دونه.٤
قَالَ الْغَزالِيّ - فِي بَيَان حَقِيقَة الْإِخْلَاص -: "اعْلَم أَن كل شَيْء يتصّور أَن يشوبه غَيره فَإِذا صفا عَن شوبه وخلص عَنهُ سمي خَالِصا، وَيُسمى الْفِعْل الْمُصَفّى: المخلص. والتصفية إخلاصًا. قَالَ تَعَالَى: ﴿... مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ ٥ ... وَالْإِخْلَاص يضاده الْإِشْرَاك ... فمهما كَانَ الْبَاعِث وَاحِدًا على التجرد سمي الْفِعْل الصَّادِر عَنهُ إخلاصًا ... وَلَكِن الْعَادة جَارِيَة بتخصيص اسْم الْإِخْلَاص بتجريد قصد التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى عَن جَمِيع الشوائب ... ".٦
_________
١ - آيَة ٨٣ ص.
٢ - آيَة ٥١ مَرْيَم.
٣ - انْظُر: لِسَان الْعَرَب مَادَّة خلص جـ٢٨ ص ٢٦ - ٢٨ ومعجم مقاييس اللُّغَة مَادَّة خلص ج٢ص٢٠٨ والصحاح للجوهري مَادَّة خلص ج٣ ص ٣٣ ١٠ وتاج الْعَرُوس مَادَّة خلص ج٤ ص ٣٨٩ - ٣٩٠.
٤ - انْظُر تَاج الْعَرُوس ج٤ص٣٩٠.
٥ - آيَة ٦٦ النَّحْل.
٦ - الْإِحْيَاء ج٤ ص ٣٧٩.
1 / 427
فَمن لم يخلص الْعِبَادَة لله تَعَالَى بِأَن أَرَادَ بهَا الرِّيَاء أَو السمعة أَو الدُّنْيَا أَو نَحْوهَا لم يُحَقّق الشَّهَادَة لانْتِفَاء شَرط الْإِخْلَاص١. قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تيميه: "وأصل الْإِسْلَام أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَمن طلب بِعِبَادَتِهِ الرِّيَاء والسمعة فَلم يُحَقّق شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله ..." ٢ لِأَنَّهُ لم يخلص فِي مقتضاها.
وَإِلَيْك بعض الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة الَّتِي تُشِير إِلَى هَذَا الشَّرْط:
فَمن الْكتاب: قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ...﴾ الْآيَة ٣.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ ٤.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ...﴾ الآَية ٥.
وَمن السّنة مَا يضيق عَنهُ الْمقَام. مِنْهَا: مَا يَلِي:
عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول: "قَالَ الله تَعَالَى: أَنا أغْنى الشُّرَكَاء من عمل عملا أشرك فِيهِ معي غَيْرِي تركته وشركه " ٦.
وَعَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ: قيل يَا رَسُول الله من أسعد النَّاس بشفاعتك يَوْم الْقِيَامَة؟ فَقَالَ ﷺ: "لقد ظَنَنْت يَا أَبَا هُرَيْرَة أَن لَا يسْأَل عَن هَذَا الحَدِيث أحد أوَّل مِنْك لما رَأَيْت من حرصك على الحَدِيث. أسعد النَّاس بشفاعتي يَوْم الْقِيَامَة من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله خَالِصا من قلبه ". وَفِي رِوَايَة
_________
١ - انْظُر: فتح الْمجِيد ص ٣٨ وَالْكَلَام الْمُنْتَقى ص٣٠.
٢ - الْفَتَاوَى ج١١ ص٦١٧.
٣ - آيَة ٢ - ٣ الزمر.
٤ - آيَة ١٤ الزمر.
٥ - آيَة ٥ الْبَيِّنَة.
٦ - رَوَاهُ مُسلم فِي الزّهْد بَاب تَحْرِيم الرِّيَاء ج١٨ ص ١١٥.
1 / 428
"خَالِصَة من قلبه " ١.
وَعَن عتْبَان بن مَالك ﵁ عَن النَّبِي ﷺ قَالَ: "الله حرم على النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يَبْتَغِي بذلك وَجه الله ﷿ " ٢.
وَعَن ابْن عمر أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ: " إِنِّي لأرجو أَلا يَمُوت أحد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصا من قلبه فيعذبه الله ﷿ " ٣.
وَعَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ: "مَا قَالَ عبد لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصًا من قلبه، إِلَّا فتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء حَتَّى تُفْضِي إِلَى الْعَرْش مَا اجْتنب الْكَبَائِر" ٤.
وَعَن معَاذ ﵁ أَن النَّبِي ﷺ قَالَ: " من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصًا من قلبه دخل الْجنَّة".٥
وَعَن أنس أَن النَّبِي ﷺ قَالَ: "لَا إِلَه إِلَّا الله كلمة عَظِيمَة كَرِيمَة على الله تَعَالَى من قَالَهَا مخلصا ستوجب الْجنَّة وَمن قَالَهَا كَاذِبًا عصمت مَاله وَدَمه وَكَانَ مصيره إِلَى النَّار".٦
وَالْمرَاد هُنَا: الْإِخْلَاص فِيمَا تَقْتَضِيه لَا إِلَه إِلَّا الله من الْعُبُودِيَّة لله وَحده لَا شريك لَهُ.
_________
١ - رَوَاهُ البُخَارِيّ وَكتاب الْعلم بَاب الْحِرْص على الحَدِيث ج١ ص ١٩٣، وَأحمد فِي مُسْنده ج٢ص ٣٧٣.
٢ - رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الرقَاق بَاب الْعَمَل الَّذِي يبتغى بِهِ وَجه الله ج١١ ص ٢٤١، وَمُسلم فِي كتاب الْمَسَاجِد ومواضع الصَّلَاة بَاب الرُّخْصَة فِي التَّخَلُّف عَن الْجَمَاعَة لعذر جـ٥ ص١٦٠.
٣ - رَوَاهُ الديلمي والخطيب عَن ابْن عمر. كنز الْعمَّال ج١ ص٥١ - ٥٢، وَالْجَامِع الْكَبِير للسيوطي ج١ ص٣١٠.
٤ - أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الدَّعْوَات بَاب رقم ١٢٧ برقم٠ ٩ ٣٥ بِإِسْنَاد حسن وَانْظُر: جَامع الْأُصُول ج٤ ص ٣٩ (الْمَتْن والحاشية)
٥ - رَوَاهُ بن حبَان فِي صَحِيحه. صَحِيح ابْن حبَان ج١ ص٣٦٧ (الْمَتْن والحاشية) .
٦ - رَوَاهُ ابْن النجار عَن دِينَار عَن أنس. كنز الْعمَّال ج١ ص ٦٢، وَالْجَامِع الْكَبِير للسيوطي ج١ص٨٧٥.
1 / 429
هَذِه بعض الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة الَّتِي توكد شَرْطِيَّة الْإِخْلَاص وأهميته. بل هُوَ حَقِيقَة الْإِسْلَام. قَالَ شيخ الْإِسْلَام: "وَأما الْإِخْلَاص فَهُوَ حَقِيقَة الْإِسْلَام إِذْ "الْإِسْلَام " هُوَ الاستسلام لله لَا لغيره كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ ...﴾ ١ فَمن لم يستسلم لله فقد استكبر، وَمن استسلم لله وَلغيره فقد أشرك وكل من الْكبر والشرك ضد الْإِسْلَام، وَالْإِسْلَام ضد الشّرك وَالْكبر" ٢.
وَمن هُنَا يتَبَيَّن لنا أَنه لَا ينْتَفع قائلوا الشَّهَادَة - وَإِن كَانُوا عَالمين بمعناها علما يَقِينا إِلَّا إِذا كَانُوا مُخلصين فِي عِبَادَتهم لله وَحده. والمخلصون هم: الَّذين كَانَت أَعْمَالهم كلهَا لله - سَوَاء كَانَت قلبية أَو قوليه أَو عملية - لله وَحده لَا شريك لَهُ لَا يُرِيدُونَ بهَا من النَّاس جَزَاء وَلَا شكُورًا وَلَا ابْتِغَاء الجاه عِنْدهم، وَلَا طلب المحمودة والمنزلة فِي قُلُوبهم، وَلَا هربًا من ذمهم٣.
فلابد من الْإِخْلَاص لله تَعَالَى فِي جَمِيع أَنْوَاع الْعِبَادَة، وَهُوَ مَا تَقْتَضِيه شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن حسن فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿... فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ٤: "إِنَّه ربكُم وخالقكم وَمن قبلكُمْ وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة فَلَا ترغبوا عَنهُ إِلَى غَيره بل أَخْلصُوا لَهُ الْعِبَادَة بِجَمِيعِ أَنْوَاعهَا فِيمَا تطلبونه من قَلِيل أَو كثير" ٥
وَلم يُحَقّق الْإِخْلَاص لله تَعَالَى من دَعَا غَيره وَإِن كَانَ نَبيا أَو صَالحا أَو ملكا أَو استشفع بجاههم أَو ذاتهم إِلَى الله تَعَالَى فِي طلب خير أَو كشف ضرّ قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ
_________
١ - آيَة ٢٩ الزمر.
٢ - الْفَتَاوَى ج١٠ص٨٣.
٣ - انْظُر: مدارج السالكين ج١ ص٨٣.
٤ - آيَة ٢٢ الْبَقَرَة.
٥ - قُرَّة عُيُون الْمُوَحِّدين ومجموعة التَّوْحِيد ص ٣٠ - ١ ٣.
1 / 430