هذا، والروايات المصححة تفيد أن تعرض الشيطان ورمي إبراهيم ﵇ له كان وإبراهيم خارج من مكة ذاهب إلى عرفة، وليس ذلك وقت رمي الجمرات المشروع. فالظاهر أن رمي إبراهيم ﵇ للشيطان لم يكن لأن الرمي من المناسك، ولكنه بعد أن أفاض من عرفة أمره الله ﷿ أن يرمي تلك المواضع التي تراءى له الشيطان فيها أولًا تذكارًا لنعمة الله ﷿ عليه بتسليطه على الشيطان، وإعاذته منه. وصار ذلك من المناسك شكرًا لذلك، وتعليمًا للناس أنه إذا وسوس لهم الشيطان في طريقهم إلى ربهم ﷿ زجروه، وأخسؤوه، وطردوه، واستعانوا الله تعالى عليه؛ ووعدًا لهم بأنهم إذا فعلوا [ص ٨١] ذلك أعاذهم الله تعالى.
فإن قلت: فعلى ما ذكرته يكون المشروع من رمي الجمار غير موافق رمي إبراهيم ﵇ للشيطان، وهو مخالف له من جهات:
الأولى: أنه على قولك، يكون رميه للشيطان يوم التروية.
الثانية: أنه رماه أولًا عند جمرة العقبة ثم الوسطى ثم القصوى.
الثالثة: أنه كان ذلك مرة واحدة، لم يتكرر الرمي عند كل جمرة في يومين، أو ثلاثة.
الرابعة: أنه لم يتكرر عند جمرة العقبة مع أنها في المشروع فضلت برمي يوم، فلا أعجب منك، فررت من وجهين، فوقعت في وجوه!
قلت: إنك إذا تدبرت علمت أن المقصود في شرع رمي الجمار في الادكار والاعتبار، على ما تقدم، لا يتوقف على مشابهة رمي إبراهيم ﵇ للشيطان من كل وجه.