Clarifying the Summary of Al-Hamawiya
فتح رب البرية بتلخيص الحموية
خپرندوی
دار الوطن للنشر
د خپرونکي ځای
الرياض
ژانرونه
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مُضِلّ له؛ ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإن الله - تعالى - بعث محمدًا ﷺ بالهدى ودين الحق؛ رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، وحجّة على العباد أجمعين؛ فأدى الأمانة، وبلّغ الرسالة، ونصح الأمة، وبيّن للناس جميع ما يحتاجون إليه في أصول دينهم وفروعه، فلم يدع خيرًا إلا بيّنه وحثّ عليه، ولم يترك شرًّا إلا حذّر الأمة عنه، حتى ترك أمته على المحجّة البيضاء، ليلها كنهارها، فسار عليها أصحابه نيّرة مضيئة، وتلقاها عنهم كذلك القرون المفضلة، حتى تجهم الجو بظلمات البدع المتنوعة التي كاد بها مبتدعوها الإسلام وأهله، وصاروا يتخبطون فيها خبط عشواء، ويبنون معتقداتهم على نسج العنكبوت. والربّ - تعالى - يحمي دينه بأوليائه الذين وهبهم من الإيمان، والعلم، والحكمة ما به
1 / 3
يصدُّون هؤلاء الأعداء، ويردون كيدهم في نحورهم، فما قام أحد ببدعة إلا قيض الله - وله الحمد - من أهل السنة من يدحض بدعته، ويبطلها.
وكان في مقدمة القائمين على هؤلاء المبتدعة: شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، ثم الدمشقي، المولود في حران يوم الاثنين الموافق ١٠ ربيع الأول سنة ٦٦١ هجرية، والمتوفى محبوسًا ظلمًا في قلعة دمشق في ذي القعدة سنة ٧٢٨ هجرية ﵀.
وله المؤلفات الكثيرة في بيان السنة، وتوطيد أركانها، وهدم البدع.
ومما ألّفه في هذا الباب رسالة "الفتوى الحموية" التي كتبها جوابًا لسؤال ورد عليه في سنة ٦٩٨ هجرية مِنْ "حماة" بلد في الشام، يسأل فيه عما يقوله الفقهاء وأئمة الدين في آيات الصفات وأحاديثها؟ فأجاب بجواب يقع في حوالي ٨٣ صفحة، وحصل له بذلك محنة وبلاء، فجزاه الله - تعالى - عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء.
ولما كان فهم هذا الجواب والإحاطة به مما يشق على كثير من قرائه أحببت أن ألخص المهم منه مع زيادات تدعو الحاجة إليها وسميته
1 / 4
"فتح رب البرية بتلخيص الحموية".
وقد طبعته لأول مرة في سنة ١٣٨٠ هجرية، وها أنا أعيد طبعه للمرة الثانية (١)، وربما غيّرت ما رأيت من المصلحة تغييره من زيادة أو حذف.
والله أسأل أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه ونافعًا لعباده إنه جواد كريم.
المؤلف
_________
(١) -طبع بعدها مراتٍ عديدة.
1 / 5
الباب الأول فيما يجب على العبد في دينه
الواجب على العبد في دينه هو اتباع ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله محمد ﷺ، والخلفاء الراشدون المهديون من بعده من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان.
وذلك أن الله بعث محمدًا ﷺ، بالبينات والهدى، وأوجب على جميع الناس أن يؤمنوا به، ويتّبعوه ظاهرًا وباطنًا، فقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)﴾ [الأعراف الاية١٥٨] .
وقال النبي ﷺ: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" (١) .
والخلفاء الراشدون هم: الذين خلفوا النبي ﷺ في العلم النافع، والعمل الصالح، وأحق الناس بهذا الوصف هم
_________
(١) -رواه الترمذي (٢٦٧٦) كتاب العلم، ١٦ - باب ما جاء في الأخذ بالسنة. وقال: حسن صحيح.
وأبو داود (٤٦٠٧) كتاب السنة، ٦ - باب في لزوم السنة.
وابن ماجه (٤٢) المقدمة، ٦ - باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين.
وأحمد (٤/١٢٦) .
وصححه ابن حبان (١٠١/الموارد) كتاب العلم، ١٥ - باب اتباع رسول الله ﷺ.
والحاكم (١/١٧٤ عطا) .
وأبو نعيم في "المسند المستخرج على صحيح مسلم" (١/٣٦)، وقال: هذا حديث جيد من صحيح حديث الشاميين.
1 / 7
الصحابة ﵃، فإن الله اختارهم لصحبة نبيه ﷺ، وإقامة دينه، ولم يكن الله - تعالى - ليختار - وهو العليم الحكيم - لصحبة نبيه إلا من هم أكمل الناس إيمانًا، وأرجحهم عقولًا، وأقومهم عملًا، وأمضاهم عزمًا، وأهداهم طريقًا، فكانوا أحق الناس أن يُتَّبَعُوا بعد نبيهم ﷺ، ومن بعدهم أئمة الدين، الذين عُرفوا بالهدى والصلاح.
1 / 8
الباب الثاني فيما تضمنته رسالة النبي ﷺ من بيان الحق في أصول الدين وفروعه
رسالة النبي ﷺ تتضمن شيئين هما: العلم النافع، والعمل الصالح، كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)﴾ [التوبة: الاية٣٣] .
فالهدى هو: العلم النافع. ودين الحق هو: العمل الصالح الذي اشتمل على الإخلاص لله، والمتابعة لرسوله ﷺ.
والعلم النافع يتضمن كل علم يكون للأمة فيه خير وصلاح في معاشها، ومعادها، وأول ما يدخل في ذلك العلم بأسماء الله وصفاته وأفعاله؛ فإن العلم بذلك أنفع العلوم. وهو زبدة الرسالة الإلهية، وخلاصة الدعوة النبوية، وبه قوام الدين قولًا، وعملًا، واعتقادًا.
ومن أجل هذا كان من المستحيل أن يهمله النبي ﷺ، ولا
1 / 9
يبيّنه بيانًا ظاهرًا ينفي الشكّ، ويدفع الشبهة، وبيان استحالته من وجوه:
الأول - أن رسالة النبي ﷺ، كانت مشتملة على النور والهدى؛ فإن الله بعثه بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه، وسراجًا منيرًا، حتى ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، وأعظم النور وأبلغه ما يحصل للقلب بمعرفة الله، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فلا بد أن يكون النبي ﷺ، قد بيّنه غاية البيان.
الثاني - أن النبي ﷺ علّم أمته جميع ما تحتاج إليه من أمور الدين والدنيا، حتى آداب الأكل، والشرب، والجلوس، والمنام وغير ذلك. قال أبو ذر ﵁: "لقد توفي رسول الله ﷺ وما طائر يقلب جناحيه إلا ذكر لنا منه علمًا". ولا ريب أن العلم بالله، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، داخل تحت هذه الجملة العامة، بل هو أول ما يدخل فيه لشدة الحاجة إليه.
الثالث - أن الإيمان بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، هو أساس الدين، وخلاصة دعوة المرسلين، وهو أوجب وأفضل ما اكتسبته القلوب وأدركته العقول، فكيف يهمله النبي ﷺ،
1 / 10
من غير تعليم ولا بيان مع أنه كان يعلم ما هو دونه في الأهمية والفضيلة؟!
الرابع - أن النبي ﷺ كان أعلم الناس بربه، وهو أنصحهم للخلق، وأبلغهم في البيان والفصاحة؛ فلا يمكن مع هذا المقتضى التام للبيان أن يترك باب الإيمان بالله وأسمائه وصفاته ملتبسًا مشتبهًا.
الخامس - أن الصحابة ﵃ لا بدّ أن يكونوا قائلين بالحق في هذا الباب؛ لأن ضدّ ذلك إما السكوت، وإما القول بالباطل، وكلاهما ممتنع عليهم:
أمّا امتناع السكوت فوجهه: أن السكوت إمّا أن يكون عن جهل منهم بما يجبُ لله تعالى من الأسماء والصفات، وما يجوز عليه منها ويمتنع، وإمّا أن يكون عن علم منهم بذلك ولكن كتموه، وكل منهما ممتنع:
أما امتناع الجهل: فلأنه لا يمكن لأي قلب فيه حياة، ووعي وطلب للعلم، ونهمة في العبادة إلا أن يكون أكبر همّه هو البحث في الإيمان بالله تعالى، ومعرفته بأسمائه وصفاته، وتحقيق ذلك علمًا واعتقادًا. ولا ريب أن القرون المفضلة وأفضلهم الصحابة هم أبلغ الناس في حياة القلوب، ومحبة الخير، وتحقيق العلوم
1 / 11
النافعة، كما قال النبي ﷺ: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" (١) . وهذه الخيرية تعم فضلهم في كل ما يُقرّب إلى الله من قول، وعمل، واعتقاد.
ثم لو فرضنا أنهم كانوا جاهلين بالحق في هذا الباب لكان جهل من بعدهم من باب أولى؛ لأن معرفة ما يُثْبَتُ لله تعالى من الأسماء والصفات، أو يُنْفَى عنه إنما تُتَلقَّى من طريق الرسالة، وهم الواسطة بين الرسول ﷺ وبين الأمة، وعلى هذا الفرض يلزم أن لا يكون عند أحد علم في هذا الباب، وهذا ظاهر الامتناع.
وأما امتناع كتمان الحق: فلأنّ كل عاقل منصف عرف حال الصحابة ﵃ وحرصهم على نشر العلم النافع، وتبليغه الأمة، فإنه لن يمكنه أن ينسب إليهم كتمان الحق - ولا سيما - في أوجب الأمور، وهو معرفة الله وأسمائه وصفاته.
ثم إنه قد جاء عنهم من قول الحق في هذا الباب شيء كثير يعرفه من طلبه وتتبّعه.
وأما امتناع القول بالباطل عليهم فمن وجهين:
أحدهما: أن القول بالباطل لا يمكن أن يقوم عليه دليل صحيح، ومن المعلوم أن الصحابة ﵃ أبعد الناس
_________
(١) -رواه البخاري (٢٦٥٢) كتاب الشهادات، ٩ - باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد.
ومسلم (٢٥٣٣) كتاب فضائل الصحابة، ٥١ - باب بيان أن بقاء النبي ﷺ أمان لأصحابه وبقاء أصحابه أمان للأمة، من حديث عبد الله بن مسعود.
1 / 12
عن القول فيما لم يقم عليه دليل صحيح، خصوصًا في أمر الإيمان بالله تعالى، وأمور الغيب، فهم أولى الناس بامتثال قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: ٣٦] . وقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: الاية٣٣] .
ثانيهما: أن القول بالباطل إما أن يكون مصدره الجهل بالحق، وإما أن يكون مصدره إرادة ضلال الخلق، وكلاهما ممتنع في حق الصحابة ﵃.
أما امتناع الجهل فقد تقدّم بيانه.
وأما امتناع إرادة ضلال الخلق: فلأن إرادة ضلال الخلق قصد سيئ، لا يمكن أن يصدر من الصحابة الذين عرفوا بتمام النصح للأمة، ومحبة الخير لها.
ثم لو جاز عليهم سوء القصد فيما قالوه في هذا الباب، لجاز عليهم سوء القصد فيما يقولونه في سائر أبواب العلم والدين، فتعدم الثقة بأقوالهم وأخبارهم في هذا الباب وغيره، وهذا من أبطل الأقوال، لأنه يستلزم القدح في الشريعة كلها.
وإذا تبين أن الصحابة ﵃ لا بد أن يكونوا قائلين
1 / 13
بالحق في هذا الباب، فإنهم إما أن يكونوا قائلين ذلك بعقولهم، أو من طريق الوحي. والأول ممتنع؛ لأن العقل لا يدرك تفاصيل ما يجب لله تعالى من صفات الكمال، فتعين الثاني، وهو أن يكونوا تلقوا هذه العلوم من طريق رسالة النبي ﷺ، فيلزم على هذا أن يكون النبي ﷺ، قد بين الحق في أسماء الله وصفاته، وهذا هو المطلوب.
1 / 14
الباب الثالث في طريقة أهل السنة في أسماء الله وصفاته
أهل السنة والجماعة: هم الذين اجتمعوا على الأخذ بسنة النبي ﷺ، والعمل بها ظاهرًا وباطنًا في القول والعمل والاعتقاد.
وطريقتهم في أسماء الله وصفاته كما يأتي:
أولًا - في الإثبات: فهي إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو على لسان رسول الله ﷺ، من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل.
ثانيًا - في النفي: فطريقتهم نفي ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله ﷺ، مع اعتقادهم ثبوت كمال ضده لله تعالى.
ثالثًا - فيما لم يرد نفيه، ولا إثباته مما تنازع الناس فيه كالجسم، والحيز والجهة ونحو ذلك، فطريقتهم فيه التوقف في لفظه فلا يثبتونه، ولا ينفونه لعدم ورود ذلك، وأما معناه فيستفصلون عنه، فإن أُريد به باطل يُنزه الله عنه ردوه، وإن أريد به حق لا يمتنع على الله قبلوه.
1 / 15
وهذه الطريقة هي الطريقة الواجبة، وهي القول الوسط بين أهل التعطيل، وأهل التمثيل.
وقد دل على وجوبها العقل، والسمع:
فأما العقل: فوجه دلالته أن تفصيل القول فيما يجب، ويجوز، ويمتنع على الله تعالى لا يدرك إلا بالسمع، فوجب اتباع السمع في ذلك بإثبات ما أثبته، ونفي ما نفاه، والسكوت عما سكت عنه.
وأما السمع: فمن أدلته قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٠]، وقوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] . وقوله: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: ٣٦] .
فالآية الأولى: دلت على وجوب الإثبات من غير تحريف ولا تعطيل؛ لأنهما من الإلحاد.
والآية الثانية: دلت على وجوب نفي التمثيل.
والآية الثالثة: دلت على وجوب نفي التكييف، وعلى وجوب التوقف فيما لم يرد إثباته أو نفيه.
وكل ما ثبت لله من الصفات فإنها صفات كمال، يحمد عليها، ويثنى بها عليه، وليس فيها نقص بوجه من الوجوه.
1 / 16
فجميع صفات الكمال ثابتة لله تعالى على أكمل وجه.
وكل ما نفاه الله عن نفسه فهو صفات نقص، تنافي كماله الواجب، فجميع صفات النقص ممتنعة على الله تعالى لوجوب كماله. وما نفاه الله عن نفسه فالمراد به انتفاء تلك الصفة المنفية وإثبات كمال ضدها، وذلك أن النفي لا يدل على الكمال حتى يكون متضمنًا لصفة ثبوتية يحمد عليها، فإن مجرد النفي قد يكون سببه العجز فيكون نقصًا، كما في قول الشاعر:
قُبَيِّلَةٌ لا يغدِرُون بذِمَّةٍ ولا يَظْلمون الناسَ حبَّةَ خَرْدَلِ وقد يكون سببه عدم القابلية فلا يقتضي مدحًا، كما لو قلت: الجدار لا يظلم.
إذا تبين هذا فنقول: مما نفى الله عن نفسه الظلم، فالمراد به انتفاء الظلم عن الله مع ثبوت كمال ضده وهو العدل، ونفى عن نفسه اللغوب وهو التعب والإعياء، فالمراد نفي اللغوب مع ثبوت كمال ضده وهو القوة، وهكذا بقية ما نفاه الله عن نفسه، والله أعلم.
1 / 17
التحريف:
التحريف لغة: التغيير.
وفي الاصطلاح: تغيير النص لفظًا، أو معنى. والتغيير اللفظي قد يتغير معه المعنى، وقد لا يتغير، فهذه ثلاثة أقسام:
الأول - تحريف لفظي يتغير معه المعنى؛ كتحريف بعضهم قوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤] إلى نَصْب لفظ الجلالة؛ ليكون التكليم من موسى.
الثاني - وتحريف لفظي لا يتغير معه المعنى؛ كفتح الدال من قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢]، وهذا في الغالب لا يقع إلا من جاهل إذ ليس فيه غرض مقصود لفاعله غالبًا.
الثالث - وتحريف معنوي وهو: صرف اللفظ عن ظاهره بلا دليل؛ كتحريف معنى اليدين المضافتين إلى الله تعالى إلى القوة والنعمة، ونحو ذلك.
التعطيل:
التعطيل لغة: التفريغ والإخلاء.
وفي الاصطلاح هنا: إنكار ما يجب لله تعالى من الأسماء والصفات، أو إنكار بعضه فهو نوعان:
1 / 18
١ - تعطيل كلي؛ كتعطيل الجهمية الذين ينكرون الصفات، وغلاتهم ينكرون الأسماء أيضًا.
٢ - وتعطيل جزئي؛ كتعطيل الأشعرية الذين ينكرون بعض الصفات دون بعض. وأول من عُرف بالتعطيل من هذه الأمة هو الجعد بن درهم.
التكييف:
التكييف: حكاية كيفية الصفة؛ كقول القائل: كيفية يد الله، أو نزوله إلى السماء الدنيا كذا وكذا.
التمثيل، والتشبيه:
التمثيل: إثبات مثيل للشيء.
والتشبيه: إثبات مشابه له. فالتمثيل يقتضي المماثلة، وهي المساواة من كل وجه، والتشبيه يقتضي المشابهة، وهي المساواة في أكثر الصفات، وقد يطلق أحدهما على الآخر، والفرق بينهما وبين التكييف من وجهين:
أحدهما: أن التكييف أن يحكي كيفية الشيء سواء كانت مطلقة أم مقيدة بشبيه، وأما التّمثيل والتّشبيه فيدلان على كيفية مقيّدة بالمماثل والمشابه.
1 / 19
ومن هذا الوجه يكون التكييف أعم؛ لأن كل ممثِّل مكيّف، ولا عكس.
ثانيهما: أن التكييف يختص بالصفات، أما التمثيل فيكون في القَدْر والصفة والذات، ومن هذا الوجه يكون التمثيلُ أعم؛ لتعلقه بالذات والصفات والقدر.
ثم إن التشبيه الذي ضل به من ضل من الناس، على نوعين:
أحدهما - تشبيه المخلوق بالخالق.
والثاني - تشبيه الخالق بالمخلوق.
فأما تشبيه المخلوق بالخالق، فمعناه: إثبات شيء للمخلوق مما يختص به الخالق من الأفعال، والحقوق، والصفات.
الأول - كفعل من أشرك في الربوبية ممن زعم أن مع الله خالقًا.
الثاني - كفعل المشركين بأصنامهم، حيث زعموا أن لها حقًّا في الألوهية، فعبدوها مع الله.
الثالث - كفعل الغلاة في مدح النبي ﷺ، أو غيره مثل قول المتنبي يمدح عبد الله بن يحيى البحتري:
فكن كما شئت يا من لا شبيه له وكيف شئت فما خلق يدانيكا وأما تشبيه الخالق بالمخلوق فمعناه: أن يثبت لله تعالى في
1 / 20
ذاته، أو صفاته من الخصائص مثل ما يثبت للمخلوق من ذلك، كقول القائل: إن يدي الله مثل أيدي المخلوقين، واستواءه على عرشه كاستوائهم، ونحو ذلك.
وقد قيل: إن أول من عرف بهذا النوع هشام بن الحكم الرافضي، والله أعلم.
الإلحاد:
الإلحاد في اللغة: الميل.
وفي الاصطلاح: الميل عما يجب اعتقاده، أو عمله. وهو قسمان:
أحدهما: في أسماء الله.
الثاني: في آياته.
فأما الإلحاد في أسمائه فهو: العدول عن الحق الواجب فيها، وهو أربعة أنواع:
١ - أن ينكر شيئًا منها، أو مما دلت عليه مِنَ الصفات، كما فعل المعطلة.
٢ - أن يجعلها دالة على تشبيه الله بخلقه، كما فعل المشبهة.
٣ - أن يسمي الله بما لم يسمِّ به نفسه؛ لأن أسماء الله توقيفية
1 / 21
كتسمية النصارى له (أبًا) . وتسمية الفلاسفة إياه (علة فاعلة) . ونحو ذلك.
٤ - أنه يشتق من أسمائه أسماء للأصنام، كاشتقاق (اللات) من الإله. و(العزَّى) من العزيز.
وأما الإِلحاد في آياته: فيكون في الآيات الشرعية، وهي ما جاءت به الرسل من الأحكام، والأخبار، ويكون في الآيات الكونية، وهي ما خلقه الله، ويخلقه في السماوات والأرض.
فأما الإلحاد في الآيات الشرعية: فهو تحريفها، أو تكذيب أخبارها، أو عصيان أحكامها.
وأما الإلحاد في الآيات الكونية: فهو نسبتها إلى غير الله، أو اعتقاد شريك أو معين له فيها.
والإلحاد بقسميه حرام؛ لقوله تعالى مهددًا للملحدين: ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٠] .
وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [فصلت: ٤٠] .
ومن الإلحاد ما يكون كفرًا حسب ما تقتضيه نصوص الكتاب والسنة.
1 / 22
الباب الرابع في بيان صحة مذهب السلف وبطلان القول بتفضيل مذهب الخلف في العلم والحكمة على مذهب السلف
سبق القول في بيان طريقة السلف، وذكر الدليل على وجوب الأخذ بها، أما هنا فإننا نُريد أن نُبرهن على أن مذهب السلف هو المذهب الصحيح؛ وذلك من وجهين:
الأول - أن مذهب السلف دل عليه الكتاب والسنة؛ فإن من تتبع طريقتهم بعلم وعدل؛ وجدها مطابقة لما في الكتاب والسنة جملة وتفصيلًا ولا بدّ، فإن الله تعالى أنزل الكتاب ليدبّر الناس آياته، ويعملوا بها إن كانت أحكامًا، ويصدِّقوا بها إن كانت أخبارًا. ولا ريب أن أقرب الناس إلى فهمها وتصديقها والعمل بها هم السلف؛ لأنها جاءت بلغتهم وفي عصرهم، فلا جرم أن يكونوا أعلم الناس بها فقهًا، وأقومهم عملًا.
الثاني - أن يقال: إن الحق في هذا الباب إما أن يكون فيما قاله
1 / 23